1440/10/07


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

40/10/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الاستصحاب في الشبهات الموضوعية - أصل البراءة- مبحث الأصول العملية.

ثم نقول:- لو تنزلنا وقلنا يحصل مقدار يساوي العلوم بالاجمال مورث للعلم القطعي ، يعني مثلا المعلوم بالاجمال افل حكم وحصلنا على ألف حكم - في باب التحريمات فقط - فهل ينحل العلم الاجمالي بذلك ؟ إنَّ في ذلك خلافاً بين الأعلام ، ونحن بادئ ذي بدء نقول إنه ينحل ، لأنَّ المعلوم بالاجمال هو ألف وقد حصلنا على أحكامٍ معلومة تختص بالمحرمات فينحل العلم الاجمالي حينئذٍ.

ولكن هناك كلام بين الأعلام فإن البعض قال لا ينحل العلم الاجمالي ، وتوضيح ذلك:- إنَّ الأحكام التي نعثر عليها بنحو التفصيل هي على نحوين فتارة يفترض أنا نعثر على ألف حكم مثلاً ونعلم بثبوتها ونعلم أنَّ هذه الألف المعلومة بالتفصيل هي نفس تلك الألف المعلومة بالاجمال فهنا اتفقت الكلمة على الانحلال ، لأنَّ المفروض أنا حصلنا على تلك الألف المعلومة بالاجمال بنحو العلم التفصيلي فينحل العلم الاجمالي بلا إشكال ، فهذه الحالة تكون خارجة عن محل الكلام ، إنما محل الكلام هو الحالة الثانية ، وهي أن يحصل علمٌ بألف حكم ولكن لا نجزم بأنها هي نفس تلك الألف بل لعلها هي ولعلها غيرها فهنا هل ينحل العلم الاجمالي أو لا ؟وإذا أردت تسهيل المثال فقل إنه يوجد عندنا عشرة أواني نعلم بنجاسة واحدٍ منها ، فتارة نعلم تفصيلاً بذلك النجس بعينه بأن يأتي شخص ويقول إنَّ النجس الذي وقعت فيه النجاسة هو الاناء الأول ، فهنا صار انحلالٌ بلا إشكال ، ومرة يأتي الشهود الذين يكون كلامهم مورثاً للعلم وقالوا نحن نشهد بأنَّ هذا نجس ولا نقول إنَّ هذا الطرف المعلوم بالتفصيل هو ذاك الطرف المعلوم بالاجمال بل نقول إنَّ الطرف هذا نجس لأننا رأينا طفلاً بيده دم قد ووضعها فيه مثلاً فنحن نقول إنَّ هذا الاناء نجس أما أنه نفس الاناء المعلوم بالاجمال فلا نقول بذلك ، فالكلام هنا فهل ينحل العلم الاجمالي أو لا ؟ ، ومفروض كلامنا عادةً هو هذا المورد ، لأننا بعد الفحص نعثر على ألف حكم لا نجزم أنَّ هذه الألف هي تلك الألف المعلومة بالاجمال بل لعلها هي ولعلها غيرها فإذاً لا مجزم بأنها هي بل لعلها غيرها فهنا هل ينحل العلم الاجمالي أو لا ؟

قال الشيخ العراقي(قده)[1] :- إنه لا ينحل العلم الاجمالي ووافقه على ذلك بعضٌ آخر ، واستدل على عدم الانحلال فقال إنَّ العلم الاجمالي له لازم فمتى ما ثبت هذا اللازم أفهم أن المورد فيه علم اجمالي ، واللازم هو حالة التردد - إما وإما - ، فإذا حصلت حالة التردد فالمورد يكون من العلم الاجمالي ، وحينئذٍ يقال إذا علمنا تفصيلاً بعد العلم الاجمالي بنجاسة أحد الأواني ولا نجزم بأنه نفس ذلك المعلوم بالاجمال فحالة التردد باقية ولا تزول لأننا نقول إنَّ المعلوم نجاسته بالاجمال إما هذا الاناء الذي علمنا تفصيلاً بنجاسته أو هو إناء آخر في ضمن البقية ، فحالة التردد بعدُ موجودة ، فيكون المورد من العلم الاجمالي ، إذ لازم العلم الاجمالي بعدُ موجود وهو حالة التردد ، فيكون العلم الاجمالي باقياً على حاله.

وفي المقابل يمكن أن يقال بانحلال العلم الاجمالي:- لا لما قد يقال بأنه إذا لم ينحل يلزم تعلّق العِلمين بشيءٍ واحد والشيء الواحد لا يتحمل كلا العِلمين الاجمالي والتفصيلي ، والوجه في لزوم اجتماع العِلمين الاجمالي والتفصيلي في شيءٍ واحد هو أنَّ ذلك الاناء الذي علمنا تفصيلاً بأنه نجس سوف يصير مجمعاً للعلم التفصيلي والاجمالي لأنه هو معلوم بالتفصيل أنه نجس بسبب شهادة الشهود وفي نفس الوقت هو متعلّق للعلم الاجمالي حسب ادّعاء المحقق العراقي(قده) ، فيلزم على رأي المحقق العراقي أن يجتمع العلم التفصيلي والاجمالي في إناءٍ واحد وهو الاناء الذي شهد العدول الثقات بنجاسته لأنه هو المعلوم بالتفصيل حسب شهادتهم ، وهو طرف المعلوم بالاجمال حسب ادّعاء الشيخ العراقي(قده) ، لأنه يدعي أنّ العلم الاجمالي بَعدُ باقٍ فهو طرف للعلم الاجمالي ، وحينئذٍ سوف يصير هذا الطرف من أحد أطراف المعلوم بالاجمال ويصير معلوماً بالتفصيل أيضاً وهذا لا يمكن ، هذا ما قد يذكر في ردّ الشيخ العراقي(قده).

