1440/10/28


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/10/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 68 ) – هل الاجازة كاشفة أو ناقلة – شروط المتعاقدين.

هذا ويمكن أن يقال:- إنَّ الشرط المتأخر لو كان يقصد منه التأثير - يعني أنَّ هذا الشرط وهو الرضا المتأخر يؤثر في تحقق الملكية من حين العقد رغم أنه معدوم حين العقد ولكن هو حينما يحصل يكون مؤثراً في حصول الملكية في وقت العقد - فإذا كان هذا هو المقصود فما أفاده الشيخ الأعظم(قده) يكون أمراً وجيهاً ، فإنَّ الشرط إذا كان معدوماً حين العقد كيف يؤثر في حصول الملكية من حين العقد والحال أنَّ شرط الملكية ليس بموجود فكيف يكون الشرط معدوماً ومع ذلك يحصل المشروط - وهو الملكية - فإنَّ هذا لا يمكن وما قاله الشيخ الأعظم يكون وجيهاً.

ولكنا نقول:- إنه يمكن تفسير الشرط بمعنىً آخر ، ولا يختص هذا التفسير بخصوص مقامنا بل هو بشكل عام في الأمور الشرعية ، فيمكن أن يقال إنَّ المقصود من الشرط في الأمور الشرعية هو قيد الموضوع ، والموضوع كما يمكن أن يتقيّد بأمرٍ مقارن يمكن أن يتقيّد بأمرٍ متقدم أو متأخر ، فالشرع يقول العقد المقارن للرضا أو المتقدم عليه الرضا أو المتأخر عنه الرضا إني أحكم على العقد الذي يكون بعده رضا متأخر أحكم على هذا الموضوع - وهو العقد المقيد بالرضا بعد شهر أو سنة - من الآن بكونه موجباً للملكية فالملكية تتحقق عند تحقق هذا الموضوع وهذا الموضوع هو العقد الذي يأتي بعده رضا أنا أحكم على هذا الموضوع بأنه موجب للملكية من الآن ، إنه بناءً على هذا لا يكون المورد من تأثير المتأخر في ايجاد الشيء المتقدّم بل الرضا لا يوجد الملكية وليس مؤثراً في إيجاد الملكية وإنما الموجد للملكية هو حكم الشرع ، فالشرع يحكم على هذا الموضوع الذي يأتي بعده رضا يكون موجباً للملكية من حين تحقق العقد ، إنه شيء معقول فإنَّ قيود الموضوع من البديهي أنها يمكن أن تكون مقارنة أو متقدمة أو متأخرة ، فإذاً المشكلة نشأت من تفسير الشرط بالمعنى العقلي والفلسفي أي بمعنى التأثير فإذا كان الشرط بهذا المعنى فنعم يأتي الاشكال ، أما إذا كان الشرط بمعنى قيد الموضوع بالنحو الذي أوضحناه فلا مانع من ذلك ، وهذا لا يختص بالأمور الوضعية بل يأتي بالأمور التكليفية أيضاً ، فمن الآن الشارع يحكم على الصلاة بأنها صحيحة أو واجبة بشرط أن يكون باقياً على الاسلام إلى ما بعد ، وهذا الشيء ممكن ، فالصلاة التي يكون معها اسلام مستمر إلى حين الموت فهذا يكون موضوعاً لصحة الصلاة وايضاً الوجوب يأتي فيه ذلك يجب هذا الشيء بشرط إما مقارن مع الموضوع أو متقدم أو متأخر فإن هذا الشيء معقول مادام أخذنا الشرط بمعنى قيد الموضوع لا أنه مؤثر فلا مشكلة فإن قيود الموضوع كما يمكن أن تكون مقارنة يمكن أن تكون متقدمة ويمكن أن تكون متأخرة وعليه فلا إشكال من هذه الناحية خلافاً لما أفاده الشيخ الأعظم والسيد الخوئي(قده).

هذا كله بالنسبة إلى الاحتمال الثاني وقد اتضح أنه شيء ممكن ، نعم هو مخالف لظاهر الدليل ولكن هذه قضية ثانية ، فإن ظاهر الدليل هو أنَّ الرضا أخذ بنحو المقارن ولكن هذه قضية ثانية ، أما أن نقول إنَّ فكرة الشرط المتأخر باطلة ومستحيلة فهذا شيء غير مسلَّم بعد تفسير الشرط بقيد الموضوع.

الاحتمال الثالث:- أن تكون الملكية ثابتة في مورد الفضولي من بداية العقد والشرط أعني الرضا يكون مأخوذاً بنحو المقارن لا المتأخر ، فنحوّل المتأخر إلى مقارن ، وذلك بأن يقال:- إنَّ الشرط ليس هو نفس الرضا المتأخر بل تعقّب الرضا المتأخر ولحوقه ومعلوم أنَّ صفة التعقب واللحوق ثابتة من حين العقد فمادام في علم الله عزّ وجل يحصل الرضا بعد العقد الفضولي فيصدق على هذا العقد من حين وقوعه أنه ملحوق أن متعقباً للرضا فالشرط - وهو لحوق الرضا أو تعقبه - يكون أمراً مقارناً لا أمراً متأخراً.

