32/10/19


تحمیل

الإشكال الثاني:- ما ذكره السيد الخوئي(قده) أيضا[1] وحاصله ان الرواية قد دلت على أن من أراد أن يقلع شجرة الحرم فبإمكانه أن يرفع الحرمة والإثم عن نفسه من خلال دفع الكفارة وهي بقرة ، فان كفر فلا إثم عليه آنذاك نظير ما يتصوره بعض العوام - وهو تصور خاطئ - من أن من حلف أو نذر فعل شيء أو تركه فمتى ما دفع الكفارة فلا إثم عليه في المخالفة ، فلو حلفت أو نذرت مثلاً أن لا أدخن فبإمكاني أن أدفع الكفارة وآنذاك لا إثم في التدخين ، ان هذا تصور باطل ، فالإثم باقٍ سواء كفر الشخص أم لم يكفر والكفارة ضريبة على المخالفة من دون أن ترفع الإثم ، وهذا ينبغي أن يكون من القضايا الواضحة.

 وفي المقام كذلك فان دفع الكفارة - وهي بقرة - لا يرفع الإثم في قلع الشجرة بل هو باقٍ بينما الرواية توحي وتدل على أنه يرتفع فانها عبرت وقالت ( فان أراد نزعها كفر بذبح بقرة ) أي متى ما أراد قلع الشجرة كفر بذبح البقرة ولا شيء عليه .

 وهذا الإشكال يرد على هذه النسخة من الرواية والنسخة الأخرى التي كررت فيها كلمة النزع فان النسخة الأخرى قالت ( فان أراد نَزْعَها نَزَعَها وكفر ) . إذن ظاهر هذه الرواية مرفوض ولا يمكن الأخذ به لما أشرنا إليه.

وفيه:- ان الرواية ربما - وأأكد ربما - توحي بذلك ولكن حيث يوجد لدينا معلومة من الخارج ببطلان ما توحي به فلابد من تفسيرها آنذاك على طبق تلك المعلومة - الثابتة عندنا بقطع النظر عن الرواية - ما دامت الرواية كما قلنا أنها توحي لا أنها صريحة ، فان الرواية تارة تكون صريحة بحيث لا تقبل التوجيه وتارة تقبل التوجيه فإذا قبلت التوجيه وكانت ألفاظها قابلة لذلك فآنذاك نوجهها لا أننا نطرحها رأساً ، وهنا كذلك فانه من الوجيه كون المقصود هو ( فان أراد نزعها عصياناً أو من دون عصيانٍ - كما إذا كانت هناك ضرورة - فانه ما دام قد صمم على النزع فتثبت في حقه الكفارة ) ، أما أن الإثم يرتفع فالرواية أجنبية عن ذلك ، فلا إشكال.

الإشكال الثالث:- ما ذكره هو (قده) أيضاً ، وحاصله ان الرواية المذكورة تدل على أن البقرة ثابتة بشكل مطلق - يعني سواء كانت الشجرة كبيرة أم صغيرة - لا انها مختصة بحالة كونها كبيرة ، ان هذا هو مقتضى إطلاق الرواية حيث قالت ( فان أرد نزعها كفر بذبح بقرة ) ولم تقل ( وكانت كبيرة ) يعني الشجرة ، ومقتضى الإطلاق هو أنه حتى لو كانت الشجرة صغيرة فتثبت البقرة وهو شيء مرفوض لدى الأصحاب.

 إذن ظاهر الرواية - أعني إطلاقها - مرفوض لدى الأصحاب فلا بد من طرحه.

وفيه:- إنا تعرضنا في بعض الأبحاث الى قضية أصولية وذكرنا أنه يجدر الإشارة إليها في بحث الإطلاق ولكن لم نجد إشارة إليها في كلمات الأصوليين وهي أنه لو كان لدينا رواية وكان لا يمكن العمل بإطلاقها وإنما يمكن العمل بها على تقدير تقييدها - لو فرضنا وجود روايةً من هذا القبيل - ففي مثل هذه الحالة هل نهمل هذه الرواية ولا نأخذ بها أو نقيدها ونعمل بها بعد التقييد ؟ ان هذه مسالة لم نجد لها إشارة في مبحث الإطلاق والتقييد .

 يمكن أن يستفاد من كلماتهم وبالأخص كلمات السيد الخوئي(قده) انه لا تطرح الرواية رأساً بل تقيد ، هكذا كانت بعض كلماتهم توحي بذلك.

 ونحن علقنا في بعض تلك المواضع وقلنا ان المناسب هو سقوط الرواية عن الاعتبار رأساً إلا إذا كان التقييد شيئاً واضحاً وبديهيا فانه في مثل ذلك لا نطرح الرواية رأساً بل نقيدها أما إذا لم يكن القيد واضحاً بالمثابة التي أشرنا إليها فالمناسب طرح الرواية لا تقييدها ، وكان مستندنا في ذلك هو أن مدرك حجية الإطلاق ليس إلا السيرة والقدر المتيقن منها هو العمل بالإطلاق في صورة إمكان العمل به ، أما إذا كانت الرواية مطلقة فتقيد رغم أن التقييد ليس بديهياً وواضحاً فهذا مما يشك في انعقاد السيرة عليه ، ويكفينا الشك لطرح الرواية في المورد المذكور.

 ولكن هذا الموضع من السيد الخوئي(قده) يتلاءم مع ما أشرنا إليه ولا يتلاءم مع كلماته السابقة فانه قال سابقاً نطرح ظاهر الرواية رأساً لا أن نقيدها.

