1440/08/22


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

40/08/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تعريف التعارض

قلنا في الدرس السابق بانه ان كان المقصود من تعريف التعارض هو تعريفه بنحو يشمل كل الأقسام المتقدمة والفروض الثلاثة المتصورة للتعارض فلابد ان يؤخذ عنوان يشمل كل موضوعات تلك المسائل وقلنا بان ما ذكر في تعريفه لا يفي بذلك لانه لا يشمل جميع اقسام الجمع العرفي وبالتحديد لا يشمل الورود لما تقدم من انه لا تنافي في الورود لا بين مدلولي الدليلين ولا بين دلالتيهما

واما اذا كان المقصود بالتعريف هو تعريف التعارض المستحكم الذي يوجب سراية التعارض الى دليل الحجية فحينئذ لابد من تعريفه بانه عبارة عن الدليلين اللذين يتنافيان بلحاظ اقتضاء دليل الحجية في كل منهما للشمول لكل منهما بمعنى ان اقتضاء دليل الحجية للشمول لهذا ينافي اقتضاء شموله للاخر فلا يمكن ان يشملهما معا ، وحينئذ لا يفرق بين ان يكون هناك تنافي بين المدلولين او بين الدلالتين كما لو كان التنافي بين الدليلين لا بلحاظ مدلوليهما ولا بلحاظ دلالتيهما بل بسبب وجود علم من الخارج كما لو قام خبران يدلان على الترخيص بشيئين مختلفين ولكن علمنا اجمالا بان الالزام ثابت في احدهما فهذا يدخل في باب التعارض وان لم يكن تنافي بين المدلولين ولا بين الدلالتين

واما اذا فرضنا انه لم يكن هناك تنافي في اقتضاء دليل الحجية للشمول لهما معا فهذا يخرج عن باب التعارض بناءا على هذا التعريف حتى اذا كان هناك تنافي بين المدلولين او بين الدلالتين

وان كان المقصود من تعريف التعارض هو تحديد حالات التنافي الحقيقي بين الدليلين فحينئذ يكون تعريف المشهور صحيحا وكذا تعريف المحقق الخراساني فان دلالة هذا الدليل على مدلوله تنافي دلالة الاخر ، لان الظاهر ان هناك تلازم بين هذين التنافيين فانه انما يكون تنافي بين الدلالتين لوجود تنافي بين المدلولين

تنبيهان :

الاول : يبدو لاول وهلة ان التعارض يقع بين دليلين اجتهاديين او بين اصلين عمليين كالبراءة واستصحاب الحرمة او بين دليل اجتهادي واصل عملي ، وذكر السيد الشهيد (قده ) بان ( الصحيح ، أن الفرضين الأخيرين ليسا قسيمين للفرض الأول ، بل هما حالتان من حالاته ، ومصداقان آخران للتعارض بين الدليلين الاجتهاديين. وذلك : لأن حالات التعارض بين الأصلين العمليين ترجع في الحقيقة إلى التعارض بين دليلي حجتيهما بلحاظ ما يدل عليه كل منهما من جريان أصل لا يلائم جريان الأصل الآخر ، وليس التعارض بين الأصلين حقيقة ، إذ ليس للأصل مدلول ومحكي ليحصل التنافي بينهما بلحاظ مدلوليهما أو دلالتيهما ، وإنما للأصل معلول وأثر على فرض الوصول ، وهو المنجزية والمعذرية ، فلا دلالة له على نفي الأصل الآخر.

وأما حالات التعارض بين الدليل الاجتهادي والأصل ، كتعارض الخبر الدال على الحرمة مع البراءة عنها ، فمرجعها في الحقيقة إلى التعارض بين الدليل الاجتهادي الدال على البراءة ودليل حجية الخبر ، ولا تعارض بين نفس الخبر والبراءة ، إذ ليس للبراءة مدلول ومحكي ينافي مدلول الخبر بل لها أثر معلول لوصولها وهو التأمين ، وهو ينافي ما لحجية الخبر المذكور من معلول لوصوله وهو التنجيز.)[1]

الثاني : ان التعارض كما يكون بين الأدلة اللفظية كذلك يقع بين الأدلة العقلية، وبينها وبين الأدلة اللفظية ، ( أما التعارض بين دليلين عقليين ، فلا بد وأن يفرض فيهما عدم كونهما معاً قطعيين بأن يكون أحدهما أو كلاهما ظنياً قام الدليل على حجيته تعبداً. وحينئذ ، فإن كان أحدهما قطعياً والآخر ظنياً كان الدليل القطعي وارداً على الدليل الظني ، لأن التعارض يقع في الحقيقة ـ بين الدليل العقلي القطعي ودليل حجية ذلك الظن ، وقد أخذ في موضوع دليل الحجية الشك ، والدليل القطعي رافع له حقيقة. وأما لو كانا ظنيين معاً ، فيرجع التعارض بينهما إلى التعارض بين الدليلين الاجتهاديين الدالين على حجيتهما ، فلا بد من تطبيق قواعد التعارض عليهما.

وأما التعارض بين دليل عقلي ودليل لفظي ، فإن كان الدليل العقلي قطعياً كان وارداً على الدليل اللفظي أيضا لعين الملاك المتقدم ، وإن كان اللفظي قطعياً والعقلي ظنياً انقلبت النسبة وكان اللفظي وارداً على العقلي الظني ، لنفس السبب ، وإن كانا ظنيين معاً كان التعارض في الحقيقة بين دليل حجيتهما ، فتطبق عليهما قوانين باب التعارض.)[2]