12-04-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/04/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة ( 411 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
وينبغي الالتفات إلى أنه لو لم تكن لدينا القرينتان على بطلان الجمع بالشكل الثاني - أي بالتفصيل بين المتمتع وغيره - وما شاكلهما ودار الأمر بين الجمعين - يعني بين الجمع بالحمل على الاستحباب كما هو مقتضى الجمع الأول لقانون كلما اجتمع صريح وظاهر وبين الجمع بالتفصيل لأجل الطائفة الثالثة المفصّلة - ولم تكن هناك قرينتان أو قرينة تبطلان الجمع بالتفصيل فأيّهما يكون هو المرجّح من دون قرائن خاصّة فهل هو الجمع بالحمل على الاستحباب والرجحان أو الجمع بالتفصيل وهذه قضيّة سيّالة عامة - ؟
يظهر من صاحب الجواهر(قده) إن الجمع الثاني ليس بأولى من الجمع الأوّل - يعني بالحمل على الرجحان - بل هما مثلاً متساويان، ونصّ عبارته:- ( ودعوى الجمع بينهما  بالحمل على القارن والمفرد دون المتمتع مع أنها لا تتمّ فيما كان ظاهره التمتع ليس بأولى من حمل النهي على الكراهة )[1]، إن قوله:- ( مع أنها لا تتمّ فيما كان ظاهره التمتع ) لا يبعد أنه إشارة إلى القرينتين اللتين أشرنا إليهما وأن ظاهر الطائفة الثانية التي دلّت على جواز التأخير بعد أيام التشريق ظاهرها التمتع - للقرنيتين اللتين أشرنا إليهما أحدهما النهي عن الطيب والثانية أنه هو الفرد الطبيعي والمتعارف الذي يأتي به الامام عليه السلام -، وهذا ليس بمهمّ فلعلّه يقصد وجه الظهور هذا أو يقصد غيره .
والشاهد هو في عبارة ( ليس بأولى من حمل النهي على الكراهة ) يعني أن هذا الجمع الثاني بالتفصيل بين المتمتع وغيره ليس بأولى من حمل الطائفة الأولى التي دلّت على جواز التأخير إلى أيام التشريق دون ما زاد ليس بأولى من حملها على الرجحان فنحمل الطائفة على الرجحان فالحمل الثاني ليس بأولى من الحمل الأول، هكذا يظهر منه(قده).
ونحن نقول:- العربُ ببابك، فإنه لو قيل ( أكرم الفقير) ثم قيل في دليلٍ آخر ( يجوز لك أن لا تكرم الفقير ) ثم جاء نصّ ثالث وقال ( إذا كان عادلاً فأكرمه وإن لم يكن عادلاً فيجوز لك أن لا تكرمه ) فهنا ماذا يصنع العرف ؟ إنه ينبغي أن يكون واضحاً أن نجمع بين الدليل الأول والثاني بالتفصيل المذكور في الدليل الثالث ولا ينبغي التأمل من هذه الناحية، ولا ينبغي لشخصٍ أن يقول نحمل الأمر في الأوّل على الرجحان والاستحباب بقرينة الدليل الثاني الذي قال ( يجوز لك أن تترك إكرام الفقير )، كّلا لا نصنع ذلك وإنما نجمع بالتفصيل المذكور، ولعلّ النكتة العرفيّة والعقلائيّة في ذلك - بعد الشعور الوجداني العرفي العقلائي من أعماقنا أنه نجمع بما دلّت عليه الرواية الثالثة - هي أن الرواية الثالثة المفصّلة هي أشبه بالقرينة الداخليّة أو المتصّلة ومع وجودها لا تصل النوبة إلى القرينة الخارجيّة، فإذا فرض أنه يوجد شاهدٌ من نفس الروايات على الجمع - وهو الرواية الثالثة - فبعد وجودها لا تصل النوبة إلى القرينة الخارجيّة - وهي قانون كلّما اجتمع صريح وظاهر - . والمهم كما أشرت هو أن العرف هكذا يصنع، أي أنه يجعل الدليل الثالث وجهاً للجمع بين الدليلين الأوّلين لا أنه يتوقّف في ذلك ويقول إن الجمع بالتفصيل ليس بأولى من الجمع بالحمل على الرجحان،كلّا إنه لا يتوقّف في ذلك.
والخلاصة:- إنه لولا القرينتان اللتان أشرنا إليهما لكنّا نجمع بالجمع الثاني - أي بالتفصيل بين المتمتع وغيره - ولكن الذي وقف أمانا هو القرينتان لا أن الجمع الثاني ليس بأولى من الجمع الأول كما توحي به عبارة صاحب الجواهر(قده).
ولنرجع الى صلب الموضوع:- ذكرنا أن المناسب جواز التأخير إلى ما بعد أيام التشريق لتصريح الطائفة الثانية بذلك.
