03-04-1345


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/04/03

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة ( 409  ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
أجاب(قده) عن ذلك:- بأن هذه الرواية إما أن نقول بأنها مطلقة للعالم وغيره - أي للناسي والجاهل -، أو نقول هي واردة في الناسي ولا أقل هو القدر المتيقّن منها، فإن قلنا هي مطلقة وشاملة للجميع فينبغي إخراج الناسي والجاهل منها وتبقى منحصرةً بالعالم وبالتالي سوف تكون الشرطية منحصرة بالعالم دون الناسي والجاهل، أما لماذا يلزم تخصيصها ؟ إن الوجه في ذلك هو أن صحيحة جميل - التي هي الأولى من الروايات الثلاث التي ذكرناها – قد صرّح فيها الإمام عليه السلام بأن الناسي لا شيء عليه لو فعل ذلك - يعني زار البيت قبل التقصير – فهي قد صرّحت وقالت:- ( سألت أبا عبد الله عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال:- لا ينبغي إلا أن يكون ناسياً ) فهي عين موردنا وقد صرّحت بأن الناسي لا شيء عليه وقلنا إن الناسي هنا ما يعمّ الجاهل بقرينة الاستشهاد بالقوم الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وأخّروا ما قدّموا وقدّموا ما أخروا فإن أغلبهم كان جاهلاً عادةً، فالمقصود هو أن الرواية واضحة في أن الناسي والجاهل لا شيء عليه ولا حاجة إلى إعادة عمله . فعلى هذا الأساس تكون صحيحة ابن يقطين وإن دلت على لزوم الإعادة من جديد حيث قالت ( يقصّر ثم يطوف ويسعى ) فصحيحٌ هي قد صرّحت بذلك ولكن نخصّصها بخصوص العالم لأجل صحيحة جميل . هذا على هذا التقدير . فالنتيجة هي أن الشرطيّة خاصةٌ بالعالم دون الناسي والجاهل.
وأما على التقدير الثاني - يعني إذا قلنا أنها ناظرة إلى الناسي أو أن القدر المتيقّن منها هو الناسي والجاهل وليست شاملة للعالم واستقرب هو(قده) هذا الاحتمال - فيلزم حملها على الاستحباب، يعني حينما قال الإمام عليه السلام:- ( يقصّر ثم يطوف ثم يسعى ) يعني أنه يستحب ذلك لا أنه يلزم، والشاهد على ذلك هو أن صحيحة جميل صرّحت وقالت ( لا حرج ) أي لا شيء عليه فيحمل هذا على الاستحباب . فالنتيجة أنه سوف تصير صحيحة ابن يقطين ناظرة إلى الناسي والجاهل والإعادة تكون في حقّه مستحبّة وليست لازمة وأما العامد فيبقى تحت تينك الروايتين والمفروض أنه حصل تعارضٌ بين الظهورين فلا دلالة على لزوم الإعادة وشرطيّة الترتيب حتى في حق العامد، فإذن لا العامد ولا الناسي تلزم الاعادة في حقه . هذه هي النتيجة التي انتهى إليها(قده) فهو قد نفى الشرطيّة في حقّ الاثنين معاً - يعني بما في ذلك العالم العامد - . هذا توضيح ما افاده(قده).
وفيه:-
أما ما أفاده في كلامه الثاني:- حيث ذكر إن صحيحة ابن يقطين إما مطلقة فنخصصها بخصوص العامد ونخرج منها الجاهل والناسي بصراحة صحيح جميل أو هي ناظرة الى الناسي والجاهل فتحمل على الاستحباب بقرينة صحيحة جميل ايضاً – فهو جيّدٌ ومتينٌ ومقبولٌ ولكنّه لا ينفي الشرطيّة في حقّ العامد وإنما ينفيها في حقّ الناسي والجاهل ولا بأس بالالتزام بذلك بعد صراحة صحيحة جميل التي قالت ( لا ينبغي له إلا أن يكون ناسياً ) ، فكلامك الثاني مقبولٌ ولا مشكلة فيه ولا يضرّنا.
