1440/08/22


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

40/08/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- استصحاب البراءة - أصل البراءة- مبحث الأصول العملية.

وقد بيّن السيد الخوئي حالتين لعدم إمكان اجراء الاستصحاب ، فإذا لم يمكن اجراء الاستصحاب فحينئذٍ لا يكون اجراء البراءة عبثياً وهما:-

الحالة الأولى:- حالة الأقل والأكثر الارتباطيين[1] ، فنقول أنه إما أننا لا نعلم بأنَّ الأجزاء مطلوبة بقيد السورة أو أنها مطلوبة ولو من دون السورة فماذا نصنع ؟ قد يقول قائل نجري استصحاب عدم تقيد بقية الأجزاء بالسورة ، فنحن نشك هل المولى جعل بقية الجزاء مرتبطة بالسورة أو غير مرتبطة بالسورة ، فهذا شك في التقيد - أي تقيّد بقية الأجزاء بالسورة - ومقتضى الأصل - الاستصحاب - هو عدم التقيد ، فإنَّ التقيد شيء شكوك فنستصحب عدم التقيد ، إذ الحالة السابقة قبل التشريع هي عدم التقيد ، فنستصحب عدم تقيد سائر الأجزاء بقيد السورة ، وبالتالي سوف يثبت كفاية الاتيان ببقية الأجزاء من دون السورة .

وفي المقابل يوجد استصحاب معارض ، وهو استصحاب عدم كون هذه الأجزاء - غير السورة - مطلقة ، فنشك هل هي مطلقة أو مقيدة ، ومقتضى الاستصحاب أنها ليست مطلقة ، فيتعارض هذا الاستصحاب مع ذاك والاستصحاب ، ونتيجته أنه ينفي التقييد ، يعني هو بحسب النتيجة يقول لي يكفيك أن تأتي بالأقل المتيقن ، بينما الاستصحاب الثاني نتيجته سوف تصير هي أنه لابد بالإتيان بالأكثر - يعني المشكوك - فيحصل تنافٍ بين الاستصحابين فيتساقطان ونرجع إلى براءة الذمَّة من تقيّد امتثال الواجب بالسورة ، وهذا رجوع إلى البراءة ، وبهذا اتضح أنَّ تشريع البراءة ليس لغواً وإنما نحتاج إليها عند تعارض الاستصحابين حيث لا يمكن الرجوع إليهما فنرجع إلى اليها.ويرد عليه:-

أولاً:- نقول إنَّ الاستصحاب الثاني - هو استصحاب عدم كون الأجزاء الأقل مطلقة - الذي أبرزه كمعارضٍ للاستصحاب الأول ماذا يقصد منه ؟ إنَّ هذا فيه ثلاث احتمالات ، فإنَّ كان مقصوده إنه إذا لم تكن مطلقة فهي إذاً مقيدة فهذا أصل مثبت ، يعني إذا لم تكن مطلقة فهي إذاً مقيدة فيلزم الاتيان بالسورة لأنَّ ذلك الأقل مقيد بالسورة ، فأنت تستصحب عدم كون الأجزاء المتيقنة مطلقة حتى تثبت أنها مقيدة بالمشكوك بالسورة وهذا أصلٌ مثبت ، وإن كان مقصوده أنه أراد أن يقول أنا أريد أن أثبت التنجّز - يعني تنجز الاتيان بالسورة - ولا أريد أن أقول إنَّ ذاك القدر المتيقن مقيد بالسورة ، فلا أريد من استصحاب عدم كون الأقل مطلقاً اثبات المقيد وإنما أريد اثبات التنجز فقط ، يعني يتنجّز عليك الاتيان بالجزء المشكوك وهو السورة ، ولكن نقول إنَّ التنجّز فرع تقيّد الواجب الأقل بالسورة فآنذاك يثبت التنجّز أما إذا لم يكن مقيداً فلا يثبت التنجز ، فالتنجّز فرع التقيّد ، وقد قلنا إنَّ التقيّد لا يمكن اثباته باستصحاب عدم كون الأقل مطلقاً لأنه أصلٌ مثبت ، وإن كان يقصد أنه نستصحب عدم الاطلاق لا لإثبات التقييد حتى يكون أصلا مثبتاً ولا لإثبات التنجّز حتى تقول هو فرع ثبوت التقيّد فتعود مشكلة الأصل المثبت وإنما باستصحاب عدم الاطلاق أريد أن أثبت عدم الاطلاق فقط وفقط لا أكثر حتى يلزم ما ذكر من المحذور ، فجوابه إنَّ هذا وحده بما هو هو لا يسمن ولا يغني من جوع.

