33-12-25


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

33/12/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 356 ) / الـواجـب الخامس مــن واجبـات عمـرة التمتع ( التقصير) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 مسألة ( 356):- إذا قصّر المحرم في عمرة المتمتع حلّ له جميع ما كان يحرم عليه من جهة إحرامه ما عدى الحلق أما الحلق ففيه تفصيل وهو أن المكلف إذا أتى بعمرة التمتع في شهر شوال جاز له الحلق إلى مضي ثلاثين يوماً من عيد الفطر وأما بعده فالأحوط أن لا يحلق وإذا حلق فالأحوط التكفير عنه بشاة إذا كان عن علم وعمد.
 محصل المسالة المذكورة هو أن المتمتع إذا أراد أن يحلّ فعليه بالتقصير بعد السعي وهل يجزي أن يحلق بدل القصير ؟ إن هذا مطلب تقدم في المسألة ( 350 ) وقد ذكر هناك أنه لا يجوز الحلق بدل التقصير خلافاً للشيخ الطوسي(قده) في بعض كتبه ولوالد العلامة(قده) وهذا ليس محل كلامنا فانه قد تقدم ، وإنما الكلام هنا في أن المكلف لو قصّر وأحلّ فالسؤال هل تحلّ عليه جميع المحرمات - غير الصيد فإنه من محرمات الحرم وكلامنا في محرمات الإحرام - ؟ نعم تحلّ له جميع المحرّمات بما في ذلك النساء وقد دلّت على ذلك أكثر من رواية ، ولكن هل يحلّ له الحلق أيضاً ؟ إن هذا هو محل كلامنا . إذن من المسلّم أن الحلق بدل لتقصير لا يجزي ومن المسلّم أنه إذا قصّر حلّ له جميع المحرمات بما في ذلك النساء وإنما الكلام هل الحلق أيضاً يحل له بعد أن قصّر وقبل أن يأتي بالحج أو لا ؟
 والجواب:- المعروف بين الأصحاب هو الجواز ، ولكن قد ينسب المنع إلى الشيخين - أعني الطوسي واستاذه المفيد - كما حكى ذلك صاحب المدارك [1] والجواهر حيث قال:- ( إن استحباب توفير الشعر لم أجد فيه خلافاً سوى الشيخين في المقنعة والنهاية والاستبصار فان عبارتها قد توحي بالوجوب ) [2] . إذن نسبة المنع إلى بعض المحدثين كما جاء في كلمات السيد الخوئي(قده) لا نعرف لها وجهاً وإنما المنع منسوب إلى الشيخين.
 وعلى أي حال مقتضى صحيحة معاوية بن عمار التي تقول:- ( عن أبي يعبد الله عليه السلام :- ثم قصِّر من رأسك من جوانبه ولحيتك وخذ من شاربك وقلم أظفارك وأبق منها لحجِّك فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شيء يحلّ منه المحرم وأحرمت منه ) [3] ، وعلى منوالها غيرها ، فإن هذه تدل على أنه بالتقصير تحلّ جميع محرمات الإحرام ومقتضى اطلاقها أن الحلق يجوز أيضاً بعد التقصير ، وعليه يكون الخروج من هذا الإطلاق بحاجة إلى دليل مقيِّد ، وما يمكن أن يستدل به أحد أمور ثلاثة:-
 الأول:- نفس هذه الصحيحة فإن فيها عبارة قد توحي بعدم جواز الحلق.
 الثاني:- صحيحة جميل بن دراج وسوف تأتي.
 الثالث:- روايات توفير الشعر فانه توجد مجموعة من الروايات لعلها تبلغ عشراً قد ذكرها صاحب الوسائل(قده) [4] ومضمونها - على ما سوف نذكر - هو أن الشخص بعد أن يأتي بعمرة التمتع فإذا كان في شهر شوال فتوفير الشعر ليس بلازم فله حق أن يحلق وأما إذا انتهى شهر شوال ودخل في ذي القعدة - أي انتهى شهراً واحداً من أشهر الحج - فعليه أن يوفّر الشعر مقدمة للحلق في الحج وإذا حلق شخص فعليه كفارة شاة إن هذه الروايات قد يتمسك بها لإثبات حرمة الحلق مادام يلزم توفير الشعر ، نعم المشهور حملها على الاستحباب ولكن من يرفض محامل المشهور وتصرفاتهم ويأخذ بظاهر الروايات كالسيد الخوئي(قده) فمن المناسب أن يتمسك بهذه الروايات ، ومن الغريب أنه(قده) لم يشر اليها واقتصر على الروايتين السابقتين - أعني صحيحة معاوية وصحيحة جميل بن دراج - مع السكوت عن هذه وكان من المناسب أن يتعرض إليها ويرد الاستدلال بها لا أنه يسكت عنها رأساً فهذا ليس شيئاً فنياً.
