21-05-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/05/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة ( 419 ) / الواجب العاشر والحادي عشر من واجبات الحج ( طواف النساء وصلاته ) / حج التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
ذكرنا أن الحاج ميرزا علي الايرواني أشكل في حاشيته على المكاسب بإشكالين على التمسك بالآية الكريمة:-
الإشكال الأوّل:- إن النهي المذكور أعني في قوله تعالى:- ﴿ ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ﴾ هو تنزيهي أو لا أقل لا يمكن حمله على الإلزام، يعني هو مجملٌ فإمّا أن يقال هو مجملٌ أو يقال هو ظاهر في التنزيهيّة، والوجه في ذلك هو أن النهي المذكور قد اقترن بتكليفٍ آخر ذكر في صدر الآية الكريمة وهو ﴿ وتعاونوا على البرّ والتقوى ﴾، ثم قالت الآية الكريمة ﴿ ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ﴾[1]، إن هذا النهي بقرينة ذلك الأمر لا يمكن حمله على الإلزام بل يلزم حمله على التنزيه - أو لا أقل يكون مجملاً -، ولماذا ؟ ذلك من جهة أن الأمر المذكور في صدر الآية الكريمة ليس أمراً إلزامياً إذ لا يمكن الالتزام بلزوم التعاون على البرّ والتقوى وإلّا فلازمه أن الإنسان يلزمه دائماً أن يتعاون مع غيره على البرّ والتقوى، فمن أراد أن يخطب امرأةً فيجب أن أذهب معه، ومن أراد أن ينتقل من دار الى أخرى يلزم أن أعاونه في نقل أغراضه، وكذلك المريض يجب أن أساعده في أخذه إلى المستشفى ... وهكذا - وواضح أن هذا يجب إذا لم يكن هناك حرج -، فكل هذا تعاونٌ على البرّ والتقوى، وهل تلتزم بذلك وتقول إن كلّ هذه الأمور واجبة ؟!! إن أدنى متفقّه لا يحتمل ذلك، فالأمر المذكور يلزم حمله على الاستحباب دون اللزوم، فيتعيّن بقرينة السياق حمل النهي على التنزيه دون اللزوم.
وفيه:- إن هذا لو تمّ فهو يتمّ على مسلك الوضع في استفادة الوجوب والتحريم ولا يتمّ على مسلك حكم العقل، فإنه بناءً على مسلك حكم العقل يمكن أن نفكك بين السياق الواحد فنقول إن الأمر للقرينة المذكورة - وهي الوضوح من الخارج - يحمل على الرجحان على الاستحباب، أمّا النهي فبما أنه طلبٌ ولا توجد قرينة على حمله على التنزيل والرجحان فالعقل يحكم بلزوم الترك وكون هذا الطلب طلباً إلزامياً . وهذا لم أقصد تسجيله كإشكالٍ وإنما هو بيان لواقع الحال.
إنه لو غضضنا النظر عن ذلك فحينئذٍ نقول:- إن القرينة كما قامت في الأمر على أنه للرجحان هي كذلك قامت على أن النهي هو للإلزام، فإن النهي هكذا يقول:- ﴿ ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ﴾، والإثم هو عبارة عن الحرام، والعدوان هو عبارة عن الظلم والتعدّي، وهل تحتمل أن النهي عن الظلم هو تنزيهيٌّ وليس إلزامياً ؟!! إن هذا شيءٌ غير محتمل . إذن الحكم الذي تستبطنه وتتضمنه الآية الكريمة هو سنخ حكمٍ لا يمكن حمله على التنزيه، وهذه قضيّة يلزم الالتفات إليها.
فالنتيجة:- هي أن النهي المذكور لا يمكن حمله على التنزيه بقرينة الأمر السابق بل يلزم الأخذ بظاهره وهو الالزام.
وهذا الإشكال ليس بمهمّ وإنما المهمّ هو الاشكال الثاني.
