33/04/04


تحمیل
 الموضوع :- النقصان في الطواف:- مسألة ( 312 ) ، (313 ) / واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وهل يمكن أن نضيف إلى هاتين الروايتين روايات أخرى ؟ أعني الروايات الواردة فيمن اختصر الطواف من جانب حِجر إسماعيل - بأن دخل في الحِجْرِ فان ذلك الشوط يبطل على ما دلت عليه الرواية وما دام قد بطل فيأتي بشوط آخر - فهل يمكن التمسك بها في مقامنا أو أنها أجنبية عن ذلك ؟
 والجواب:- يظهر من صاحب المدارك(قده) [1] أنه يمكن التمسك بها في المقام فانه (قده ) اختار تفصيلاً يختص به وهو إن كان المنسي شوطاً واحداً فلا مشكلة - أي انه يأتي بذلك الشوط - أما إذا كان المنسي أكثر من ذلك فيعيد ، ثم قال ولنا على الشق الأوَّل - أي أن المنسي إذا كان شوطاً واحداً فانه يأتي به بلا خلل في طوافه - صحيحة الحسن بن عطية المتقدمة وأيضاً صحيحة الحلبي الواردة فيمن اختصر شوطاً من الطواف ونصُّها:- عن أبي عبد الله عليه السلام ( قلت:- رجل طاف بالبيت فاختصر شوطاً واحداً في الحِجْرِ ، قال:- يعيد ذلك الشوط ) فإنها تدل على المطلوب فانه ترك شوطاً واحداً - بسبب بطلانه - والإمام عليه السلام قال يأتي بذلك الشوط . إذن هي تدل على ما نريده في الشق الأول.
 ثم قال ( ولنا على الشق الثاني - أي إذا كان المنسي أكثر من شوط واحد - ما دل على البطلان فيمن دخل الكعبة أثناء طوافه ) وهي صحيحة أخرى للحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام ( رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط ثم وجد من البيت خلوة فدخله كيف يصنع ؟ قال:- يعيد طوافه وخالف السُّنَّة ) فإنها دلت على أن من ترك أكثر من شوط - وفي المقام ترك أربعة أشواط لأنه أتى بثلاثة - فأنه يبطل طوافه لا أنه يبني على ما سبق.
 إذن من هنا نستنتج أن صاحب المدارك(قده) يرى أن روايات الاختصار أو روايات دخول الكعبة يمكن أن نستشهد بها في مسألتنا ولا يختص الاستشهاد بخصوص صحيحتي الحسن بن عطية وإسحاق بن عمار.
 والتأمل فيه واضح:- فان محل كلامنا هو في الترك السهوي وهنا لا يوجد سهوٌ وتركٌ بسبب السهو . ولو تنزَّلنا فالمفروض أنه قد انضم إلى الترك السهوي شيءٌ آخر وهو دخول الكعبة مثلاً فلعل البطلان جاء من تلك الضميمة ، والذي يلزم أن نفترضه في المقام هو الترك السهوي من دون ضمِّ ضميمةٍ وكلا هذين القيدين مختلٌّ.
 والخلاصة:- الأجدر هو الاقتصار على الروايتين السابقتين ، أعني صحيحة الحسن بن عطية وصحيحة إسحاق بن عمار.
 وبعد أن عرفنا روايات المسألة نأتي إلى فتوى الأعلام:-
 وقد فصَّل صاحب الشرائع بين ما إذا كان الطائف قد أتى بأربعة أشواط ونسي الباقي فطوافه صحيح ويتم ما سبق ، وبين ما إذا كان المنسي أكثر من ذلك فيبطل وعليه الإعادة من.
 وقال صاحب المدارك ( هذا التفصيل مشهور بين الأصحاب ولم أقف على رواية تدل عليه ) [2] ، ثم ذكر تفصيله وأن المنسي إذا كان شوطاً واحداً فيأتي به وإلّا أعاد. هذا كله من حيث الروايات ومن حيث الفتوى.