إذاً اتضح أنه لا يجري استصحاب عدم كون الأقل مطلقاً من حيث الجزء المشكوك ، نريد أن نقول بالتالي إنَّ استصحاب عدم الاطلاق هذا لا يجري فالمعارضة حينئذٍ ليست موجودة بين الاستصحابين ، أما لماذا لا يجري استصحاب عدم الاطلاق - يعني عدم كون الأقل مقيداً بالسورة وأنه مطلق وليس مقيداً بالسورة - ؟ ذلك لأنك تستصحب عدم اطلاقه لإثبات أنه مقيد ، أو لإثبات تنجّز الاتيان بالسورة ، أو لإثبات عدم الاطلاق بما هو عدم اطلاق ، فإذا استصحبت عدم كون الأقل مطلقاً حتى تثبت أنه مقيد فهذا أصل مثبت ، وإن أردت أن تثبت تنجّز الاتيان بالسورة فهو فرع التقيد فعاد محذور الأصل المثبت ، وإن أردت أن تثبت عدم الاطلاق فقط فهو لا يسمن ولا يغني ممن جوع.إذاً اتضح في جواب السيد الخوئي(قده) حيث نقول إنَّ هذان الاستصحابان ليسا متعارضين ، فإنَّ استصحاب عدم كون الأقل مطلقاً لا يجري في حدّ نفسه ، فإذاً هذا المثال سوف يصير باطلاً ، لأنَّ السيد الخوئي(قده) أراد أن يأتي لنا بمثالٍ تجري فيه البراءة من دون أن تصل النوبة إلى الاستصحاب فيكون تشريع البراءة في محلّه ، وقد اتضح أنَّ هذا المثال باطل ، لأنَّ استصحاب عدم كون الأقل مطلقاً لا يجري ، لأنه توجد فيه ثلاث احتمالات وعلى جميع الاحتمالات لا يجري ، فإذاً اتضح أنَّ المثال الأوّل الذي ذكره لجريان البراءة من دون أن تصل النوب إلى الاستصحاب قابل للمناقشة.

[1] الأقل والاكثر الاستقلاليين كما لو كنت مديناً لك بتسعة دراهم أو بعشرة دراهم فلو أعطيتك تسعة يصير فراغ ذمة بمقدار تسعة حتى لو كان في الواقع أنا مطلوب عشرة دراهم ولكن صار فراغ ذمة بمقدار تسعة دراهم ويبقى درهم واحد، فهذا أقل وأكثر استقلالي، يعني أنَّ الأقل في مقام تفريغ الذمة مستقل عن الأكثر ويتحقق امتثال الأقل وإن لم يتحقق ضمن الأكثر، أما الارتباطي فلا يحصل فراغ الذمة بمقدار الأقل، مثل الصلاة، فأنا لا أعلم أنها مطلوبة بقيد السورة أو أنها مطلوبة ولو من دون السورة، فإذا كانت مطلوبة مع السورة وأنا أتيت بالأجزاء من دون السورة فلا يحصل فراغ بمقدار تلك الأجزاء وإنما لا يوجد فراغ ولا يوجد امتثال أصلاً، فلا يصير امتثالاً بمقدار الأقل.