الإشكال الثاني:- أن يقال:- إن الآية الكريمة قد تضمنت عنوان التعاون دون عنوان الإعانة وفرقٌ بين هذا وذاك، فإن التعاون يعني نسبة الفعل الواحد إلى شخصين في عرضٍ واحد، كما لو فرض أنه يوجد شخصان قد أمسكا شخصاً ثالثاً هذا يطعنه بالسكين والآخر يطعنه بالسكين أيضاً فمات بسبب هذه الطعنات المشتركة، هنا ينسب الفعل إليهما معاً في عرضٍ واحد فيقال هذان قتلا هذا الشخص، هذا هو معنى التعاون، فالفعل ينتسب إليهما في عرضٍ واحدٍ وبنحوٍ واحد . وأما الاعانة فالفعل يكون منتسباً لشخصٍ واحدٍ وليس للاثنين ودور الآخر هو دور المعين والمعدّ دون أن ينتسب الفعل إليه، كما لو فرض أن شخصاً تصدّى لقتل شخصٍ آخر ولكن هناك شخص ثالث قد قدّم السكين أو اشتراها للقاتل، فهنا الفعل ينتسب إلى من تصدّى للقتل فيقال للمتصدي أنت قتلت هذا، أمّا الذي قدّم السكين فلا يقال له هو الذي قتل، أو لا يقال هما قتلاه، وإنما فاعل القتل واحدٌ وهو المتصدي، أما الثاني فنقول إنه أعانه بتقديم أو بشراء السكين لا أنهما قتلاه . إذن هناك فرق بين الاعانة على الحرام وبين التعاون عليه، والآية الكريمة تضمنت عنوان التعاون حيث قالت ﴿ ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ﴾، فالنهي هو عن التعاون دون الاعانة لأنهما لم تقل  ولا تعينوا على الإثم والعدوان . وعلى هذا الأساس لا يمكن أن يستفاد من النهي المذكور في الآية الكريمة أن الاعانة على الحرام حرامٌ، ففعل مقدّمة الحرام ليس حراماً . فعلى هذا الأساس يأتي الانسان للصائغ مثلاً ويريد أن يشتري خاتماً من ذهبٍ وهو يعلم أنه حينما يشتريه فسوف يلبسه رجل وليس امرأة فبناءً على هذا هو قد أعانه على الحرام وليس تعاون معه على الحرام فلا يكون محرّماً . وفرعنا الذي كنّا نتكلّم فيه يكون الأمر فيه كذلك أيضاً، فإن المرأة المحلّة حينما تمكّن زوجها من نفسها والمفروض أن الزوج محرِمٌ غاية ما في الأمر أنها أعانته على الحرام حيث قبلت ومكنته من نفسها لا أنه حصل بذلك تعاون.
والخلاصة:- إنه بناءً على هذا تكون الاعانة على الحرام ليست حراماً بمقتضى الآية الكريمة . نعم إذا أتيت بدليل آخر على إثبات الحرمة فهذا مطلبٌ آخر، أمّا من الآية الكريمة فلا يمكن أن يستفاد تحريم الاعانة على الحرام، وإنما المستفاد منها هو حرمة التعاون على الحرام دون الاعانة عليه . نعم يستثنى من ذلك مورداً واحداً فإن الاعانة فيه محرّمة رغم أنه لا يصدق التعاون وهو مورد إعانة الظلمة، فهو قد دلّت الروايات الخاصّة على أن إعانة الظلمة حرامٌ وأن من يعين الظالم فجزاؤه كذا وكذا، وهذا عنوانٌ خاصٌّ لا يمكن أن نستفيد منه التحريم في جميع مصاديق وموارد الاعانة على الحرام.
والنتيجة التي انتهى(قده) إليها ووافقه عليها السيد الخوئي(قده) أيضاً هي أن التعاون على الحرام حرامٌ دون الاعانة عليه إلّا في موردٍ واحدٍ وهو أن يكون الشخص معيناً للظلمة.
وفيه:- إن تفسير التعاون بما ذكره(قده) لا تساعد عليه اللغة بل ولا العرف ولو في بعض المساحة كما سوف أوضح.