وقد تسأل وتقول:- إلى متى يجوز التأخير عن أيام التشريق ؟ فهل إلى شهرٍ أو إلى شهرين أو إلى احتمالٍ آخر ؟
والجواب:- المناسب هو جواز التأخير مادام ذو الحجّة باقياً وأما ما زاد على ذلك فلا، ولماذا ؟
أما أنه يجوز التـأخير مادام ذو الحجة باقياً فلوجهين:-
الأول:- قوله تعالى:- ﴿ الحج أشهر معلومات ﴾ وقد اتفقت الكلمة والروايات على أن المقصود من الأشهر المعلومات آخرها هو ذو الحجة فذو الحجّة هو من أشهر الحجّ ومادام من أشهر الحجّ فيجوز التأخير مادام باقياً بمقتضى الاطلاق اللفظي شريطة أن لا يدلّ دليلٌ من الخارج على تقييده أما إذا دلَّ دليلٌ من الخارج على ذلك كما في سائر أفعال الحجّ فإن الذبح والحلق وبعض أفعال الحجّ الأخرى قد دلَّ الدليل على أنه يلزم أن يؤتى بها في أوقاتٍ محدّدة، إنه مادام قد دلّ الدليل على ذلك فلا يجوز التمسّك بهذا الاطلاق، أما بعد أن فرض أن مثل طواف الحجّ لم يدلّ دليل على تعيّنه ولزوم الاتيان به في اليوم العاشر أو في أيام التشريق فيجوز الـتأخير إلى نهاية ذي الحجّة تمسّكاً بالاطلاق اللفظي.
الثاني:- ولو فرض أن هذا الاطلاق لم يكن موجوداً كفانا الأصل العملي فإنا نجزم باشتغال ذمتنا بالحجّ المقيد بطواف الحجّ، إن هذا المقدار لا إشكال فيه أما أن يكون الحجّ مقيداً بالطواف في أيام التشريق بالخصوص فهذا تقييدٌ زائدٌ مشكوكٌ نشكُّ باشتغال الذمّة به فننفيه بأصل البراءة.
وبذلك يتّضح الوجه في عدم جواز التأخير بعد ذي الحجّة فإن الوجه في ذلك هو الآية الكريمة التي تقول:- ﴿ الحجُّ أشهرٌ معلومات ﴾ فإن طواف الحج بعدما كان من أفعال الحجّ فيلزم بمقتضى الآية الكريمة أن يكون في أشهر الحجّ دون غيرها . مضافاً إلى الاتفاق على ذلك وعدم الخلاف فنفس اتفاق الفقهاء بشكلٍ واضحٍ على أن التأخير الزائد لا يجوز يمكن أن نستند إليه أيضاً مادام يورث الاطمئنان للفقيه لإثبات عدم جواز التأخير لما زاد عن شهر ذي الحجّة.
إذن النتيجة هي أن التأخير جائزٌ مادام شهر ذي الحجّة باقياً أمّا ما زاد على ذلك فلا يجوز.
ومن الغريب ما جاء في الحدائق[2] حيث ناقش صاحب المدارك(قده) بما حاصله:- إن التـأخير إلى أيام التشريق - يعني إلى اليوم الثالث عشر - شيءٌ مقبولٌ لدلالة الروايات على ذلك أما أنه يجوز التـأخير إلى نهاية ذي الحجّة - حيث إن صاحب المدارك يرى ذلك - فهذا لا دليل عليه . وإذا قيل إن الدليل موجودٌ - أعني اطلاق قوله تعالى ﴿ الحج أشهر معلومات ﴾ - فإنه مطلقٌ ويشمل جميع شهر ذي الحجّة فالمناسب جواز تأخير طواف الحجّ إلى نهاية شهر ذي الحجّة بمقتضى إطلاق الآية الكريمة . أجبنا عن ذلك بأن هذا الاطلاق لا يجوز التمسّك به بعد أن دلّت الروايات على أنه يجوز التأخير إلى يوم النفر - ويوم النفر مثلاً ينطبق على اليوم الثاني عشر والثالث عشر - أما ما زاد فهذا يدلّ على عدم جوازه فيكون مقيّداً لإطلاق الآية الكريمة، ونصّ عبارته:- ( غاية ما يستفاد من الأخبار أن ذا الحجّة إلى آخره من أشهر الحجّ باعتبار ما جوّزه الشارع فيه من الأفعال بعد مضيّ وقتها إلى آخره ..... والروايات الأخيرة غاية ما دلّت عليه التأخير إلى اليوم الثالث عشر فكيف يجوز الامتداد إلى آخر الشهر ؟! )، وله عبائر أخرى في هذا المجال.
ووجه الغرابة:- هو أن صاحب الحدائق(قده) له تظلّعٌ ويدٌ طولى بالروايات على ما يظهر من ملاحظة الحدائق فكيف خفية عليه الطائفة الثانية التي أشرنا إليها ؟! أعني مثل صحيحة الحلبي حيث جاء فيها:- ( أنا ربما أخّرته حتى تذهب أيام التشريق ) ، وهكذا في صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( لا بأس إن أخّرت زيارة البيت إلى أن تذهب أيام التشريق إلا أنك لا تقرب النساء ولا الطيب )، إنهما واضحتان في جواز فعل طواف الحجّ بعد أيام التشريق، وكان من المناسب الإشارة اليهما ثم مناقشتهما فكيف حصل ما حصل ؟! إنّه غريبٌ.