وأما ما أفاده في كلامه الأوّل:- من أنه إذا حملنا عبارة ( لا ينبغي ) على الحكم التكليفي فيلزم أن يكون العمل صحيحاً إذ لو كان فاسداً فسوف يمكن إعادته فلا معنى للنهي التكليفي عنه وبالتالي يكون ثبوت الشاة مع فرض صحّة العمل وجيهاً وأما إذا حملناه على النهي الوضعي فثبوت الشاة لا يكون وجيهاً إذ يمكن آنذاك إعادة العمل فمادام فاسداً في المرّة الأولى فيمكن إعادته من جديد فلا وجه لثبوت الشاة – فيردّه:- أن صحيحة ابن مسلم واضحةٌ في اعتبار الشرطيّة حيث قالت:- ( إن كان زار البيت قبل أن يحلق وهو عالم أن ذلك لا ينبغي له )، إنها واضحة في أنه لا ينبغي زيارة البيت قبل الحلق، بل صحيحة جميل أيضاً واضحة في ذلك . نعم المشكلة هي أن ( لا ينبغي ) إذا كان دالاً على الفساد فلا موجب لثبوت الشاة على ما ذكر(قده)، ونحن نقول:- هذا كلامٌ على طبق القاعدة فالقاعدة تقتضي أن العمل إذا كان فاسداً - يعني الطواف والسعي قبل الحلق - فسوف يمكن إعادته فلا موجب لثبوت الشاة، إن هذا كلامٌ على طبق القاعدة ولكن ما المانع في مخالفة القاعدة أَلَا يمكن للشارع أن يخالف ما تقتضيه القاعدة ؟!! إن هذا الكلام منه(قده) ككلام بعض القدماء في بعض الموارد ( من أن هذه الرواية تخالف القاعدة فهي مردودةٌ ) إن هذا لا معنى له فإنه لا يلزم أن يكون الحكم الشرعي مطابقاً دائماً للقاعدة . إذن لا محذور في أن يفترض أن هذا العمل فاسد من العالم ولكنّه رغم ذلك تثبت عليه الشاة لأنه خالف متعمّداً وعالماً مثلاً فتفرض عليه غرامة وهي الشاة لأنه تقصّد المخالفة وتعمّد إليها . بل لا نحتاج إلى هذا فإن الشارع من حقّه أن يفرض شيئاً ويرفع شيئاً فلا محذور في أن المخالف متعمّداً وإن أمكنته الإعادة أن يفرض عليه الشرع الشاة، ومعه لا محذور آنذاك في الأخذ بظاهرها فإن ظاهر ( لا ينبغي ) هو عدم الانبغاء وضعاً أو هو الأعم من التكليفي والوضعي . إذن الأخذ بظاهرها لا محذور فيه بعدما كان ممكناً في حق الشارع مخالفة ما تقتضيه القاعدة، وبذلك تصير النتيجة هي أن العامد يبطل عمله والشرطيّة تكون ثابتةً في حقّه وغيره - يعني الناسي والجاهل - يكون عمله صحيحاً لصراحة صحيحة جميل في أن الناسي لا شيء عليه . هذا كلّه فيما يرتبط بما أفاده السيد الروحاني(قده).
والنتيجة هي التفصيل بين العامد والناسي.
بيد أن المنقول عن المشهور هو أن الناسي تلزمه الاعادة أيضاً، فقد نقل في المدارك[1] ( أن المعروف من مذهب الاصحاب أن على الناسي إعادة الطواف لإطلاق صحيحة ابن يقطين ) ثم قال:- ( نعم تعبير المحق في الشرائع بقوله " ولو كان ناسياً لم يكن عليه شيء وعليه إعادة الطواف على الأظهر " تحقق الخلاف في المسألة ولم أقف على مصرحٍ به )،ثم نقل عن جدّه الشهيد الثاني(قده):- ( أن الجاهل كالناسي في وجوب الاعادة ونفي الكفارة وقطع بذلك )، وعلى هذا الأساس إن الصناعة وإن اقتضت أن الناسي لا شيء عليه - أي لا إعادة ولا كفارة - لصريح صحيحة ابن مسلم، ولكن لأجل دعوى عدم الخلاف في المسألة لا بأس بالمصير إلى الاحتياط بإعادة الطواف، وهل هو استحبابيٌّ أو وجوبيٌّ ؟ إن هذا يتبع نفسيّة الفقيه، فإذا كان عدم الخلاف قويّاً فحينئذٍ يكون احتياطاً وجوبياً وأما إذا كان ضعيفاً فحينئذٍ يكون استحبابياً، وحيث إن عدم الخلاف محتمل المدرك لأن صاحب المدارك(قده) قال:- ( لإطلاق صحيحة ابن يقطين  ) يعني أنهم تمسّكوا بإطلاق هذه الصحيحة، فهذا عدمُ خلافٍ مدركيّ فتضعف قيمته لأن هذا إطلاقٌ مدركيٌّ ونحن قلنا هو مخصَّصٌ بصحيحة جميل لأنها صريحة فمن المناسب أن يكون الاحتياط آنذاك استحبابياً.
إذن يعاد الطواف من باب الاحتياط الاستحبابي .
وهل يعاد السعي أيضاً أو يقتصر في الاعادة على الطواف ؟ ذكر صاحب المدارك(قده) ما نصّه:- ( وهل تجب إعادة السعي حيث يحجب اعادة الطواف ؟ الأصح الوجوب، كما اختاره العلّامة في المنتهى والتذكرة لتوقّف الامتثال عليه )[2]، ويقصد بقوله ( لتوقف الامتثال عليه ) هو أن الترتيب معتبرٌ بين الطواف والسعي فلو أعيد الطواف دون السعي فسوف يكون السعي متقدّما والطواف متأخّراً وهذا خلف شرطيّة الترتيب.
ولكن نحن نقول:- إن إعادة أصل الطواف هي أحوط استحباباً، وكذلك نقول الأحوط استحباباً إعادة السعي مع الطواف لاحتمال اعتبار الترتيب في هذه الحالة.