أمّا اللغة:- فإذا رجعنا إلى كلمات اللغويين نجد أنهم يفسّرون التعاون - أي مثل ( تعاون القوم ) - بإعانة بعضهم بعضاً[2]، ومن الواضح أن إعانة بعضٍ لبعضٍ يصدق على فعل المقدّمات، فإن من تصدّى لذي المقدّمة والآخر تصدّى للمقدّمة فحينئذٍ يصدق أنه أعان بعضهم بعضاً . نعم إذا كانت المقدّمة بعيدة فربما لا يصدق ذلك، أمّا إذا كانت قربية - كما سوف نمثّل فيما يأتي - فيصدق آنذاك أنه أعان بعضهم بعضاً.
وأمّا عرفاً:- فالعرف ببابك، فلو فرض أنه كان يوجد شخصان أحدهما أمسك شخصاً آخر وجاء الثاني فطعنه بالسكّين فهنا يصدق عرفاً أنهما تعاونا على قتله، بينما على رأي المحقق الايرواني(قده) يلزم أنه لا يصدق ذلك والحال عرفاً بالوجدان هذا يكون صادقاً . نعم ربما لا يصدق لبيع السكين من قبل صاحب المحلّ، فالبائع ربما ببيعه السكين لا يصدق أنه تعاون مع فلان لقتل فلان، أمّا إذا كانت المقدّمة قريبة نظير ما ذكرت فعرفاً يصدق عنوان التعاون، وهذا ما كنت أقصده من قولي ( أنه يصدق عرفاً أو لغةً عنوان التعاون في مساحةٍ ) وهي ما إذا كانت المقدّمة مقدّمة قريبة.
فالنتيجة من خلال ما ذكرت:- هي أنّا لا نسلّم التفرقة بين عنوان التعاون وعنوان الاعانة بما ذكر، بل إن فعل المقدّمة إذا كانت قريبة يصدق معها عنوان التعاون لغةً وعرفاً.
هذا كله بالنسبة إلى الوجه الأوّل لإثبات حرمة الاعانة - وهو التمسّك بآية التعاون - مع الاشكالين ودفعهما واتضح من خلال كلّ هذا أن التمسّك بالآية الكريمة فيما إذا كانت المقدّمة قريبة أمرٌ وجيه.
الوجه الثاني لإثبات حرمة الاعانة:- ما ذكره السيد الخميني(قده) في المكاسب المحرّمة[3]، وحاصله- إن الاعانة على الحرام حرامٌ من باب حكم العقل القطعي بقبح ذلك.
فعلى هذا الأساس يلزم أن نحكم بحرمة الاعانة شرعاً من باب أنها قبيحة عقلاً، فإذا كانت قبيحة عقلاً كانت محرّمة.
وفيه:- إن هذا يتمّ إذا كان القبح فعلياً لا فاعلياً . والفرق بينهما أنه تارةً يكون القبح ثابتاً لنفس الفعل فالفعل قبيحٌ ويتّصف عقلاً بالقبح، وهذا ما يصطلح عليه بالقبح الفعلي كالكذب فإن فعل الكذب أو الخداع أو الغش هو بنفسه قبيح . وأخرى يفترض أن العفل ليس قبيحاً في حدّ نفسه وإنما القبح ينشأ من قصد الفاعل كما لو ضرب اليتيم لا لغرض التأديب فإنه هنا يوجد قبحٌ فاعليٌّ من حيث القصد، وربما يقال إنه يوجد إلى جنبه قبح فعليّ، فالفعل متّصف بالقبح والفاعل متصف أيضاً بالقبح - فإن القبح الفعلي والفاعلي يمكن أن يجتمعان ويمكن أن يفترقان -، والذي نريد أن نقوله:- هو أن ما أفاده(قده) يتمّ إذا فرض أن الفعل كان قبيحاً حتى يثبت بسبب الملازمة أنه حرامٌ شرعاً، وأمّا إذا فرض أن الفعل لم يكن قبيحاً وإنما القبح ثبت للفاعل من حيث القصد كما قاله الشيخ الأنصاري(قده)  في الرسائل في مبحث التجرّي فإنه هناك أثبت القبح الفاعلي للمتجرّي - يعني من حيث القصد - دون القبح الفعلي، فإذا فرضنا أن القبح للفاعل فبضمّ الملازمة لا يمكن أن نستكشف أن الفعل حرام . فما أفاده يتمّ بناءً على أن القبح فعلي لا فاعلي . أمّا واقع الحال في موردنا من يبيع السكّين إلى شخصٍ يريد أن يقتل شخصاً آخر فالقبح في مثل هذه الحالة هل هو فعليٌّ أو فاعليّ ؟ إن الأمر إليك، وقد يقال إن القبح فعليّ، فإذا كان فعليّاً فيتمّ ما أفاده(قده)، وأما إذا قيل بأنه قبح فاعليّ فلا يتمّ ما أفاده.
