1441/05/03


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

41/05/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الديات

(مسألة 211): يستثني من ثبوت الدية في القتل الخطائي ما إذا قتل مؤمناً في دار الحرب معتقداً جواز قتله وأنّه ليس بمؤمن فبان أنّه مؤمن، فإنّه لا تجب الدية عندئذٍ وتجب فيه الكفّارة فقط(1)(مسألة 212): دية القتل في الأشهر الحرم عمداً أو خطأً دية كاملة وثلثها(2)، وعلى القاتل متعمّداً مطلقاً كفّارة الجمع وهي عتق رقبة وصوم(3)

    1. ذكرنا انه اذا اعتمد الانسان على ما تقدم من الادلة لاثبات ان المراد بالخطأ في الاية هو الخطأ في الاعتقاد فبها، واما اذا لم نعتمد على ذلك فيتعين الاخذ بظاهر الاية في انها تتحدث عن الخطأ المحض الذي فسرناه بالخطأ في الفعل فان الاية بجميع فقراتها تتحدث عن القتل الخطأي، فذكرت بان الذي يقتل مؤمناً في قوم مؤمنين تترتب عليه الدية والكفارة واما لو قتل مؤمناً بين قوم كافرين فتارة لا يكون بينكم وبينهم ميثاق فتسقط الدية وتترتب الكفارة وان كان بينكم وبينهم ميثاق فتثبت الدية والكفارة

وكان المقصود بالاول الخطأ المحض وكذلك في الفقرة الثانية بمعنى انه رمى شيئاً فاصابه فقتله، وقد علل سقوط الدية في هذه الحالة في كلمات اكثر من واحد من المفسرين والفقهاء بمسألة الارث فان الكفار لا يرثون المسلمين وكأن المفروض في هذا التعليل بان كل قرابته كافرون

واما في مورد الميثاق فانما تثبت الدية مراعاة للميثاق، بل قيل بان الاية في صدرها قدمت تحرير الرقبة على الدية بينما في اية الميثاق قدمت الدية على الكفارة وفيه اشارة الى مراعاة الميثاق

والتعليل المذكور لا دليل عليه مضافاً الى انه لا يتم اذا كان للمؤمن المقتول خطئاً وارث مسلم، بل حتى لو لم يكن له وارث مسلم فان الامام وارث من لا وارث له كما دلت على ذلك صحيحة أبي ولاد الحناط ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه ‌السلام) عن رجل مسلم قتل رجلا مسلما فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين إلا أولياء من أهل الذمة من قرابته ، فقال : ((على الامام أن يعرض على قرابته من أهل بيته الاسلام ، فمن أسلم منهم فهو وليه يدفع القاتل إليه فان شاء قتل ، وإن شاء عفا ، وإن شاء أخذ الدية ، فان لم يسلم أحد كان الامام ولي أمره ، فان شاء قتل ، وإن شاء أخذ الدية فجعلها في بيت مال المسلمين لان جناية المقتول كانت على الامام فكذلك تكون ديته لامام المسلمين))[1]

مضافاً الى انه يبدو ان لازم هذا التعليل هو ان نلتزم بعدم ثبوت الدية على من قتل مؤمناً متعمداً وكان قومه من الكفار فيجب ان تسقط الدية لانه لا وارث له، ولم يلتزم بذلك احد

ثم ان الدية وان كانت ارثاً ولكن يبدو انها لم تشرع لاجل ان تكون ارثاً وانما هي نوع من التعويض عن جناية قام بها لئلا يبطل دم امريء مسلم كما دلت عليه الاحاديث، وهذا التعويض ياخذه قرابة الميت ان كان له قرابة يستحقون الارث والا انتقل الى الامام

وفي المقابل يحتمل القول بشمول الاية للخطأ في الاعتقاد وعدم اختصاصها بالخطأ المحض، تمسكاً باطلاق الاية الشريفة اذ لم يذكر فيها الا عنوان الخطأ، وحينئذ لا بد من ثبوت هذا الحكم للخطأ في الاعتقاد

نعم سائر الاحكام الثابتة في ادلتها للخطأ المحض لا يمكن تسريتها للخطأ في الاعتقاد فان الروايات لا اطلاق فيها بل هي ظاهرة في الخطأ في الفعل

والاحسن من هذا ان يقال بادخال الخطأ في الاعتقاد في الخطأ المحض بان يقال بان الخطأ الذي لا شك فيه -كما عبرت الروايات- يعم كلاً منهما، وهذا وان كان لا يساعد عليه ظاهر الروايات الواردة في تحديد الخطأ المحض فان ظاهر الروايات ان من يتعمده غير من يصيبه بخلاف الخطأ في الاعتقاد

