1440/08/23


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/08/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- تتمة مسألة ( 64 ) ، مسألة ( 65 )– شروط المتعاقدين.

ذكرنا أن رأي الشيخ الأعظم(قده) الأخير أنه يكفي الرضا الباطني في خروج العقد عن الفضولية ، وقد استدل على ذلك بعدة وجوه ، ولعلها سبعة.

وقبل أن نذكر هذه الوجوه التي تمسك بها نذكر مقدمة:- وهي أنَّ المناسب أن يقال إنَّ جود الرضا بالباطني وحده لا يوجب الجزم بصحة الانتساب عرفاً ، يعني هذا العقد متى ينسب إلى المالك فهل ينتسب إذا كان راضياً فقط أو إذا صدرت منه الاجازة ؟ فأنت متى يقال أنك بعت دارك أو سيارتك ، فلو أجرى الفضولي العقد وأنت راضٍ من دون ابرازٍ فهل يصدق هنا الانتساب عرفاً بأنك بعت سيارتك أو أنه لابد من صدور الإذن أو الاجازة ؟ إنه إما أن نجزم عرفاً باعتبار صدور الإذن أو لا أقل من الشك في انتساب العقد عرفاً إلى المالك مادام لم يصدر منه إذن وإنما هناك رضا باطني لا أكثر ، وهذا الشك مقبول ، فواقعاً نحن نشك ، ومادمنا نشك في صحة انتساب العقد إليه كيف نتمسك بالأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالعقود أو غير ذلك فإنَّ هذا لم يثبت أنه عقده ؟!! بل هذا من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية ، فنحن لا ندري هل هو عقده أو لا فكيف نتمسك بالعمومات ؟!!

والنتيجة:- إننا نقول إذا كان هناك رضا قلبي فقط من المالك من دون إبرازٍ فهنا إن لم نجزم عرفاً بعدم صدق البيع له فلا أقل من الشك ، ومادمنا نشك في صدق انتساب العقد أو التجارة إليه عرفاً فلا يمكن التمسك بالعمومات ، لأنه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

أما الأدلة التي ذكرها الشيخ الأعظم(قده) على كفاية الرضا فهي:-

الدليل الأول:- قوله تعالى ﴿ أوفوا بالعقود ﴾.

الدليل الثاني:- قوله تعالى ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض ﴾.

الدليل الثالث:- قوله صلى الله عليه وآله وسلم:- ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه ).

أما آية ﴿ أوفوا بالعقود ﴾:- فلم يذكر الشيخ تقريب دلالتها على المراد ، ونحن نقول: إنَّ عدم ذكر تقريب لآية ﴿ تجارة عن تراض ﴾ لا يهم ، لأنه يوجد فيها تعبير ( عن تراضٍ ) ، يعني إذا كانت تجارة عن تراضٍ والمفروض أنَّ المالك قد رضي ، فيوجد مجال في أن لا نحتاج إلى تقريب الدلالة ، وكذلك رواية ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه ) ، فهي لا تحتاج إلى تقريب ، لأنَّ الرواية تقول ( إلا بطيبة نفس ) والمالك عنده رضا وطيب نفس باطني فلا نحتاج إلى تقريب دلالة ، أما ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ فإنها تحتاج إلى تقريب لدلالتها على المطلوب ، فإنها تحتاج إلى تقريب كفاية الرضا الباطني وهو لم يذكره وهذه قضية ليست مقبولة.

ولكن قد يقال في تقريب دلالتها على المطلوب:- بأن ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ يدل على أنَّ كلّ عقدٍ صدر يجب الوفاء به مادمت أنت آمراً به أو كنت راضياً به ، نعم خرج منه ما إذا كان فاقداً لجميع هذه الأمور بما في ذلك الرضا ، وفي المقام حيث إنه يوجد رضا فعموم الآية الكريمة سوف يشمل المالك حيث إنه راضٍ.

وفي مقام التعليق نقول:- إنَّ ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ لا يقصد منه كل عقد صدر في الدنيا ، يعني إذا صدر عقد في سمرقند مثلاً فهذا العقد لا ربط له بي ، فلابد أن يكون المقصود من ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ يعني فِ يعقدك وأنت الثاني فِ بعقدك وأنت الثالث فِ بعقدك ..... ، وهذا ما يعبّر عنه بمقابلة الجمع بالجمع ، يعني ( أوفوا ) هذا هو الجمع الأوّل و( بالعقود ) هو الجمع الثاني ، فلابد أن يكون المقصود من ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ يعني فِ بعقدك وأنت أيها الثاني فِ بعقدك ..... وهكذا ، ومن المعلوم إنَّ الانتساب يصدق بحيث يصدق أنَّ هذا العقد عقدك فيما إذا أمرته أو أجزته أو أبرزت الرضا ، أما الرضا القلبي من دون ابراز لا أقل نشك في صحة الانتساب وأنه عرفاً هل يصدق أن هذا العقد هو عقدك أو لا ومعه لا يمكن التمسك بعموم ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ، فإذاً هذه الآية الكريمة لا تنفعنا.

