1441/05/18


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

41/05/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الديات

(مسألة 215): دية الذمّي من اليهود والنصارى والمجوس ثمانمائة درهم (1) و دية نسائهم نصف ديتهم

    1. وهذا هو المعروف المشهور قال في الجواهر (بلا خلاف معتد به أجده بيننا ، بل في الخلاف والانتصار والغنية وكنز العرفان الإجماع عليه) [1] والنصوص الدالة عليه مستفيضة بل ادعي انها متواترة

منها: صحيحة ابن مسكان، عن أبي عبدالله (عليه ‌السلام) قال : ((دية اليهودي والنصراني والمجوسي ثمانمائة درهم)) [2]

ومنها صحيحة محمد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه ‌السلام) ـ في حديث ـ قال : ((دية الذمي ثمانمائة درهم))[3]

ومنها صحيحة بريد العجلي ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه ‌السلام) عن رجل مسلم فقأ عين نصراني ، قال: ((إن دية عين النصراني أربعمائة درهم))[4] بعد فرض ان في العين نصف الدية

ومنها: صحيحة ليث المرادي ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه ‌السلام) عن دية النصراني واليهودي والمجوسي ، فقال : ((ديتهم جميعا سواء ، ثمانمائة درهم ثمانمائة درهم))[5]

ومنها: رواية علي بن جعفر ، عن أخيه ، قال : سألته عن دية اليهودي والنصراني والمجوسي ، كم هي؟ سواء؟ قال : ((ثمانمائة ثمانمائة كل رجل منهم))[6]

ومنها: صحيحة أبي بصير ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه ‌السلام) عن دية اليهود والنصارى والمجوس ، قال : ((هم سواء ثمانمائة درهم))[7]

ومنها موثقة سماعة ، قال : قلت لابي عبدالله (عليه ‌السلام) : كم دية الذمي؟ قال : ((ثمانمائة درهم))[8]

ومنها: صحيحة ليث المرادي ، وعبد الاعلى بن أعين جميعاً، عن أبي عبدالله (عليه ‌السلام) قال : ((دية اليهودي والنصراني ثمانمائة درهم))[9]

ومنها: صحيحة زرارة ، قال : سألته عن المجوس ما حدهم؟ فقال : ((هم من أهل الكتاب ، ومجراهم مجرى اليهود والنصارى في الحدود والديات))[10] بضميمة ان الروايات السابقة تقول ان دية اليهود والنصارى ثمانمائة درهم

هذا مضافاً للروايات التي قرأناها في دية ولد الزنا، فالروايات كثيرة ولا يبعد ان تكون متواترة

وفي المقابل هناك طائفتان من الاخبار:

الطائفة الاولى: ما دل على ان ديته دية المسلم وهما روايتان

الاولى: صحيحة أبان بن تغلب ، عن أبي عبدالله (عليه ‌السلام) قال : ((دية اليهودي والنصراني والمجوسي دية المسلم))[11]

الثانية: صحيحة زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه ‌السلام) قال : ((من أعطاه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ذمة فديته كاملة)) ، قال زرارة : فهؤلاء؟ قال أبو عبدالله (عليه ‌السلام) : ((وهؤلاء من أعطاهم ذمة))[12]

الطائفة الثانية: ان ديته اربعة الاف درهم

الاولى: رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه ‌السلام) قال : ((دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم ، ودية المجوسي ثمانمائة درهم))[13]

الثانية مرسلة الصدوق (روي أن دية اليهودي والنصراني والمجوسي ، أربعة آلاف درهم أربعة آلاف درهم ، لانهم أهل الكتاب))[14]

ولفقهائنا وجوه في كيفية تأويل هذه الروايات والجمع بينها وبين الادلة المتواترة، فكثير من فقهائنا حملوا هاتين الطائفتين على التقية لأنها معارضة للاخبار السابقة وبعد فرض التعارض يرجح بمخالفة العامة والاخبار السابقة مخالفة للعامة والاخبار التي تقول بأن ديته دية المسلم موافقة للعامة فان هذا مذهب جماعة منهم كعلقمة ومجاهد والشعبي والنخعي والثوري وأبي حنيفة كما عن المغني

والطائفة الثانية ايضاً موافقة لهم فان هذا مذهب جماعة منهم وهو المنقول عن عمر وعثمان وسعيد بن المسيب وابو الحسن وعكرمة وعمر بن دينار وابي ثور والشافعي كما هو المنقول عن المغني

وهذا مبني على ان تقديم المخالف للعامة على الموافق لهم لا يشترط فيه ان يكون موافقاً لكل العامة لان هذا نادر الحصول

