32/11/20


تحمیل

وهناك قضية رابعة:- وهي أن السيد الماتن وبعضاً آخر من الفقهاء فصّلوا في المسالة بشكل آخر غير ما هو المعروف بين الفقهاء فان المعروف بينهم هو التفصيل بين ما إذا طرأ الحدث قبل النصف فيعيد أو بعده فيتم.

 وأما السيد الماتن فقد فصل وقال إذا طرأ الحدث قبل النصف فيعيد ، وهو بهذا المقدار قد وافق المشهور ، وإما إذا طرأ بعد إكمال أربعة أشواط - ولم يقل بعد النصف بل أخذ قيد أربعة أشواط - ولم يكن عن عمد فيتم ، وإما إذا طرأ عن عمد بعد الأربعة أو عن غير عمد ولكن كان قبل إكمال الأربعة - يعني بعد النصف أي بعد ثلاثة أشواط ونصف وقبل إكمال الشوط الرابع - ففي هاتين الحالتين يتم الطواف ثم يأتي بطواف جديد.

 إذن هو (قده) قد وافق المشهور في جزء ولم يوافقه في الكل ، وسبب هذه المخالفة بهذا الشكل ناشئ من أنه لا يبني على حجية الشهرة الفتوائية ، فان من يبني على حجيتها فسوف يأخذ بها من دون توقف أما من لم يبن على ذلك فلا يتمكن من مخالفة المشهور بشكل تام لأن ذلك يحتاج إلى قلب قوي فان فتواهم وان لم تكن حجة حسب الصناعة بيد أن عدم الاعتناء بها بشكل كامل ليس أمرا سهلاً على الفقيه بل هذه قضية عقلائية قبل أن تكون في المجال الفقهي ، فالطبيب إذا رأى أن الأطباء يخالفونه في الرأي في إجراء العملية فليس من السهل عليه مخالفتهم بضرس قاطع فيأخذ بالاحتياط بشكل ما ويتريث في الموقف وكذلك الفقيه بالنسبة إلى الفتوى.

والآن ندخل في صلب الموضوع فهو (قده) قال توجد صور ثلاث:-

الصورة الأولى:- ما إذا طرأ الحدث قبل إكمال النصف سواءً كان باختيار أو بغيره فان عليه الإعادة من جديد . ولكن ما هو المستند ؟ بعد الالتفات إلى أن المدرك ينحصر بمرسلة بن أبي عمير والمفروض أن المراسيل ليست بحجة.

 وينبغي أن يكون واضحاً أن من يبني على حجية فتوى المشهور - كما هو المشهور بين القدماء - يكون في راحة لأن فتوى المشهور هي المستند له ، أو من يرى انجبار ضعف سند الرواية بفتوى الأصحاب على طبقها فهو في راحة أيضاً فان مرسلة بن أبي عمير تكون معتبرة السند ، وإنما الذي يقع في الحيرة هو الذي لا يبني على ذلك كما هو الحال هنا فانه كيف نثبت البطلان في هذه الحالة؟

قد يستدل على ذلك بأحد الوجوه الثلاثة التالية:-

الوجه الاول:- مقتضى القاعدة ، فيقال إنها تقتضي بطلان الطواف بلا حاجة إلى نصٍ خاصٍ وذلك باعتبار أن الروايات قد دلت على أن الطواف مشروط بالطهارة وأن من طاف من دون طهارة فعليه إعادته ما دام الطواف واجباً وقد دلت على ذلك أكثر من رواية على ما تقدم والمناسب لهذه الروايات هو بطلان الطواف بمجرد طرو الحدث حتى لو كان بعد النصف ولكن ذلك خرج بدليل خاص فتبقى حالة الطرو قبل النصف مشمولة لإطلاق هذه الروايات فيثبت بذلك البطلان بمقتضى القاعدة.

وفيه:- صحيح أن الروايات السابقة قد دلت على شرطية الطهارة ونحن نسلم بذلك ولكن نحن لا نخالف هذه الشرطية فان المفروض أن المكلف بمجرد طرو الحدث عليه لا يأتي ببقية الأشواط وهو محدث حتى تقع بعض الأشواط من دون طهارة بل مفروض كلامنا أنه يتوضأ ، ومعه فالأجزاء السابقة تكون واقعة عن طهارة واللاحقة كذلك فجميع أجزاء الطواف قد أتي بها مع الطهارة فلم تتخلف بذلك شرطية الطهارة فلماذا البطلان ؟!

 نعم نسلم بالبطلان لو دل الدليل على أن طرو الحدث يقطع اللاحق عن صلاحية الاتصال بالسابق ، أي لا تعود الأجزاء اللاحقة صالحة للاتصال بالأجزاء السابقة وهذا ما يعبر عنه بالقاطع.

