جلسة 114

كفارة الصوم

ثم لا يخفى أنه بناء على هذا ينبغي حذف صوم النذر المعيّن، والاقتصار على صوم شهر رمضان وقضائه؛ لأن الكفارة فيما ذكر هي لأجل مخالفة النذر وليس لخصوصية الصوم، فإن الكفارة في ذلك هي كفارة خُلفٍ النذر، وعليه يكون المناسب الاقتصار على صوم شهر رمضان وقضائه.

النقطة الثالثة: يختص وجوب الكفارة بالعالم بالحكم، فمن ارتكب مفطراً وهو لا يدري بحرمة ارتكابه فلا كفارة عليه، وعلى هذا الأساس تنحل مشكلة كثير من الناس في أوائل بلوغهم، فإن الصبي أو الصبية بعد بلوغهما يصومان وقد يرتكبان بعض المفطرات جهلاً منهما بحرمة ارتكاب ذلك، وفي مثله لا كفارة، فالكفارة تختص بالعالم بحرمة ارتكاب الشيء، ومستند ذلك صحيحة عبد الصمد المتقدمة[1] حيث ورد فيها: «أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه...».

وحيث إنّ الكفارة مترتبة على فعل المفطر فتكون بمقتضى الصحيحة المذكورة مرتفعة في حالة الارتكاب عن جهالة. ومورد الصحيحة وإن كان هو الحج إلاّ أنّ المورد كما نعرف لا يخصص الوارد، وَذِكْرُ صاحب (الوسائل) ـ قدّس سرّه ـ وغيره لها في باب الحج لا يصلح قرينة لتخصيصها بذلك، ونحن قد استفدنا منها فيما سبق أكثر من ذلك حيث رفعنا ببركتها وجوب القضاء أيضاً عن الجاهل كما صنع صاحب (الحدائق)، ولكن السيد الماتن وجماعة قالوا: إنها ترفع الكفارة فقط دون القضاء، باعتبار أنّ وجوب القضاء ليس أثراً مترتباً شرعاً على فعل المفطر، وإنما المترتب عليه هو الكفارة فقط.

ثم إنّه بعد البناء على رفع الكفارة عن الجاهل بالصحيحة المذكورة نقول: لا فرق بين أن يكون الجهل عن قصور أو عن تقصير، فحتى المقصر ترتفع عنه الكفارة لإطلاق كلمة الجهالة الواردة في الصحيحة. نعم، لابدّ وأن يكون الجهل جهلاً مركباً بأن يرتكب الصائم الشيء وهو معتقد أنه حلال له، وأمّا إذا ارتكبه وهو متردد في حرمته ـ أي كان جهله جهلاً بسيطاً ـ فلا تشمله الصحيحة ولا ترفع عنه الكفارة؛ لانصراف كلمة الجهالة عن مثله، فعرُفاً يقال: إنه ارتكب عن تردد، ولا يقال: ارتكب عن جهالة.

كما أنّه ينبغي الالتفات إلى أن الذي ترتفع عنه الكفارة هو الجاهل بأصل الحرمة، أمّا من علم بالحرمة ولكن لا يدري أنّه يترتب عليها وجوب القضاء أو وجوب الكفارة فالصحيحة لا تشمله، بمعنى لا ترتفع عنه الكفارة، بل تكون ثابتة، فإن مثله لا يصدق عليه أنّه ارتكب بجهالة، بل ارتكب بعلم بالحرمة. نعم، هو جاهل من حيثية أُخرى، أي من حيثية وجوب القضاء أو الكفارة، ولكن ظاهر كلمة «بجهالة» هو الجهالة المطلقة والمطبقة من جميع النواحي.

والنتيجة من كل هذا أن من ارتكب مفطراً عن جهل بحرمته فلا كفارة عليه، وهل في المسألة خلاف؟ نعم، المنسوب إلى الأَكثر وجوب الكفارة على الجاهل، ولعل ذلك من باب التمسك بإطلاق صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة[2] التي دلت على أنّ من ارتكب مفطراً عن عمد فعليه الكفارة، وعنوان العمد صادق على الجاهل.