واما الشيخ الصدوق (قده) فقد حمل الاخبار على اختلاف الاحوال فقال (هذه الأخبار اختلفت لاختلاف الأحوال وليست هي على اختلاف في حال واحد ، متى كان اليهودي والنصراني والمجوسي على ما عوهدوا عليه من ترك إظهار شرب الخمور وإتيان الزنا وأكل الربا والميتة ولحم الخنزير .... فعلى من قتل واحدا منهم أربعة آلاف درهم، ..... ومتى آمنهم الامام وجعلهم في عهده وعقده وجعل لهم ذمة ولم ينقضوا ما عاهدهم عليه من الشرائط التي ذكرناها وأقروا بالجزية وأدوها فعلى من قتل واحدا منهم خطأ دية المسلم) [15]

والشيخ الطوسي في التهذيب حمل هاتين الطائفتين على من اعتاد قتل اهل الذمة فان للامام ان يلزمه دية المسلم فقال (الوجه في هذه الخبار ان تحملها على من يتعود قتل اهل الذمة ، فان من كان كذلك فللامام ان يلزمه دية المسلم كاملة تارة ، وتارة اربعة آلاف درهم بحسب ما يراه أصلح في الحال واردع لكي ينكل عن قتلهم غيره ، فاما من ندر ذلك منه فلا يلزمه اكثر من الثمانمائة حسب ما قدمناه اولا) [16] والمهم هو ان الشيخ لما ذكر هذا الراي في التهذيب استدل له بموثقة سماعة ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه ‌السلام) عن مسلم قتل ذميا؟ فقال : ((هذا شيء شديد لا يحتمله الناس فليعط أهله دية المسلم حتى ينكل عن قتل أهل السواد ، وعن قتل الذمي ، ثم قال : لو أن مسلما غضب على ذمي فأراد أن يقتله ويأخذ أرضه ويؤدي إلى أهله ثمانمائة درهم إذا يكثر القتل في الذميين ، ومن قتل ذميا ظلما فانه ليحرم على المسلم أن يقتل ذميا حراما ما آمن بالجزية وأداها ولم يجحدها))[17]

ومن هنا نستطيع ان نقول بان الشيخ قائل بالتفصيل بين الذي يقتله من يعتاد قتل الذميين فديته دية المسلم وبين الذي لا يعتاد قتلهم فديته ثمانمائة درهم

واستفادة ما ذكره من موثقة سماعة لا يخلو من خفاء لاحتمال ان تكون الرواية ناظرة الى القتل العمدي لا القتل الخطائي بقرينة قوله (هذا شيء شديد لا يحتمله الناس) وهناك من يرى ان (قتل) ظاهرة في القصد والعمد ولكننا لا نقبله، وقوله (لو أن مسلما غضب على ذمي فأراد أن يقتله ويأخذ أرضه ويؤدي إلى أهله ثمانمائة درهم إذا يكثر القتل في الذميين) فظاهرها انها ناظرة الى القتل العمدي، فالذي يستفاد منها التفصيل بين القتل العمدي فديته دية المسلم وبين غيره فديته ثمانمائة درهم وهذا نستفيده من الروايات الاخرى

ويحتمل ان يكون قول الامام (عليه السلام) (فليعط أهله دية المسلم) حكماً ولائياً لا حكماً شرعياً صدر منه باعتباره ولياً للامر ولم يصدر منه باعتباره مخبراً عن الشريعة ويؤيد هذا التعليل الذي ذكره الامام، وعلى هذا فقد يتبدل هذا الحكم بحسب ما يراه الامام من المصلحة، ومن هنا نستطيع ان ندخل الطائفة الثانية في البين بحملها على اختلاف المصلحة فهي قضية منوطة بالامام وما يراه من مصلحة

وبناءً على هذا فنحمل الروايات السابقة القائلة بان الدية ثمانمائة درهم على القتل الخطائي على ما احتملناه او على غير معتاد القتل على راي الشيخ الطوسي (قده)

ولكن حمل الروايات السابقة على كثرتها على القتل الخطائي لا يخلو من صعوبة وان كنا لا نقول بان لسان (من قتل ذميا) يختص بالقتل العمدي الا ان اخراج القتل العمدي منه اشبه باخراج القدر المتيقن من الدليل

وقد يجاب هذا بأن ارتكاب خلاف الظاهر في الجمع بين الادلة موجود، والدليل عليه هو ما دل على الجمع بين الروايات بهذا الشكل، وقد دلت عليه موثقة سماعة في مقامنا

ولكن مع ذلك يبقى الامر لا يخلو من صعوبة فان الروايات كثيرة ومستفيضة،

فاذا تم هذا الجمع فبها، والا فيتعين حمل الطائفتين على التقية لانه مذهب جماعة من العامة، والنتيجة تختلف فعلى حمل الطائفتين على التقية يكون دية قتل الذمي ثمانمائة درهم عمداً أو خطئاً، بينما على ما ذكرناه من الجمع فدية القتل الخطائي ثمانمائة درهم ودية القتل العمدي راجعة الى الامام بحسب ما يراه من المصلحة.