 إذن ما يمكن التمسك به كمقيِّد للإطلاق المتقدم هو أحد هذه الأمور الثلاثة وهي كما قلنا:- الأول:- نفس صحيحة معاوية فإن فيها عبارة تقول ( وأبق منها لحجّك ) فإنها بعد البناء على أن ظاهر الأمر هو الوجوب أن إبقاء الشعر شيء لازم لأجل الحج ، وعليه فبالتقصير تحلّ جميع محرّمات الإحرام ما عدى الحلق فإن إبقاء الشعر لأجل الحج شيء لازم بمقتضى هذه الصحيحة . إذن هذه الصحيحة التي تشتمل على الإطلاق يوجد معها المقيِّد وهي هذه الفقرة التي أشرنا إليها.
 وقد تمسك بذلك السيد الخوئي(قده) ثم قال:- نعم لم يأخذ المشهور بظاهرها - أعني وجوب الإبقاء - وحيث أنهم لم يأخذوا بظاهرها فنحن لا نصير إلى الفتوى على طبقها بل نصير إلى الاحتياط الوجوبي.
 وفيه:-
 أولاً:- إن الصحيحة قالت ( وأبق منها لحجك ) والتعبير بالإبقاء يفهم منه أن الهدف هو أن يبقى شيء لأجل الحج فلو فرض أن المكلف كانت لديه فترة طويلة كما إذا فرض أنه أتى بالعمرة في بداية شهر ذي القعدة وأنها في نفس اليوم فلو حلق فعنده فترة شهرٍ أو أكثر فشعره سوف يخرج فيها بكمية لا بأس بها بحيث يصدق آنذاك الحلق ، إنه في مثل هذه الحالة يلزم أن نحكم بجواز الحلق لأن الهدف من الإبقاء هو أن يتحقق الحلق لأجل الحج بمقتضى نفس الصحيحة والمفروض أن الفترة طويلة بحيث يخرج فيها الشعر ويصدق الحلق فلماذا يحرم آنذاك الحلق ؟ ونحن نسلم أن ظاهر الأمر بالإبقاء هو الوجوب ولكن الإبقاء هو لأجل أن يتحقق الحلق في الحج والمفروض أن الفترة طويلة ويعلم أن شعرة ينبت فيها . إذن بمقتضى الفقرة المذكورة لا يمكن الحكم بحرمة الحلق في هذه الحالة.
 وثانياً:- إنه يبني على أن الحلق ليس بلازم في الحج حتى الصرورة وأما غير الصرورة فالظاهر الاتفاق على جواز التقصير .
 إذن فالإبقاء يلزم حمله على الاستحباب مادام الحلق ليس بلازمٍ في الحج فإن الهدف منه هو أن يتحقق الحلق وبما أن الحلق ليس بلازم فيلزم أن يكون الابقاء ليس بلازمٍ ايضاً ، وبالتالي يكون الأمر المذكور استحبابياً كما صار إلى ذلك المشهور.
 وثالثاً:- إن ضمير ( منها ) الوارد في فقرة ( وأبق منها لحجّك ) يرجع إلى ماذا ؟ إن الضمير إما أن يرجع إلى الأخير فقط وهو الأظفار أو إلى الجميع بقيد الجميع أو يرجع إلى الواحد لا على التعيين بل على البدل - يعني وأبق أي واحد منها لحجك - أما إرجاع الضمير إلى خصوص شعر الرأس فهذا ليس بمحتمل ، وعليه فالاحتمالات الوجيهة هي الثلاثة المذكورة والأول لا ينفعه لأن كلامنا ليس في الأظفار وإنما في شعر الرأس ، والثاني لا يحتمل وجوبه إذ لا يقول بذلك أحد فإنّا إن كنّا نقول بالوجوب فنحن نقول به في شعر الرأس فقط دون غيره فيلزم الحمل على الاستحباب ، وأما الثالث فهو لا ينفعه أيضاً لأنه بالتالي يثبت أن أحدها يجب إبقاءه لا خصوص شعر الرأس ، وعليه فالتمسك بهذه الصحيحة بلحاظ الفقرة المذكورة لإثبات حرمة الحلق أمر غير ممكن ، وهو من الواضحات.
 وأما الصحيحة الثانية - أي صحيحة جميل- التي قالت:- ( سأل أبا عبد الله عليه السلام عن متمتع حلق راسه بمكة :- قال:- إن كان جاهلاً فليس عليه شيء ، وإن تعمد ذلك في أوّل شهور الحج بثلاثين يوماً فليس عليه شيء ، وإن تعمد بعد الثلاثين يوماً التي يوفّر فيها الشعر للحج فإن عليه دماً يهريقه) [5] ، وقد رواها صاحب الوسائل عن الشيخ الصدوق بإسناده عن جميل بن دراج ثم قال:- ( ورواه الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن حديد عن جميل بن دراج ).


[1] المدارك 7 245.
[2] الجواهر 18 170.
[3] الوسائل 13 505 1 من أبواب التقصير ح1 .
[4] الوسائل ب2 من أبواب الاحرام وفي ب3 و ب4.
[5] الوسائل 13 510 4 من أبواب التقصير ح5.