33/03/04


تحمیل
 الموضوع :-

الشرط الخامس من شروط الطواف ( ستر العورة ) / شروط الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 الدليل الثاني:- التأسي بالنبي صلى الله عليه وآله فانه كان يطوف وهو مستور العورة فيلزم أن نتأسى به ونفعل ما يفعل.
 وفيه:- ان وجوب التأسي لا يلازم وجوب الفعل فهو صلى الله عليه وآله يفعل المستحبات والمباحات فهل تصير واجبة علينا بمقتضى التأسي ؟ كلا ، والنكتة هي أن التأسي هو أن يأتي المكلف بالفعل بالنحو الذي كان يأتي به رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا كان يفعله بنحو الاستحباب فنحن نأتي به بنحو الاستحباب أيضاً ولا نصير ملزمين به وإلا كان ذلك خلف التأسي ، وهذا مطلب ينبغي ان يكون واضحاً.
 ولكن من باب القضية الجانبية نقول:- المعروف هو التمسك لوجوب الأسوة بالآية الكريمة ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) [1] ، وهذه الآية يصعب استفادة الوجوب منها بل أقصى ما يستفاد الرجحان بالمعنى الأعم الوسيع ، بيد أن هذا لا يؤثر إذ يكفينا وجود البديل وهو الضرورة الدينية بين جميع المسلمين فانه لا يختلف اثنان في وجوب تأسي المسلم بنبيه صلى الله عليه وآله غايته يأتي ما ذكرناه وهو أن وجوب التأسي لا يلازم وجوب الفعل لما اشرنا إليه.
 الدليل الثالث:- ان ذلك مقتضى الاحتياط كما ربما يظهر ذلك من كلام صاحب المدارك فانه قال ( وان كان التأسي والاحتياط يقتضيه ).
 وجوابه واضح:- إذ ما المقصود من الاحتياط ؟ هل المقصود أن الصناعة تقتضي الاحتياط وعدم جواز التمسك بالبراءة ؟ فهذا واضح الوهن بناءاً على مبانينا معاشر الأصوليين بل الإخباريين أيضاً فان المورد من الشك في الكلفة والوجوب الزائد وهو مجرى للبراءة ، وإذا كان المقصود من الاحتياط هو الإشارة إلى أن ستر العورة شيء يتناسب مع الاحتياط من باب حسن الاحتياط فهذا صحيح ولكن لا ينتج الوجوب وإنما ينتج حسن الاحتياط.
 الدليل الرابع:- الروايات الناهية عن الطواف وهو عريان فقد نقل صاحب الوسائل ثمان روايات بهذا المضمون ونقرأ من باب التبرك واحدة وهي ما رواه الشيخ الصدوق(قده) في علله بسند ينتهي إلى ابن عباس ( أن رسول الله بعث علياً عليه السلام ينادي:- لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ) [2] ، إذن يجب ستر العورة في الطواف للنهي عن الطواف وهو عريان.
 وقد تناقش هذه الروايات سنداً:- بأنها ضعيفة السند جميعاً ويمكن ملاحظة ذلك من خلال المراجعة ومعه كيف يتمسك بها !!.
 ولكن قد يتغلب على المشكلة ويقال:- صحيح هي ضعيفة السند الا أن العدد له جنبة امتياز فإنها ثمان روايات والعدد المذكور فقد يشكل الاستفاضة المورثة للاطمئنان بصدور المضمون المذكور ، ومعه يجب العمل بذلك من باب الاطمئنان بصدور المضمون المذكور ، فالمشكلة السندية يمكن تجاوزها وإنما الكلام في الدلالة فإنها نهت عن الطواف والطائف عريان وواضح أن عنوان ( عريان ) لا يلازم كشف العورة أو لزوم سترها فان العراء يعني أن الإنسان يخرج بدون ملابس فلو فرض أن شخصاً طاف من دون ملابس ولكنه وضع يديه على عورته أو وضع طيناً أو ما شاكل ذلك عليها فهو ساتر للعورة ولكنه عريان ، وربما يكون ليس بعارٍ كما إذا كان لابساً للملابس ولكنها كانت مشقوقة بحيث تتبين العورة في بعض الحالات من الطواف . إذن الروايات لا يمكن أن يستفاد منها لزوم ستر العورة بل ربما يقال انه يستفاد منها شيء آخر وهو أن البيت له حرمة ومقتضى حرمته أن لا يطوف به الإنسان وهو عارٍ حتى مع فرض ستر عورته ، فالروايات المذكورة أجنبية عن مسألة ستر العورة ، وربما لا يكون ساتراً ولكن لا يكون عارياً فلا يشمله النهي . إذن الروايات المذكورة بصدد إعطاء حرمة كبيرة للبيت الحرام فلا يمكن أن نستفيد منها لزوم ستر العورة وإنما هي في صدد بيان قضية أخرى وهي أن للبيت حرمة فلا يجوز الطواف في حالة العراء حتى مع ستر العورة.