والمهمّ الذي أريد أن أقوله:- هو أن ما ذكره(قده) يتم بناءً على تماميّة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع، فإذا قلنا كلّما حكم العقل بقبح شيءٍ يلزم أن يحكم الشرع بحرمته فما أفاده يكون تامّاً، أمّا إذا أنكرنا ذلك فلا يكون تامّاً، وهو(قده) لم يشر في عبارته إلى قضية الملازمة.
وقد ذكرنا في علم الأصول:- أنّ الملازمة لم تثبت إيجاباً أو سلباً خلافاً لبعضٍ، لأن البعض قال إذا حكم العقل يلزم أن يحكم الشرع لأن الشرع سيّد العقلاء فيلزم أن يحكم بحكمهم .
ونحن قلنا:- كلّا لا يلزم ذلك ؛ لأنه إذا كان سيدهم فالسيادة والأعلائية هي التي تقتضي أن يخالف لأنه قد يلتفت إلى ما لم يلتفتوا إليه، فلا توجد ملازمة.
مضافاً إلى أنّه لو سلّمنا ذلك فغاية ما يلزم هو أن يحكم الشرع بالقبح، أمّا أن يحكم بالحرمة فهذا لا مثبت له.
إذن يرد إشكالان إذا أردنا أن نثبت الملازمة.
وهناك من قال بالعكس:- أي قال يلزم أن لا يحكم الشارع لأنه يلزم من ذلك محذور اللغوية ؛ باعتبار أن العقل إذا حكم فهو يكفي أن يكون محرّكاً ولا داعي إلى أن يحكم الشرع.
وقد قلنا:- هذا محلّ تأمل أيضاً باعتبار أنه إذا لم يحكم الشرع فقد لا يتحرّك المكلف بحكم العقل وحده، أما إذا انضم إليه حكم الشرع فقد يتحرّك
إذن الملازمة ليست ثابتة إيجاباً وسلباً.
مضافاً إلى أن أصل القبح الذي ذكره لا نسلّم به في المقدّمات البعيدة، بل غاية ما نسلّمه في المقدّمات القريبة مثل أن يمسك الشخص البريء والآخر يطعنه بالسكين فهذا قبيحٌ، أّما أن نفترض أن شخصاً يبيع السكّين لا بقصد أنه يعينه على الحرام ولكنه يعلم بأنه سوف يستعمله في الحرام فإن حكم العقل بالقبح هو أوّل الكلام.
إذن ما أفاده(قده) غير ثابت صغرىً - يعني أصل حكم العقل غير ثابت -  في كل المقدّمات، وقابل للمناقشة ايضاً من ناحية الكبرى باعتبار أنّه حتى لو ثبت حكم العقل فهذا مبنيٌّ على الملازمة وهي ليست ثابته.
هذان وجهان لإثبات الحرمة وقد اتضح أن الوجه الصحيح هو الآية الكريمة ولكن في مساحةٍ ضيّقةٍ وهي ما إذا كانت المقدّمة قريبة.


[2]  فلاحظ صحاح اللغة، ج6، ص2169، والقاموس، ج4، ص355، والمصباح المنير، ص439.
[3] المكاسب المحرمة، الخميني، ج1، ص494.