ولكن نحن نقول:- إنَّ الاشكال الذي يرد على الشيخ العراقي(قده) ليس هذا ، فإن هذ قابل للدفع إذ يقال: إنَّ متعلّق العلم الاجمالي والعلم التفصيلي ليس هو الوجود الخارجي وإنما هو الصورة الذهنية ، فالصورة الذهنية يتعلّق بها العلم الاجمالي والصورة الذهنية يتعلّق بها العلم التفصيلي ، فإذاً الصورة التفصيلية هي متعلّق للعلم التفصيلي ، وأما متعلّق العلم الاجمالي فليس هو هذه الصورة التفصيلية وإنما الصورة الاجمالية ، فصار متعلّق العلمين مختلفاً وليس واحداً حتى يلزم الاشكال فإن متعلق العلم دائماً يكون أمراً ذهنياً وليس خارجياً إذ العلم من الأمور الذهنية وليس من الأمور الخارجية فكيف يتعلّق بالأمر الخارجي وإلا يلزم وجود الأمر الذهني في الخارج أو دخول الخارج إلى الذهن.

وإنما الوجه الصحيح في رد الشيخ العراقي(قده) هو الوجدان ، فإننا بالوجدان بعد حصول العلم التفصيلي بنجاسة هذا الطرف نعلم بنجاسة هذا الطرف ولا علم - كعلم - لنا حينئذٍ بنجاسة البقية وإنما يوجد شك ، فمتعلّق العلم هو هذا الأمر التفصيلي وأما البقية فلا علم بلحاظها وإنما يوجد شك ، فأنا أضع يدي على اناء الذي شهد الثقات بأنه نجس وأقطع بأنه نجس وأما بقية الأواني فأقول يوجد عندي شك بنجاستها أما علم فلا يوجد عندي ، فإذاً يوجد علم تفصيلي بنجاسة هذا الطرف وشكوك في بقية الأطراف فإنَّ الوجدان قاضٍ بذلك.هذا مصافاً إلى أنه لو كان العلم الاجمالي باقياً فيلزم من ذلك أن يكون المعلوم بالاجمال ليس واحداً بل أكثر من واحد لأجل أنَّ واحداً منهما هو المعلوم بالتفصيل والآخر هو الموجود في بقية الأطراف فسوف يصير عندنا علم بوجود نجسين إما الاناء الذي أعلم تفصيلاً بنجاسته أو إناءٍ آخر من تلك الأواني ، أما إذا كان المعلوم الاجمالي واحداً فحينئذٍ هذا المعلوم الاجمالي الواحد ينطبق على المعلوم بالتفصيل والزائد عليه لا علم بلحاظه.

والخلاصة:- إنَّ الذي نتمسّك به في ردّ الشيخ العراقي هو الوجدان فإننا نقطع بنجاسة هذا الطرف أما البقية فلا يوجد عندنا علم بها فهي ليست طرفاً للعلم وإنما توجد شكوك لا أكثر من ذلك.

وأما أفاده المحقق العراقي(قده) من الدليل حيث قال إننا نقول إنَّ المعلوم بالاجمال إما هذا الطرف المعلوم بالتفصيل أو البقية فجوابه:- إنه أخذ قيداً اضافياً وهو قيد ( المعلوم بالاجمال ) ، وهذا القيد أخذه تبرّعاً من نفسه فأوقعه فيما ذهب إليه والمناسب حذف هذا القيد فإنَّ العلم يتعلق دائماً بالنجس الواقعي لا بالنجس بقيد المعلوم بالاجمال فعلمنا هو بالنجس الواقعي والنجس الواقعي نعلم بأنَّ هذا الطرف نجس واقعي أما ما زاد فلا علم لنا بكونه نجساً واقعياً ، ولكنه أدخل قيد المعلوم بالاجمال في الحساب فقال المعلوم بالاجمال إما هذا أو ذاك فأوقعه فيما أوقعه ، فمركز الاشتباه هو هذا ، إذ نقول لماذا أخذت هذا القيد فإنَّ العلم يتعلّق بالنجس الواقعي أما قيد المعلوم بالاجمال عليك أن تحذفه ، فإذا كان المدار على النجس الواقعي فنحن نقول بأنَّ النجس الواقعي ثابت في الاناء التفصيلي أما ما زاد فلا علم لنا به وإنما هو مشكوك ، فيندفع ما أفاده.


[1] نهاية الأفكار، العراقي، ج3، ص250.