 هذا ويظهر من صاحب الجواهر(قده) [3] وجود إجماع على أن المقدار الزائد على ستر العورة ليس بلازم في الطواف كما هو الحال في باب الصلاة فانه يكفي ستر العورة بلا حاجة إلى ستر بقية الاعضاء ، هكذا يظهر منه دعوى الإجماع على ذلك ، فان تم هذا الإجماع رفعنا اليد عن ظهور هذه الروايات وإلا كان المناسب الأخذ بمضمونها وأن الطائف يلزم أن لا يصدق عليه عنوان العريان.
 ومن خلال هذا كله اتضح أنه لا يوجد دليل يمكن الركون إليه للفتوى بلزوم ستر العورة أثناء الطواف بحيث حتى لو كان هناك ثقب صغير فهو يؤثر على صحة الطواف ، ان هذا شيء مشكل ، والمناسب المصير إلى الاحتياط .
 إذن الأحوط ستر العورة أثناء الطواف ، وكان من المناسب إضافة احتياط آخر وهو ( بل الأحوط أن لا يصدق عليه عنوان عريان ) فانه حتى لو فرض أنا سلمنا بالإجماع الذي ادعاه صاحب الجواهر ولكن تبقى هذه الروايات تصلح لأن تكون منشأ للاحتياط.
 يبقى شي وهو:- ما المدار على تحديد العورة ؟
 والجواب:- لا يوجد في المقام تحديد خاص بالطواف ولا يستفاد من الروايات ذلك حتى على تقدير تسليم دلالتها على شرطية الستر ، ولكن حيث لا يحتمل أن اللازم أكثر مما عليه في باب الصلاة فالاحتياط يقتضي - تبعاً للاحتياط في أصل الستر - أن يكون ستر العورة هو بالمقدار الذي عليه في باب الصلاة ، فالمرأة في باب الصلاة يلزمها أن تستر جميع بدنها عدى الوجه والكفان والقدمان والأمر هنا كذلك أيضاً لا أقل من ذلك ، وهكذا بالنسبة إلى الرجل فعليه أن يستر ما يجب عليه ستره في الصلاة.
 النقطة الثانية:- لو فرض أنا بنينا على شرطية الستر فهل يكفي الستر بالمغصوب أو يلزم أن يكون بالمباح ؟
 ذكر (قد) أن الإباحة شرط في الساتر بناءاً على اعتبار أصل الستر وقد ذكر(قده) [4] كلمات ثلاث في هذا المجال:-
 الكلمة الأولى:- ان الوجه في اعتبار إباحة الساتر هو أن الستر إذا كان بالمغصوب فسوف يكون ذلك محرماً والمحرم لا يمكن أن يكون مصداقاً للواجب ، يعني أن الواجب على المكلف هو أن يطوف مع الساتر فإذا طاف بساتر مغصوب فلا يكون ذلك مصداقاً للواجب كما هو واضح فيقع الطواف باطلاً .
 ونفس هذا الكلام ذكره في باب الصلاة فان ستر العورة فيها لازم ويلزم أن يكون بالمباح والنكتة هي النكتة حيث أن الستر بالمغصوب لا يمكن أن يقع مصداقاً للواجب فان الحرام لا يقع مصداقاً للواجب.
 الكلمة الثانية:- لو فرضنا أن الساتر كان مباحاً ولكن أراد الطائف أن يضع على بدنه ثوباً آخر وكان مغصوباً فهل يضر وضع المغصوب على البدن بعد فرض أنه ليس بساتر ؟ أو فرض أن نفس الساتر كان مغصوباً ولكن لم نعتبر ستر العورة في صحة الطواف فهل يؤثر ذلك على صحة طوافه ؟ أجاب (قده) بأنه تارة نبني على أن أفعال الحج تتحد مع وجود الغصب - أي نبني على أن وجود الطواف ووجود الغصب واحد - وأخرى نبني على أنهما وجودان فالغصب شيء والطواف شي آخر ، فبناءاً على الاتحاد لا يمكن التقرب آنذاك بشيء مبغوض فيقع باطلاً ، وأما إذا بنينا على عدم الاتحاد فيمكن التقرب لأن الحرام مغاير للواجب وجوداً ولا محذور في التقرب بالواجب بعدما لم يتحد مع الحرام ، ونفس الشيء يقال في باب الصلاة فلو فرضنا أن شخصاً لبس عباءة مغصوبة أثناء الصلاة - أي لم يكن الساتر مغصوباً - فهل يؤثر ذلك على صحة الصلاة ؟ الكلام هو الكلام ، أي انه إذا بنينا على أن وجود الصلاة من قراءة وركوع وسجود وغيرها يغاير الغصب فلا مانع من الصحة ، أما إذا بنينا على الوحدة فلا يمكن الحكم بالصحة لعدم إمكان التقرب بما هو مبغوض.


[1] سورة الأحزاب الآية 21.
[2] الوسائل 13 400 53 من ابواب الطواف ح1.
[3] الجواهر 19 278.
[4] المعتمد 4 322.