 والمناسب أن يقال:- إن المنسي سواء كان شوطاً أو أكثر وسواء فاتت الموالاة أم لم لا وسواء خرج من المطاف أم لا فالمناسب هو الإتيان بالمقدار المنسي والمستند في ذلك عدم استفصال الإمام عليه السلام في صحيحة إسحاق بن عمار حيث سأل إسحاق الإمام عليه السلام ( رجل طاف بالبيت ثم خرج إلى الصفا فينما هو يطوف إذ ذكر أنه ترك بعض طوافه ، قال:- يرجع إلى البيت فيتم طوافه ) فالإمام عليه السلام لم يستفصل من جهة عدد الأشواط ولا من جهة فوات الموالاة وعدمها فنتمسك به لإثبات الشمول.
 هذا ولكن السيد الماتن أخذ بذكر صور أربع:-
 الصورة الأولى:- أن يكون المنسي بعض الأشواط من دون تقييد بالشوط الواحد ونفترض عدم فوات الموالاة كما أنه لم يخرج خارج المطاف ، والمناسب هنا الحكم بالإتمام تمسكاً بالقاعدة بلا حاجة إلى نصٍ خاصٍ إذ الموالاة لم تفت والخروج من المطاف لم يتحقق فيأتي بالأشواط اللاحقة سواءً كان المنسي واحداً أو أكثر.
 الصورة الثانية:- أن يكون المنسي شوطاً واحداً ولكن نفترض أن الموالاة قد فاتت أو نفترض أنه قد خرج من المطاف ، والمناسب في هذه الحالة هو أن يأتي بالشوط المنسي وإذا تعذر عليه استناب ، والمدرك في ذلك صحيحة الحسن بن عطية.
 ولكن نحن نضيف ونقول:- حتى لو لم تكن لدينا صحيحة الحسن بن عطية فالحكم المذكور هو على طبق القاعدة إذ الموالاة ليست شرطاً عندنا والخروج من المطاف إنما يضرُّ إذا كان المكلف قد أتى بشوطٍ أو شوطين فان ذلك هو مورد صحيحة أبان بن تغلب المتقدمة والمفروض هنا أنه قد خرج بعد ستة أشواط فالقاعدة تقتضي الصحَّة بلا مانع فان المانع يختص بمن أتى بشوط أو شوطين لا بمن أتى بستة أشواط فالحكم بالصحة والإتمام يكون على طبق القاعدة.
 وهناك شيء آخر:- وهو أنه قال ( انه يأتي بالشوط المنسي حتى لو فاتت الموالاة إذ أن فواتها لا يضر بصحة الطواف ) وهذا يتنافى مع فكرة الانصراف التي ادعاها وهي مناقضة واضحة ، كما أن هذا يؤيد ما ذكرنا سابقاً من أنّا نأخذ بالروايات ونتنازل عن اعتبار الموالاة لأجل الرواية.
 الصورة الثالثة:- إذا كان المنسي أكثر من شوط واحد ولكن أقل من أربعة ، فالمناسب في هذه الحالة الإتمام فقط تمسكاً بإطلاق صحيحة إسحاق فإنها لم تقيِّد بما إذا كان المنسي شوطاً واحداً ولم تقيد أيضاً بما إذا لم تفت الموالاة فهي مطلقة ومقتضى إطلاقها أو بالأحرى عدم الاستفصال الاكتفاء بالإتمام.
 نعم ذهب صاحب المدارك(قده) في هذه الحالة إلى البطلان كما قلنا ، ونحن رعاية لمقامه نقول الأحوط استحباباً أو الأولى أن يعيد الطواف بعد الإتمام.
 ولكن يبقى من المناسب أن يذكر هنا أنه إذا لم يتمكن من العودة فعليه أن يستنيب وإنما ذكر ذلك فيمن نسي شوطاً واحداً - أي في الصورة الثانية - ولعل النكتة في ذلك هو أن الحكم بالنيابة على خلاف القاعدة فنقتصر على المورد وهو فيمن نسي شوطاً واحداً - أي في صحيحة الحسن بن عطية - ولم يذكر ذلك في صحيحة إسحاق ، وهذا شيء وجيه.
