10-04-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/04/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- تتمة الواجب الثامن والتاسع من واجبات الحج طواف الحج وصلاته والسعي وكيفيتها وشرائطها، مسألة ( 410 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
وأما بالنسبة إلى الحكم الثاني أعني أن الكيفية واحدة والاحكام واحدة:- فيمكن أن يستفاد ذلك من صحيحة معاوية بن عمار حيث جاء فيها:- ( ثم طف بالبيت سبعة أشواط كما وصفت لك يوم قدمت مكة ثم صلّ عند مقام إبراهيم ركعتين )، إن قوله عليه السلام ( كما وصفت لك يوم قدمت مكة ) - أي قدمتها لأجل عمرة التمتع - يدلّ بوضوح على أن الكيفية واحدة ولا اختلاف من هذه الناحية، مضافاً إلى أن بعض الروايات أشارت إلى أحكام الطواف وكيفيته من دون تقييد بكونه طواف العمرة مثلاً، إن بيان الطواف وأنه بهذه الكيفيّة وأن حكمه إذا حصل الشك كذا .... وغير ذلك يمكن أن يفهم منه أن ما يذكر هو عامٌّ لكلّ طوافٍ.
ولو تنزّلنا وفرضنا أنا لا نملك رواية من القبيل الأوّل كصحيحة معاوية بن عمّار ولا من القبيل الثاني فمع ذلك يمكن الوصول إلى النتيجة المذكورة وذلك ببيان أن نفس سكوت الشرع عن بيان كيفيةٍ ثانيةٍ للطواف وأحكامٍ أخرى له يدلّ عرفاً على الحوالة على نفس الكيفيّة والأحكام الثابتة لطواف العمرة، كما هو الحال في باب الغُسل فالروايات إذا بيّنت كيفية غُسل الجنابة وأحكامه وسكتت عن كيفيّة غُسل الجمعة أو غُسل الحيض وغيرهما وسكتت عن بيان أحكامه إن نفس هذا السكوت نفهم منه الوحدة من جميع الجهات والحوالة على ما مضى، وهذا مطلبٌ سيّالٌ نستفيد منه في موارد مختلفة كالوضوء وكالغسل وما شاكل ذلك، وبعد هذا لا نحتاج إلى ما قد يظهر من كلمات السيد الخوئي(قده) حيث إنه حاول إثبات وحدة الحقيقة - أي حقيقة الطواف هنا مع الحقيقية في طواف العمرة - فإننا في غنىً عن ذلك بعدما فرضنا وجود هذه الحوالة العرفيّة، اللهم إلا أن يقصد نفس ما أشرنا إليه ولكن نحن عبّرنا عنه بالحوالة العرفيّة وهو عبّر عنه بوحدة الحقيقية، فإن كان مقصوده ما أشرنا إليه فنعم الوفاق وإلا فإثبات وحدة الحقيقية لا داعي له بعد وجود هذه الحوالة العرفيّة.
وقبل أن أنتقل إلى المسألة  الجديدة نذكر استدراكان لمحاضرتنا السابقة:-
الاستدراك الأوّل:- ذكرنا فيما سبق فيمن جهل أن يحلق في منى وحلق في مكانٍ خارجاً عن منى وذكرنا أنه لا ضير فيما فعله غايته يرسل بشعره إلى منى وتمسكنا لإثبات الاكتفاء بما تحقّق منه بفكرة القصور في المقتضي، بمعنى أن المقتضي للإلزام بالحلق في منى كما ذكرنا سابقاً هو أن المسألة عامة البلوى فينبغي أن يكون حكمها واضحاً وهذا البيان حيث إنه دليلٌ لبّي فيقتصر فيه على القدر المتيقن وهو الملتفت العالم وأما بالنسبة إلى الجاهل فلا نملك دليلاً آنذاك على تعيّن الخلق في منى في حقة فنتمسّك بأصل البراءة فنشك باشتغال ذمته بالحلق في خصوص منى فننفي ذلك بالبراءة.