ولكن يمكن التعميم على اساس التعدد في العنوان فانه عندما تعمد اصابة زيد بعنوان انه كافر حربي ثم تبين انه مسلم فكأنه تعمد شيئاً فاصاب غيره، وهذه المحاولة لو تمت فان كل الاحكام الثابتة للخطأ المحض تثبت للخطأ في الاعتقاد، وما يؤيد هذا الاحتمال هو ان الروايات المتقدمة قسمت القتل الى ثلاثة اقسام وبينت لكل قسم احكامه وهي على كثرتها لم يرد فيها اشارة الى الخطأ في الاعتقاد وهو يحصل في حالات كثيرة كما لو قتل شخصاً باعتقاد انه قتل زيداً ثم تبين انه لم يكن قاتلاً، وكما لو رمى شبحاً باعتقاد انه حيوان فتبين انه انسان، فسكوت الروايات عن هذه الحالة امر مستبعد، وهذا يقرب ان يكون المقصود من الخطأ الذي لا شك فيه في الروايات ما يشمل الخطأ في الاعتقاد، وبناءً على هذا نكون في راحة فسوف نثبت للخطأ في الاعتقاد كل الاحكام الثابتة للخطأ في الفعل

ومن هنا يظهر ان المسألة التي ذكرها السيد الماتن لا مشكلة فيها بناءً على شمول الخطأ المحض للخطأ في الاعتقاد نعم لا داعي للتقييد بدار الحرب لانه لم يثبت عندنا بشكل واضح اختصاص القضية بدار الحرب

    2. الظاهر ان المسألة مما لا خلاف فيها فذكر في الجواهر (بلا خلاف اجده بل الاجماع بقسميه عليه بل المحكي منهما صريحاً فضلاً عن الظاهر مستفيض)

ويستدل على ذلك بروايتين:

الاولى: صحيحة كليب الاسدي ، التي رواها الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس عن كليب الاسدي ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه ‌السلام) عن الرجل يقتل في الشهر الحرام ما ديته؟ قال : ((دية وثلث))[2] وهناك تأملين في سندها

الاول: في رواية محمد بن عيسى عن يونس والحال انه لم يدركه وانما اجازه يونس ولكن هذا الاشكال معالج ولا مشكلة في محمد بن عيسى وان استثناه ابن الوليد من نوادر الحكمة

والثانية: في كليب الاسدي فانه لم يوثق صريحاً ولكن الظاهر انه ثقة كما اثبتنا ذلك في بحث مستقل

وسند الشيخ في التهذيب لا يوجد فيه رواية محمد بن عيسى عن يونس حيث رواها بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن كليب بن معاوية

الرواية الثانية: رواية الشيخ الصدوق بإسناده عن أبان ، عن زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه ‌السلام) قال : ((عليه دية وثلث))[3]

وموضوع هذا الحكم هو موضوع مسألتنا لانه في الفقيه ذكر هذه الرواية وذكر قبلها رواية زرارة قال : سألت أبا جعفر( عليه‌السلام) عن رجل قتل رجلا خطأ في أشهر الحرم ، قال : ((عليه الدية وصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم ، قلت : إن هذا يدخل فيه العيد وأيام التشريق؟ فقال يصومه فإنه حق لزمه))[4]

ومقتضى اطلاق هذه الروايات عدم الفرق بين القتل العمدي والخطأي

    3. في الرياض بلا خلاف اجده، وذكر في الجواهر ان الاجماع بقسميه عليه

ويدل عليه من الروايات صحيحة عبدالله بن سنان ، وابن بكير ـ جميعا ـ عن أبي عبدالله (عليه ‌السلام) ، قال : سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمدا ، ـ إلى أن قال : ـ فقال : ((إن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول ، فأقر عندهم بقتل صاحبه ، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية ، وأعتق نسمة ، وصام شهرين متتابعين ، وأطعم ستين مسكينا توبة إلى الله عزّ وجلّ))[5]

وهذه الروايات تدل على ان القاتل عليه ان يخبر اولياؤء المقتول بقتل صاحبه وان دلت روايات اخرى على ان الجريمة يجب ان يتستر عليها


[1] وسائل الشيعة: الباب60 من أبواب قصاص النفس ح1.
[2] وسائل الشيعة: الباب3 من أبواب ديات النفس ح1.
[3] وسائل الشيعة: الباب3 من أبواب ديات النفس ح5.
[4] الفقيه: 4/110.
[5] وسائل الشيعة: الباب28 ح1.