 وهناك فرق بين مصطلحين مصطلح ( القاطع ) ومصطلح ( المانع ) والفرق هو أن في القاطع يفترض وجود هيئة اتصالية للشيء وأنها تنفصم بطرو الطارئ ولا ينفع الإتيان ببقية الأجزاء مع الطهارة كما هو الحال في باب الصلاة فانه يستفاد من لسان بعض الروايات أن شأن الحدث كذلك ، يعني بمجرد طروه تنقطع الهيئة الاتصالية المعتبرة في الصلاة ، بينما في المانع لا تنفصم الهيئة الاتصالية وإنما يمتنع الإتيان بالأجزاء اللاحقة من دون الطهارة ومثال ذلك النجاسة الخبثية فإنها إذا طرأت أثناء الصلاة فقد دلت بعض الروايات على أن المصلي إذا تمكن من أن يطهر المحل من دون أن تزول صورة الصلاة فيصنع ذلك ويستمر في صلاته وهذا معناه أن النجاسة الخبثية ليست قاطعة بل هي مانعة.

 وفي مقامنا نقول:- ان الروايات وان دلت على أن الطواف مع الحدث يكون باطلاً ولكن لا يفهم منها أن الحدث قاطع حتى لا ينفع التطهر في الإثناء والإتيان ببقية الطواف مع الطهارة ، كلا بل لعله مانع وليس قاطعاً ومادام مانعاً فيمكن الإتيان ببقية أجزاء الطواف مع الطهارة.

 إذن هذه الروايات بمفردها لا يمكن استفادة بطلان الطواف منها لو حصل الحدث في الأثناء بل أقصى ما نستفيده هو أنه لا يمكن أن يستمر في الطواف مع الحدث

 ويمكن أن نصعد اللهجة قليلاً ونقول:- مع فرض إجمال الروايات من هذه الناحية يلزم الرجوع إلى الأصل وهو يقتضي بحسب النتيجة المانعية لا القاطعية ، وذلك ببيان أن القاطعية أشد كلفة من المانعية ونحن نجزم باشتغال ذمتنا بالحج المقيد بالطواف عن طهارة ولكن نشك هل هناك تقييد زائد وهو أن لا يطرأ الحدث في الأثناء بحيث يكون طروه مانعاً من الاستمرار في الطواف حتى لو تطهر ؟ ان هذا تقيد زائد يشك في اشتغال الذمة به فينفى بأصل البراءة .

 والأصل قد أجريناه في الواجب النفسي ، فالذمة قد اشتغلت بالواجب النفسي وهو بالحج المقيد بهذه القيود التي منها أن لا يطرأ الحدث في البين بحيث لو طرأ لا يمكن الاستمرار حتى بعد الطهارة ، انه تقيد مشكوك فنجري البراءة عن الواجب النفسي المقيد بهذا التقيد المشكوك. وهذه قضية فنية ينبغي الالتفات إليها.

والخلاصة:- لو نظرنا إلى الروايات فهي مجملة لا يمكن أن نستفيد منها البطلان بحيث لو تطهر المكلف فلا تكفيه الطهارة ويبطل ما يأتي به حتى لو تطهر ، كلا لا يستفاد منها ذلك ، فيكفي هذا المقدار لتمامية هذا الوجه.

 بل قلنا يمكن إجراء أصل البراءة لنفي التقيد الزائد وبحسب النتيجة ننفي القاطعية . وعليه فهذا الوجه ليس بتام.

 نعم قد يتمسك برواية جديدة لم نشر إليها سابقاً وهي صحيحة جميل عن أي جعفر عليه السلام ( سئل أينسك المناسك وهو على غير وضوء ؟ فقال:- نعم إلا الطواف بالبيت فان فيه صلاةً )[1] بدعوى أن المستفاد من هذه الرواية هو أن الطهارة المعتبرة في الطواف هي على وزان الطهارة المعتبرة في باب الصلاة فانه عليه السلام قال ( نعم إلا الطواف بالبيت فان فيه صلاةً ) هكذا قد يقال.

وفيه:- ان غاية ما يستفاد من هذه الرواية اعتبار الطهارة في الطواف كاعتبارها في الصلاة - ومقصودنا هو في أصل الاعتبار - وأما كيفية الاعتبار وأن الحدث قاطع في الطواف كما هو قاطع في الصلاة فهو شيء لا يمكن استفادته منها. وعليه فهذه الرواية لا تنفع.

وقد تقول:- لدينا الرواية المعروف ( الطواف بالبيت صلاة ) فانه يستفاد منه أن كل ما يعتبر في الصلاة يعتبر في الطواف.

وفيه:- انه لو تم سنداً ولكنه لم يتم كما سوف يأتي فانه من الأحاديث البنوية ولم يرد من طرقنا - فغاية ما يستفاد منه هو أن ما يعتبر في الصلاة يعتبر في الطواف أما أن الكيفية المعتبرة هي كذلك فلا .

 ويمكن أن نقول أيضاً ان التنزيل هو بلحاظ الفضيلة والثواب وكأنه يراد أن يقال ان الطواف فيه ثواب عظيم كالصلاة أما أنه تنزيل بلحاظ الأجزاء والكيفيات وما شاكل ذلك فلا ، ولا أقل هو مجمل من هذه الناحية.

[1] الوسائل 13 376 38 أبواب الطواف ح6.