جلسة 137

كفارات الصوم

الوجه الثاني: التمسك بما أفاده السيد الخوئي في أكثر من مورد، وهو أن ظاهر دليل تحريم أي شيء من الأشياء هو تحريمه بنحو المباشرة وبنحو التسبيب، ولا يختص التحريم بحالة المباشرة، فلو قيل: لا تشرب النجس، فهم العرف منه حرمة مباشرة شرب النجس وحرمة التسبيب إليه، فعلى هذا الأساس لو دخل شخص إلى داري وكان هناك ماء نجس، فتارة أقدم له ذلك الماء النجس ليشربه في حالة عطشه فهنا يصدق التسبيب إلى شرب النجس فيكون محرماً، وأمّا إذا فرض أن ذلك الشخص مد يده إلى الماء النجس من دون أن أُقدمه له ومن دون جعله في معرض التناول، ففي مثله لا يثبت التحريم إذ لم أُسبب بفعلي إلى شربه للنجس، كما ولا يجب الإعلام لعدم الدليل على ذلك.

وعليه، نخرج بقاعدة عامة بسبب هذا الظهور العرفي وحاصلها: أن الدليل إذا دلّ على حرمة شيء فلا يختص التحريم بحالة المباشرة، بل يعم حالة التسبيب أيضاً، والمدرك للتعميم المذكور هو الظهور العرفي، وعلى هذا الأساس يقال في مقامنا بأن الجماع إذا كان محرماً على الصائم فحرمته لا تختص بحالة المباشرة، بل تعم حالة التسبيب التي تتحقق بالإكراه، فإكراه الزوج لزوجته على الجماع هو نحو تسبيب من قبل الزوج إلى الجماع فيكون محرماً، وعلى هذا الأساس أفتى ـ قدّس سرّه ـ بالتحريم.

وفيه: أن الظهور المذكور وإن كان وجيهاً ولكن تطبيقه في المقام قابل للتأمل، إذ النهي عن الجماع متوجه إلى الصائم، فالصائم يحرم عليه الجماع، وإذا كان محرماً عليه حالة الصوم فالحرمة تعم حالة التسبيب أيضاً، ولكن المفروض في المقام أن الزوج ليس بصائم ومعه فلا يوجد دليل على تحريم الجماع في حقه ليقال: إنه لا يختص بحالة المباشرة ويعم حالة التسبيب، إذن تطبيق الظهور المذكور على المقام ليس بصحيح.

هذان وجهان لإثبات التحريم، وقد اتضح التأمل فيهما، وقد يضاف إلى ذلك وجه ثالث، وهو أن الجماع بلحاظ الزوجة ما دام محرّماً ومبغوضاً حيث إنها صائمة ـ والصائم يحرم عليه الجماع وهو مبغوض في حقه ـ فلا يجوز للزوج الإكراه على ذلك؛ لأنه إكراه على الحرام والمبغوض.

وفيه: أن الجماع وإن كان محرماً في حق الزوجة ومبغوضاً أيضاً ولكن ذلك خاص بحالة اختيارها، وأمّا إذا كانت مكرهة فلا حرمة ولا مبغوضية، فالإكراه إكراه على ما ليس بحرام وليس بمبغوض، فإن شرط الحرمة والمبغوضية الاختيار وعدم الإكراه، ومتى ما تحقق الإكراه زال موضوع الحرمة، فالزوج بإكراهه يزيل موضوع الحرمة والمبغوضية، وإزالة موضوع الحكم بالتحريم أمر جائز ولا محذور فيه، نظير ما إذا فرض أن الزوجة تتناول الأقراص التي تقطع الدورة الشهرية، فإن فعلها المذكور يزيل موضوع حرمة الجماع وحرمة الدخول في المساجد وما شاكل ذلك، ومثله مباح لا محذور فيه؛ لأنها إذا لم تتناول الأقراص كان الدم مستمراً فتحرم عليها الصلاة ودخول المساجد والجماع وما شاكل ذلك، فبالتناول يزول الموضوع ويحصل تبدل إلى موضوع جديد ويثبت حكم جديد كوجوب الصلاة وجواز الجماع وما شاكل ذلك، وفي مقامنا موضوع حرمة الجماع بلحاظ الزوجة هو الاختيار، والزوج بإكراهه يزيل هذا الموضوع ولا محذور في ذلك.

إن قلت: بناءً على هذا يلزم أن نحكم بجواز الإكراه على شرب الخمر أو على الزنا، لأنه بالإكراه سوف يرتفع موضوع التحريم بلحاظ الشخص المكره فلا يعود الإكراه آنذاك محرماً.

قلت: إن الفارق واضح، فإنه في مثال الزنا وشرب الخمر يفترض وجود خطاب في حق الشخص يقول له: لا تشرب الخمر، وهو بواسطة ذلك الظهور العرفي يفهم منه حرمة التسبيب، فالإكراه على شرب الخمر يكون محرماً بسبب ضم ذلك الظهور العرفي، وهذا بخلافه في المقام، فإن المفروض أن الزوج ليس بصائم، وبالتالي لا يوجد في حقه خطاب بحرمة الجماع ليستفاد منه حرمة التسبيب، فالحرمة على هذا الأساس ليست بثابتة لا من باب حرمة التسبيب لأنها خاصة بمن خوطب بحرمة الجماع، ولا من ناحية الإكراه على الحرام، إذ بمجرد الإكراه ترتفع الحرمة من جهة الزوجة، فأين الإكراه على الحرام؟