وهنا موضع الاستدراك حيث نقول:- صحيحٌ إن المقتضي قاصرٌ عن إثبات اللزوم في حقّ غير العالم الملتفت ولكن هذا لا يعني جواز الرجوع إلى البراءة إذ توجد في المقام حالة سابقة متيقّنة والبراءة إنما يُرجَعُ إليها إذا لم تكن هناك حالة من هذا القبيل والحالة السابقة في مقامنا هي أن محرّمات الإحرام كانت ثابتة في حقه - أي قبل أن يحلق - والآن نشك أنه لو حلق في هذا المكان هل يكتفى منه في تحقق الإحلال أو لا ؟ إن المورد من موارد الشكّ في تحقّق الإحلال فنستصحب آنذاك بقاء المحرّمات في حقه، وهذا مطلبٌ أشرنا إليه أكثر من مرّة . إذن يشكل التمسّك بهذا البيان لأجل النكتة المذكورة وينحصر الأمر بالوجه الثاني الذي أشرنا إليه وهو صحيحة مسمع حيث إنها دلّت على أنه يكتفى بالحلق في الطريق حيث قالت:- ( عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصّر حتى نفر، قال:- يحلق في الطرق أو أين كان ) وموردها وإن كان هو الناسي ولكن لا خصوصيّة للنسيان من هذه الناحية . إذن المناسب هو الاعتماد على هذا الوجه دون ذلك الوجه المتقدّم.
الاستدراك الثاني:- ذكرنا فيما سبق أنه لو حلق حاجّان أحدهما للآخر وقع  الحلق منهما معاً باطلاً، أما الأوّل فلأنه قد تحقّق من المحرم وأما الثاني فباعتبار أنه وإن حلق ولكن لبطلان حلقه وضعاً فهو باقٍ على الإحرام فيكون حلقه حينئذٍ صادراً وهو محرِمٌ فيقع الحلق أيضاً منه في حقّ الثاني باطلاً وتمسنا لذلك بما دلّ على أن ( الحرام لا يأخذ من شعر الحلال والحرام )، هكذا ذكرنا فيما سبق بعد حمل ذاك على الحرمة الوضعيّة.
ونستدرك الآن ونقول:- إنه لا توجد عندنا رواية بهذا اللسان وإنما الموجود هو صحيحة معاوية بن عمار التي تقول:- ( لا يأخذ المحرم من شعر الحلال )[1] فلا توجد  فيها كلمة ( الحرام ) وبناءً على هذا يلزم أن نفسّر هذا النهي بالنهي التكليفي للحصر بالمحلّ حيث قيل:- ( لا يأخذ المحرم من شعر الحلال ) ومن الواضح أنه لا معنى للحرمة الوضعيّة بالنسبة إلى الأخذ من شعر الحلال . نعم نحن نسلّم أن ذكر الحلال هو من باب بيان الفرد الخفي كما أشرنا إلى ذلك سابقاً، يعني أن الامام عليه السلام حينما قال:- ( لا يأخذ المحرم من شعر الحلال ) وسكت عن الأخذ من شعر المحرم فذلك من باب أنه يريد أن يبيّن الفرد الخفي وإلا فذاك هو واضحٌ أنه مُحرِمٌ، فإذن بيان عدم جواز الأخذ من شعر الحلال يدلّ بالأولويّة على عدم جواز أخذ المحرم من شعر المحرِمِ، وهذا صحيحٌ ونسلّمه ولكن الرواية ابتداءً هي واردة في حقّ الحلال - يعني لا يأخذ المحرم من شعر الحلال - فالمذكور في العبارة هو ( لا يأخذ من شعر الحلال ) والحرمة الوضعيّة هنا لا معنى لها . نعم لو كان قد ذكر الاثنان - يعني الحلال والحرام - أمكن أن يقال بأنه ناظراً إلى الحرمة الوضعيّة والتكليفية مثلاً مادام يمكن تصوّر الحرمة الوضعيّة في حق أحدهما ولا يلزم أن تتصوّر في حقّ الاثنين معاً، لكن بعد اقتصار الرواية على ذكر الحلال فقط والثاني دخل بالأولويّة فحينئذٍ يكون من الواضح أن الرواية ناظرة إلى بيان الحرمة التكليفيّة، وعلى هذا الأساس سوف نسأل كيف نثبت الحرمة الوضعيّة ؟ والمهمّ هو إثبات الحرمة الوضعية.
وفي الجواب نقول:- إنه إذا ثبت التحريم فسوف يثبت بذلك مبغوضيّة هذا الفعل شرعاً ومع مبغوضيّته كيف يمكن  التقرّب به فيقع فاسداً من الطرف الثاني - يعني من الشخص الذي حُلِقَ شعره أي المحرِم - فالمحرِم لا يمكن أن يتقرّب بهذا الحلق فإن الرواية نهت عن حلق المحرِم للحلال وقلنا بالأولويّة تشمل الحرام ومادام يحرم الحلق تكليفاً فتثبت مبغوضيّته ومع ثبوت مبغوضيّته كيف يمكن التقرب به ؟! فيقع باطلاً من باب أنه لا يمكن التقرّب بما هو مبغوض.