 ولكن ربما يقال:- إن مورد صحيحة الحسن بن عطية وان كان هو من فات منه شوط واحد ولكن المفهوم منها الأعم من ذلك من باب عدم احتمال الخصوصية أو غير ذلك فان الإمام عليه السلام قال هكذا ( يطوف شوطاً ، فقال سليمان:- فانه فاته ذلك حتى أتى أهله ، قال:- يأمر من يطوف عنه ) فان أمر الإمام عليه السلام بالنيابة وان كان في مورد نسيان شوطٍ واحدٍ ولكن يمكن للفقيه أن يتعدى إلى من ترك أكثر من ذلك إما من باب الجزم بعدم الخصوصية أو أنه كان من المناسب للإمام التأكيد من هذه الناحية ويقول ( يأمر من يطوف عنه فيما إذا كان المتروك شوطاً واحداً ) خوفاً من توهّم التعميم - كما نحن قد توهمنا مثلاً - فسكوت الإمام عليه السلام عن ردِّ هذا التوهّم يدل على أن الحكم فيه قابلية للتعميم فيما إذا كان المنسي أكثر من شوط واحد .
 وعلى أي حال هذا المطلب أريد أن أطرحه كوجهٍ لإمكانية أن ندعي جواز النيابة حتى في هذه الحالة.
 ولكن لو قال قائل:- أنا أحتمل الخصوصية لهذا المورد ولا يمكن أن أفهم التعميم من كلام الإمام عليه السلام.
 قلت:- هذا متروك لنفسية الفقيه.
 
 الصورة الرابعة:- أن نفترض أن المنسي أكثر من أربعة - والكلام مع فوات الموالاة أو الخروج من المطاف إذ لو لم تفت الموالاة أو لم يخرج من المطاف فهذا داخل تحت الصورة الأولى والمناسب هنا بمقتضى عدم الاستفصال في صحيحة إسحاق هو الاكتفاء بالإتمام - كما ذكرنا - ولكن رعايةً للمشهور نقول الأحوط وجوباً هو الإعادة .
 واذكر في هذا المجال قضيتين:-
 الأولى:- إن هذه المسألة قد اشتملت على تشقيقات أربعة كما عرفنا وضبطها لنا مشكل فضلاً عن المكلف العامي فالأجدر ما أشرنا إليه أكثر من مرة وذلك بأن نقول ( من نسي بعض الأشواط فيأتي بطواف واحد كامل بقصد الأعم من التمام والإتمام ) ، وأما هذه التشقيقات فهي في الحقيقة وجهات نظر علمية ولا معنى لذكرها للمكلف العامي.
 والثانية:- قد تسأل وتقول:- إن هذا يتم فيما إذا فرض النسيان ، أما إذا جهل المكلف لا أنه نسي فما هو الحكم ؟
 والجواب:- المناسب هو التعميم فان صحيحة إسحاق لم تخصِّص بالنسيان وإنما قالت ( رجل طاف بالبيت إذ ذكر أنه قد ترك بعض طوافه ) وهذا يصدق حتى لو كان جاهلاً - أي ذكر بمعنى التفت - ، أو هكذا بالنسبة إلى صحيحة الحسن بن عطية فهي يمكن أن نقول أنها بحسب لسانها عامة للجاهل لأنه اشتبه في عقد إصبعه ، فان تمَّ هذا فبها وإلا تمسكنا بإلغاء الخصوصية بمعنى أن المفهوم من الرواية هو أن الشخص قد غفل ، أما ما هو منشأ الغفلة ؟ ربما يكون النسيان وربما يكون الجهل ، فالمناسب هو التعميم.


[1] المدارك 8 149.
[2] المدارك 8 148.