وأما آية ﴿ إلا أن تكون تجارة عن ترض﴾ فنقول:- هنا الآية الكريمة اعتبرت في جواز التصرف ليس قيدًاً واحداً ، وكأن الشيخ(قده) التفت إلى قيدٍ واحد وهو التراضي ، فإذا كان القيد هو التراضي فقط فيقول إنه في مقامنا يوجد تراضٍ ، ولكن نقول:- إنها اعتبرت قيدين وهما ( تجارة ) و ( عن تراضٍ ) ، والقيد الأوّل المقصود منه التجارة المنتسبة لك ، لا تجارة الغير فإنَّ تجارة الغير لا تنفعني في حلّية التصرف فإنَّ هذا الاحتمال ليس بموجود ، فإذاً لابد أن يكون المقصود هو التجارة المنتسبة إليك أيها المكلف ، يعني إلا أن تكون تجارة منتسبة إليك بحيث يصدق أنها تجارتك ، فهذا هو المقصود ، وإن لم يكن جزماً فاحتمالاً ، والقيد الثاني هو الرضا ، فلابد وأن يصدق عنوان تجارتك وذلك يصدق بالأمر أو بالاجازة وما شاكل ذلك أما الرضا الباطني وحده فلا يكفي وذلك لأنه القيد الثاني ، والآن نحن نتكلم في القيد الأوّل فلابد وأن يكون القيد الأوّل ليس متقوّماً بالتراضي ، فإنَّ التراضي هو القيد الثاني ، فلابد وأن يكون هناك انتساب للتجارة ، فالتجارة لابد أن تكون منتسبة إلى الشخص بغير التراضي النفسي وإلا فالتراض بالنفسي هو القيد الثاني ، يعني يلزم أن يكون الانتساب بالإذن أو بالاجازة أو بالأمر ، أي بالرضا المبرز لا بالرضا الكامن فإنه هو القيد الثاني.

فإذاً هذه الآية الكريمة لا نستفيد منها المطلوب أيضاً ، لأنها أخذت قيد التجارة والمقصود منها التجارة المنتسبة إليك أيها المكلف لا مجرد الرضا الباطني فإنه هو القيد الثاني ، فالمقصود هو التجارة المنتسبة إليك ، والانتساب لا يصدق إلا بوجود المبرز ، وإن لم يكن ذلك جزماً فاحتمالاً ، ويكفينا الاحتمال ، فإذاً لابد من وجود مبرزٍ ولا يكفي الرضا الباطني.

فإذاً روح الردّ في الآيتين واحدة ، وإن كانت بعض المفردات أو بعض الأمور الجزئية قد تخلف.

وأما بالنسبة إلى الرواية الشريفة التي تقول ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بيبة نفس منه ) فالجواب:- إنه ليس المقصود أنَّه كلما كان يوجد طيب نفس كفى ، وإنما المقصود أنه إذا اجتمعت الأمور المعتبرة في الحلّية فلا تكفي إلا أن ينضم إليها طيب النفس ، فليس المقصود من الحديث أن يبيّن أنَّ طيب النفس وحده يكفي ، وهذا نظير ( لا صلاة إلا بطهور ) فهل هذا معناه أنَّ الطهور وحده يكفي في تحقق الصلاة ؟! كلا فإنَّ هذا ليس بصحيح ، بل المقصود أنَّ الصلاة الواجدة للأجزاء وغير ذلك لا تكون صلاةً إلا مع الطهور ، فهذا اشارة إلى اعتبار الطهور ضمن الصلاة وضمن بقية الأجزاء ، لا أنَّ الطهور وحده يكفي في تحقق الصلاة فإنَّ هذا الاحتمال ليس بموجود ، وهنا الأمر كذلك ، فإن المقصود من ( لا يحل ما امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه ) يعني أنَّ طيب النفس معتبر في جملة ما يعتبر ، لا أنَّ المعتبر في حلية التصرف فقط وفقط هو طيب النفس ، بل إنَّ طيب النفس معتبر والموارد تختلف ، فأحياناً طيب النفس وحده يكفي كما إذا فرض أني أردت أن ألبس عباءتك ، فإذا طابت نفسك بذلك وأنا أعلم بأنك ترضى بذلك فهنا طيب النفس وحده يكفي ، ولكن في بعض الموارد الأخرى مثل شراء الدار وتملّكها فهنا طيب النفس وحده لا يكفي ، نعم هو معتبر ولكن هذا لا ينافي أن ينضمّ إليه شيء آخر وهو البيع والشراء ولكن مع طيب النفس.

فإذاً الحديث لا يريد أن يقول إنَّ طيب النفس وحده يكفي ، بل يريد أن يقول إنَّ طيب النفس معتبر في حلّية التصرف أما وحده يكفي أو لا فهذا يختلف باختلاف الموارد ، فإنَّ جواز لبس عباءة الغير أو أكل طعام الغير وجواز الدخول إلى بيت الغير يكفي فيه طيب النفس ، أما تملك دار الغير فطيب النفس وحده لا يكفي وإنما يحتاج إلى بيعٍ زائداً طيب النفس.

فإذاً الحديث الشريف لا يريد أن يقول إن طيب النفس وحده يكفي حتى يصحّ للشيخ الأنصاري(قده) أن يتمسّك بطبيب النفس ، بل نقول إنه يوجد قيدٌ آخر وهو أن يكون هناك بيع منتسب لك وتجارة منتسبة لك وعقد منتسب لك ، لا أنَّ الرضا وحده يكفي ، فالحديث ليس في صدد بيان أنَّ الرضا وطيب النفس وحده يكفي.