إن قلت:- إن المفروض أن النهي قد توجّه إلى الحالق دون الشخص الذي يُرادُ حلق شعر رأسه فالرواية قالت:- ( لا يأخذ المحرم ) فالنهي متوجّه إلى الحالق المحرِم ولم يتوجّه إلى المحلوق شعر رأسه، فإذن كيف نثبت المبغوضيّة في حقّ ذاك ؟ والذي نريده نحن هو إثبات أن الحلق في حقّ الشخص المحلوق شعره مبغوضاً ويقع باطلاً لا من الحالق ؟
قلت:- نحن نسلّم أن النهي متوجّه إلى الحالق ولكن نضمّ إلى ذلك دلالةً عرفيّةً وهي أنه لو توجّه النهي إلى شخصٍ وقيل له ( لا تفطر في شهر رمضان ) فيفهم عرفاً النهي في حقّ الآخرين بتهيئة الأجواء له إلى المخالفة والإباحة ليست ثابتة، يعني حينما يقال ( لا تفطر في شهر رمضان ) – أي من دون عذرٍ - فيفهم أنه أنتم أيها الناس لا يباح لكم أن تهيئوا الأجواء لهذا الشخص والعرف يرى التنافي بين أنه حرام على هذا الأكل وبين أنه يباح لكم أنتم أن تهيئوا له الأجواء الصالحة للمخالفة بأن تقدّموا له الطعام للإفطار. إذن توجيه النهي إلى هذا يدلّ بالالتزام العرفي على المبغوضيّة في حقّ الآخرين، ففي مقامنا أيضاً نقول إنه حينما نُهيَ المحرِم عن الأخذ من شعر غيره - ونقصد بالغير هنا المحرِم الآخر - فهذا معناه مبغوضيّة تهيئة الأجواء الصالحة للمخالفة من قِبَل المحرِم الثاني - يعني مبغوضيّة أن يأتي به -، نعم أن آخذ شعر رأسي وأحلقه فهذا مبغوضٌ أيضاً، وبناءً على هذا الفهم لا يمكن التقرّب بما هو مبغوضٌ.
نعم يبقى الكلام في أن هذا هل يختصُّ بالعالم أو يعمّ الجاهل أيضاً ؟ يعني قد يكون الشخص الثاني المحرِم يعلم بأن الأوّل الحالق هو الآن في حالة الإحرام فهنا لا إشكال في أنه يتمّ ما أشرنا إليه من الدلالة العرفيّة، وأما إذا فرض أن الثاني كان جاهلاً بأن الأوّل محرمٌ فهل يأتي هذا الكلام أيضاً ؟ لا يبعد أن يقال نعم هو يأتي فالمبغوضيّة موجودةٌ غاية الأمر لا تنجّز ولا استحقاق للعقوبة، نظير ما إذا فرض أن شخصاً أهانني وهو لا يعلم أني لا أستحق الاهانة بل يتخيّل أني أستحقها، إن هذا العمل يبقى مبغوضاً لي ولغيري غايته يكون هذا الشخص الفاعل معذوراً لا يستحق العقوبة رغم مبغوضيّة هذا العمل . إذن يثبت الحكم بالبطلان من خلال هذه الدلالة العرفيّة ونعمّم هذا الحكم في حالة الجهل أيضاً وبذلك يثبت البطلان على طبق القاعدة بالبيان المذكور.



مسألة( 410 ):- يجب تأخير الطواف عن الحلق أو التقصير في حج التمتع فلو قدّمه عالماً عامداً وجبت إعادته بعد الحلق أو التقصير ولزمته كفارة شاة.
..........................................................................................................
مضمون هذه المسألة قد أشرنا اليه سابقاً في مسألة ( 409 ) وذكرنا أنه توجد أحكام خمسة والحكم الخامس يتعرّض له السيد الماتن(قده) في المسالة التالية - يعني مسألة ( 410 ) - وكان لنا هناك تعليقٌ فنيٌّ، وأوضحنا ايضاً خلاف صاحب الرياض والسيد الروحاني، ونحن اخترنا اعتبار الترتيب وفاقاً للسيد الماتن(قده) ولا يوجد شيء جديد.


[1]  وسائل الشيعة، العاملي، ج12، ص515، ب63 من أبوب تروك الاحرام، ح1، آل البيت.