وقيل بالتفصيل بين القاصر فلا كفارة عليه، وبين المقصر فتجب عليه، ولعل النكتة في هذا التفصيل هي أنّ الكفارة تثبت شرعاً من باب الإثم والعقوبة، وهما يتناسبان مع المقصر، وبذلك تنصرف صحيحة ابن سنان الدالة على الكفارة عن القاصر، إذ لا إثم ولا عقوبة في حقه، ولكنك عرفت من خلال ما سبق أنّ صحيحة عبد الصمد ناظرة إلى الأدلة الأوّلية وترفع كلَ أثرٍ مترتب على فعل الشيء ما دام الارتكاب عن جهالة من دون فرق بين القاصر والمقصر.

(مسألة 1007: كفارة إفطار يوم من شهر رمضان مُخيّرة بين عتق رقبة، وصوم شهرين متتابعين، وإطعام ستين مسكيناً، لكل مسكين مدّ وهو يساوي ثلاثة أرباع الكيلو تقريباً، وكفارة إفطار قضاء شهر رمضان ـ بعد الزوال ـ إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ، فإن لم يتمكن صام ثلاثة أيام، وكفارة إفطار الصوم المنذور المعين كفارة يمين وهي عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين لكلّ واحد مدّ، أو كسوة عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام) [3] .

تشتمل المسألة المذكورة على النقاط التالية:

النقطة الاُولى: كفارة الإفطار في شهر رمضان مُخيّرة بين الخصال الثلاث وليست مرتبة، ولم ينسب الخلاف في ذلك إلاّ إلى السيد المرتضى ـ قدّس سرّه ـ في أحد قوليه وابن أبي عقيل قدّس سرّه، فإنهما قالا بالترتيب، فأوّلاً يجب العتق، فإن لم يتمكن فالصيام، فإن لم يتمكن فالإطعام [4] .

ومستند المشهور في الحكم بالتخيير روايتان:

الاُولى: صحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: في رجل أفطر من شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر، قال: «يعتق نسمة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستّين مسكيناً، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق»[5] ، حيث عبّرت بكلمة «أو» الدالة على التخيير.

الثانية: موثقة سماعة قال: سألته عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمّداً؟ قال: «عليه عتق رقبة، أو إطعام ستّين مسكيناً، أو صوم شهرين متتابعين، وقضاء ذلك اليوم، ومن أين له مثل ذلك اليوم» [6].

ودلالة الروايتين على التخيير واضحة.

وفي مقابل ذلك صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام، قال: سألته عن رجل نكح امرأته وهو صائم في رمضان، ما عليه؟ قال: «عليه القضاء وعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فاطعام ستّين مسكيناً، فإن لم يجد فليستغفر الله» [7] .

وقريب منها رواية الصدوق بإسناده عن عبد المؤمن بن الهيثم الأنصاري، عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ: «أنّ رجلاً أتى النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ فقال: هلكت وأهلكت. فقال: وما أهلكك؟ قال: أتيت امرأتي في شهر رمضان وأنا صائم، فقال له النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ: اعتق رقبة، قال: لا أجد، قال: فصم شهرين متتابعين، قال: لا أُطيق، قال: تصدّق على ستّين مسكيناً، قال: لا أجد، فأتى النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ بعذق في مكتل فيه خمسة عشر صاعاً من تمر، فقال له النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ: خذ هذا فتصدّق بها، فقال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منّا، فقال: خذه وكله أنت وأهلك فإنّه كفّارة لك» [8] .

إلاّ أنّ الرواية المذكورة ضعيفة سنداً ودلالة، أمّا سنداً؛ فلعدم توثيق عبد المؤمن، وأمّا دلالة، فلأنه لا يفهم منها لزوم الترتيب.

والمهم صحيحة علي بن جعفر ولكنها كما عرفت معارضة بالروايتين السابقتين.

_____________________

[1] الوسائل 12: 488، أبواب تروك الإحرام، ب45، ح3.

[2] الوسائل 10: 44 ـ 45، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب8، ح1.

[3] منهاج الصالحين ج1 كتاب الصوم ـ كفارة الصوم ص270.

[4] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ج16 كتاب الصوم ص268.

[5] الوسائل 10: 44 ـ 45، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب8، ح1.

[6] الوسائل 10: 49، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب8، ح13.

[7] الوسائل 10: 48، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب8، ح9.

[8] الوسائل 10: 46 ـ 47، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب8، ح5.