إذاً اعترفنا بأنَّ الشرط المتأخر مستحيل ولكن حوّلناه إلى شرط مقارن.

وقد اختاره صاحب الفصول[1] ، كما اختاره أخوه صاحب هداية المسترشدين[2] .

وأشكل عليه الشيخ الأعظم(قده):- بأنَّ هذا مخالف لظاهر دليل اعتبار الرضا فإنَّ ظاهره أنَّ الشرط هو نفس الرضا لا لحوق وتعقب الرضا ، فإنَّ الآية الكريمة تقول ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض ﴾ ، فإنَّ ظاهرها أنَّ الشرط هو نفس الرضا لا تعقب الرضا ، فما أفاده العلمان مخالف لظاهر دليل شرطية الرضا.

وما أفاده شيء لا بأس به.

والأنسب أن يجاب بجوابٍ آخر:- وهو أن نقول إنَّ صفة التعقّب ليست مقارنة للعقد فإنَّ التعقّب من الأمور المتضايفة ، وفي باب المتضايفين كالأبوّة لا يصدق أحدهما إلا عند فعلية الآخر ، فالأبوة لا تصدق إلا عند فعلية البنوّة ، والبنوّة لا تصدق إلا عند فعلية الأبوّة ، وهنا الأمر كذلك ، فإنَّ التعقّب لا يصدق إلا بعد تحقق بالاجازة ، فلابد وأن توجد اجازة بالفعل حتى يصدق التعقّب ، فيلزم أن نفترض وجود اجازة وبعدما وجدت الاجازة نقول آنذاك إذاً تعقّبت الاجازة هذا العقد ، أما قبل أن تحصل الاجازة فالآن لا نقول إنَّ هذا عقد متعقّب بالاجازة ، وإنما متى ما حصلت الاجازة نقول إنَّ هذا عقد متعقّب بالاجازة.

إذاً نقطة الاشتباه الموجودة هي أنه مادام الاجازة تحصل بعد ذلك فصفة التحقق تكون موجودة حين العقد فهذا العقد حين صدوره هو متعقّب بالاجازة مادام الاجازة تصدر في علم اله بعد شهر ، ونحن نقول كلا لا يصدق أنه متعقّب بالاجازة مادامت الاجازة ليست موجودة ، نعم قل سيتعقّب بالاجازة ، ونحن لا نتكلّم على اللفظ بل على واقع الحال ، فعلى هذا الأساس صفة التعقّب لا تكون حاصلة قبل حصول الاجازة والرضا وإنما تحصل بعد حصول ذلك ، فإذاً صفة التعقّب لا تكون صفة مقارنة إذاً تحويل الشرط إلى صفة التعقب واللحوق لا يغير من الواقع شيئاً وإنما يبقى الشرط متأخراً والوصف وهو التعقب يبقى متأخراً.

الاحتمال الرابع:- التمسّك بفكرة الرضا التقديري ، بأن نقول إنَّ هذا العقد لا يوجد الآن رضا فعلي فيه لكن عندما تصدر الاجازة من المالك تكشف عن أنَّ المالك يوجد عنده رضا من حين العقد إذ لو التفت إلى العقد فهو سيجيزه غايته أنه كان لا يعلم بالعقد لأنَّ الفضولي قد أجراه من دون عمله ، فلو كان المالك يعلم بأنه قد أجري عقد على ملكه والتفت إلى ذلك لكان يجيزه ويرضى به ، فإذاً اجازة المالك بعد شهر مثلاً تكشف عن أنه راضٍ من حين العقد ولكنه رضا تقديري ، فإذاً يقع العقد صحيحاً باعتبار أنه مقارن مع الرضا ، ولا تقل إنَّ العقد فاقد للرضا ، كلا وإنما الرضا موجود ، هذا ما ذكره الميرزا حبيب الله الرشتي(قده) صاحب البدائع[3] ، فهو صحح عقد الفضولي بالاجازة من هذا الطريق.

ويردّه:-

أولاً:- إنَّ هذا هو الجواب المتعارف فإنَّ ظاهر الأدلة أنَّ الرضا المعتبر هو الرضا الفعلي ، فإنَّ الآية الكريمة قالت ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ ﴾ أي التراضي الموجود الآن لا التراضي التقديري بحيث لو التفت إلى العقد لرضي به فإن هذا ليس هو ظاهر الدليل ، وإنما ظاهر الدليل هو الرضا الفعلي.

ثانياً:- من قال إنَّ الرضا موجود حين العقد لو الفت إلى العقد فإنَّ هذا أوّل الكلام ، فلعله لو كان يلتفت في بداية العقد لا يرضى به لأنه بنظره لا توجد فيه مصلحة ولكن بعد ذلك فكر مع نفسه فرضي ، فالمقصود أننا لا نسلّم بأنه لو اطلع على العقد حين صدوره لكان يرضى وأنَّ الاجازة تكشف عن جود رضىً تقديري معلّق على الالتفات ، بل ليس من المعلوم أنه يوجد عنده رضا ، بل لعله كانت توجد عنده كراهة ولكن بعد ذلك أجاز ، فالرضا حصل بعد العقد لا أنه مقارن ، فلا نسلّم ما ذكره(قده).


[1] الفصول، الشيخ محمد حسن الأصفهاني، ص80.