 وعلى أي حال إذا كان الإشكال في الصيغة التي أشار إليها السيد الخوئي(قده) فهذا لا يتلاءم مع مبانيه ، وكان بإمكانه أن يصوغ الإشكال بشكل آخر لا يرد عليه كونه منافياً لمبناه السابق وذلك بالصيغة التي ذكرها صاحب المدارك وذلك بان يقال:- حتى لو قيدناها وحملناها على حالة كون الشجرة كبيرة تبقى الرواية قاصرة الدلالة عن بيان حكم الشجرة الصغيرة والأبعاض والحال أن فتوى المشهور هي أنه في الشجرة الصغيرة المسماة بـ( الجزلة ) شاة وفي الابعاض القيمة ، ان هذا لا يستفاد من الرواية المذكورة فتبقى قاصرة الدلالة.

 انه بناءا على هذه الصيغة لا يرد الإشكال ، قال (قده ) ( وهذه الرواية مع ضعفها بالإرسال وكونها متروكة الظاهر لا تدل على وجوب الشاة في الشجرة الصغيرة ولا على حكم الابعاض )[2] .

 وعلى أي حال يمكن أن نقول انه لا يوجد إجماع من قبل الأصحاب على التفصيل المتقدم الذي ذكره الشيخ الطوسي(قده) حتى يلزم الإشكال بصيغته الاولى أو بصيغته الثانية وإنما التفصيل السابق رأي صار إليه الشيخ الطوسي(قده) وجمع من الأصحاب ومثل هذا لا يصير سبباً كافياً حتى تطرح الرواية لأجله ، فمن الوجيه آنذاك لو تم السند أن نأخذ بإطلاقها ونقول ان قطع الشجرة كبيرة كانت أم صغيرة يثبت فيه بقرة ، ان هذا هو المناسب ، ولا معنى للقول بأن هذا مخالف لما عليه الأصحاب إذ قد فرضنا أن التفصيل الذي ذهب إليه الأصحاب ليس متسالماً ومتفقاً عليه وإنما هو رأي جمع ، وعليه فلا توجد مشكلة من ناحية الإشكال الثالث.

والمهم هو البحث عن سند الرواية المذكورة:- وإذا رجعنا الى سندها وجدنا أن طريق الشيخ الى موسى بن القاسم طريق صحيح ، وموسى بن القاسم من أعاظم أصحابنا ولا مشكلة فيه ، وإنما المشكلة في الإرسال فانه قال ( روى أصحابنا عن أحدهما عليه السلام ) ولم يعين من هم فتصير الرواية مرسلة ، وهذا ما صار إليه صاحب المدارك لأنه في عبارته السابقة قال ( وهذه الرواية مع ضعفها بالإرسال ) فهي مرسلة.

وقد يتغلب على هذا الإشكال بأحد بيانين:-

الأول:- ان التعبير بفقرة ( روى أصحابنا ) نظير التعبير بفقرة ( عدة من أصحابنا ) أو ( غير واحد من أصحابنا ) فان العدة لا نتوقف فيها ، وقد عرف عن الشيخ الكليني في الكافي أنه ينقل عن العدة ، ووقع الكلام في أن النقل عن العدة من أصحابنا هل هو حجة أو لا ؟ ووجه التساؤل هو أن أفراد تلك العدة مجهولون.

 وهناك محاولات للإجابة:-

أحدها:- أن يقال ان العلامة(قده) في آخر كتابه ( خلاصة الأقوال ) ذكر فوائد وفي بعضها ذكر أنه كلما قال محمد بن يعقوب الكليني في الكافي عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد فهم فلان وفلان ، وكلما قال عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي فهم فلان وفلان ، وكلما قال عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى فهم فلان وفلان ، وبعد تعيين العلامة لمقصود الكليني من العدة لا موجب للتوقف من ناحيتها.

ولكن الجواب واضح:- فان العلامة من أين له هذا ؟ انه لم يذكر طريقه الى الشيخ الكليني ، فلعله حدس منه أو ليس بحدس ولكن بسندٍ غير صحيح ، وعليه فلا عبرة بما ذكره.

وهناك جواب آخر:- ذكره السيد الخوئي(قده) حيمنا سألته مرةً عن العدة من أصحابنا الواردة في الكافي ماذا نفعل بها ؟ فأجاب:- انه يوجد في أول روضة الكافي - أو أصوله - يوجد هذا التعبير من الشيخ الكليني (عن عدة من أصحابنا منهم محمد بن يحيى ) وإذا كان منهم محمد بن يحيى فلا مشكلة في العدة.

والإشكال عليه:- هو أنه لعل في هذا المورد من العدة يكون محمد بن يحيى موجوداً أما أنه موجود في جميع موارد العدة فلا جزم بذلك.

وهناك جواب ثالث - وهذا المهم عندي -:- وهو حينما يقال ( عدة ) فأقلهم ثلاثة ، ومن البعيد أن يجتمع ثلاثة من مشايخ الكليني على الكذب ، وبحساب الاحتمال يحصل اطمئنان بعدم وجود اتفاق على الكذب ، وهذا طريق وجيه وجيد.

 فإذا قبلنا بهذا في كلمة ( العدة ) فلنقبله في فقرة ( روى أصحابنا ) الواردة في نقل موسى بن القاسم البجلي فنقول ان كلمة ( أصحابنا ) جمعٌ أقله ثلاثة ومن البعيد أن مجموع الثلاثة - الذين هم من أصحابنا - قد اتفقوا على الكذب ، فيحصل اطمئنان بالصدق.

[1] المعتمد .

[2] المدارك 8 447.