جلسة 117

كفارة الصوم

النقطة الثانية: أن الواجب في الإطعام إذا اختاره المكلف هو الدفع إلى كل فقير مقدار مدّ من الطعام، فيكون المجموع ستين مداً لستين فقيراً، والمعروف أنّ كل صاع يساوي أربعة أمداد، فتكون الكفارة ما يعادل خمسة عشر صاعاً، والمدّ يقرب من ثلاثة أرباع الكيلو، فيكون المدفوع للفقراء الستين ما يساوي خمسة وأربعين كيلواً.

وتوجد أحكام متعددة ترتبط بالإطعام أشار السيد الماتن ـ قدّس سرّه ـ في هذه المسألة إلى اثنين منها، وقد يأتي بعضها الآخر في بعض المسائل الآتية إن شاء الله، والحكمان هما:

الحكم الأوّل: إذا أراد المكلف الدفع إلى الفقير فهناك طريقان يمكن للمكفّر أن يسلكهما:

الطريق الأوّل: أن يقوم بإعداد وليمة تكفي لستين فقيراً إلى حدّ الإشباع، فربما يأكل الفقير الواحد أكثر من مدّ من الطعام وربما يأكل ـ كما هو المتعارف ـ أقل من ذلك، فالعمدة في صدق عنوان التكفير في هذا الطريق هو الإشباع، وسوف يأتي إن شاء الله تعالى التعرض لهذا بشكل مفصل.

الطريق الثاني : أنْ يدفع لكل فقير مدّاً من الطعام،  وهذا هو المشهور  بين الأصحاب كما ذكر الشيخ النراقي [1] قدّس سرّه ، خلافاً للشيخ الطوسي[2] ـ  قدّس سرّه ـ الذي اختار المدّين. والمناسب ما عليه المشهور للتصريح بذلك في روايتين:

الاُولى: موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: سألته عن رجل أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً  ؟  قال: «عليه خمسة عشر صاعاً، لكل مسكين مدّ بمدّ النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ أفضل»[3]، ودلالتها واضحة.

الثانية: موثقة سماعة قال: سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل؟ قال: «عليه إطعام ستّين مسكيناً، مدّ لكل مسكين»[4]، ودلالتها واضحة أيضاً.

هذا ولكن ورد في باب الظهار أنّ كفارة المظاهر مدّان لكل فقير، فيكون المجموع بالصاع ثلاثين صاعاً، فلاحظ صحيحة أبي بصير، عن أحدهما ـ عليهما السلام ـ في كفّارة الظهار ـ قال: «تصدّق على ستّين مسكيناً ثلاثين صاعاً، لكلّ مسكين مدّين مدّين»[5].

ثم إنه احتملنا وجود خصوصية للظهار اقتصرنا بها على موردها وهو الظهار، وأمّا إذا لم نحتمل ذلك وجزمنا بعدم الفصل فيحصل تعارض بينهما.

وفي مقام الجمع قد يجمع بحمل المدّين على الاستحباب، فإذا قبلنا ذلك فهو المطلوب للمشهور، فيكون الواجب مدّاً ودفع المدّ الثاني مستحباً، وأمّا إذا رفضنا عرفية الجمع المذكور وكان التعارض مستقراً تساقطا ورجعنا إلى الأصل وهو يقتضي البراءة من المدّ الزائد لاشتغال الذمة يقيناً بالأقل، ويُشك في اشتغالها بالزائد فينفى بالبراءة.

إن قلتَ: إنّ الذمة قد اشتغلت بعنوان الكفارة، فلو دفعنا مقدار المدّ شككنا في الفراغ فيلزم دفع مدّين ليتيقن بالفراغ مما اشتغلت به الذمة، وهو عنوان الكفارة.

قلتُ: صحيح قد اشتغلت الذمة بالكفارة ولكن لا بعنوانها بل بواقعها، ونحن نشك أنّ واقع الكفارة الذي اشتغلت به الذمة هو المدّ أو المدّان فيكون الاشتغال بالمدّ متيقناً والزائد مشكوكاً فينفى بالبراءة.

نعم، لو كانت مشغولة بعنوان الكفارة فالمناسب هو الاشتغال، أي دفع مدّين؛ لأنّ عنوان الكفارة عنوان بسيط وليس مردداً بين الأقل والأكثر حتى يكون كواقع الكفارة، فإنّ واقع الكفارة مردد بين الأقل والأكثر فينفى الأكثر بالبراءة، بخلاف عنوان الكفارة فإنه بما هو عنوان لا يتردد بين الأقل والأكثر وإنما المحصِّل له والموجد مردد بين الأقل والأكثر، فإذا اشتغلت الذمة بالعنوان المذكور لزم تحصيل الفراغ اليقيني وهو لا يحصل إلاّ بدفع المدّين، ولكن الذمة ليست مشغولة بالعنوان المذكور، بل هي مشغولة بواقعه، والمنبه الوجداني على ذلك أنّ المكلف لو دفع واقع الكفارة ولو من دون قصد إجمالي لعنوانها أجزأه ذلك وكفى، وهذا يدل على أنّ المطلوب ليس عنوان الكفارة بل واقعها، فإذاً الواجب على المكلف مدّ واحد من الطعام.

هذا، وقد ورد في بعض الروايات التعبير بأنّ الواجب خمسة عشر صاعاً كما في الموثقة السابقة، وفي بعضها الآخر عشرون صاعاً كما في موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألته عن رجل أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً؟ قال: «يتصدق بعشرين صاعاً ويقضي مكانه»[6]، ومقدار عشرين صاعاً لا ينطبق على حساب المد الواحد، وكذلك لا ينطبق على حساب المدّين لو قلنا بكون الواجب مدّين، إذ على الأوّل يصير اللازم خمسة عشر صاعاً بينما على الثاني يصير ثلاثين صاعاً.

وورد في صحيحة جميل بن درّاج، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: .... قال: «فدخل رجل من الناس بمكتل من تمر فيه عشرون صاعاً يكون عشرة أصوع بصاعنا، فقال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ: خذ هذا التمر فتصدّق به»[7].

ويمكن حمل ذلك على اختلاف مقدار الصاع باختلاف الأمكنة، كما يفهم ذلك من الرواية الأخيرة، ولا ضير في هذا الاختلاف بعد الاتفاق على أنّ الواجب هو مدّ واحد، وإذا تنزّلنا وسلّمنا أنّه مدّان فلا تكون النتيجة عشرين صاعاً، بل ثلاثين صاعاً.

ثم إنّه لو تنزّلنا عن كلّ هذا وقلنا بالتعارض المستقر يحصل التساقط ونرجع إلى الأصل، وهو يقتضي الاكتفاء بالخمسة عشر صاعاً وتجري البراءة عن الخمسة أصوع الزائدة.

_______________________

[1] مستند الشيعة في معرفة أحكام الشريعة ج10 كتاب الصوم ص533.

[2] الخلاف ج2 كتاب الصوم ص188. المبسوط ج1 كتاب الصوم ص271.

[3] الوسائل 10: 48، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب8، ح10.

[4] الوسائل 10: 49، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب8، ح12.

[5] الوسائل 22: 382، أبواب الكفارات، ب14، ح6.

[6] الوسائل 10: 46، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب8، ح4.

[7] الوسائل 10: 46، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب8، ح2.