1440/08/01


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/08/01

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة ١٧ في نذر الإعتكاف

كان الكلام في الدليل الرابع وهو التمسك بما دل على وجوب القضاء في الحائض والمريض اذا منعهما الحيض والمرض من اتمام اعتكافهما، فيستدل به على وجوب قضاء الإعتكاف في محل الكلام، وبعد تقريب الإستدلال بها نقلنا اعتراض السيد الخوئي (قده) الأول على الإستدلال بهذه الروايات في محل الكلام، وحاصله ان هذه الروايات مختصة بالإعتكاف الندبي او الإعتكاف الواجب الموسع (أي الواجب غير المعين)، فلا تشمل محل الكلام وهو الواجب المعين، ووجه ذلك هو انه يلزم من ذلك حمل الروايات والنصوص على الفرد النادر أي الواجب المعين، وهو مستهجن، فلابد من حملها على غيره.

يبدو ان هذا الكلام ترد عليه ملاحظة واضحة، لان المدعى ليس اختصاص النصوص بالمنذور المعين، بل المدعى هو الإطلاق، فهي تشمل جميع الأقسام ومنها المنذور المعين، وشمول الإطلاق للفرد النادر لا محذور فيه.

لكنه (قده) ملتفت الى هذه الملاحظة فأجاب بأن افتراض الشمول للمنذور المعين يستلزم افتراض وجود معنى جامع يستعمل فيه اللفظ، وهو لابد أن يشمل الأداء والقضاء، أي يشمل اعادة الفعل بعد زوال العذر في الواجب غير المعين المعبر عنه بالأداء، ويشمل اعادته في خارج الوقت في المنذور المعين المعبر عنه بالقضاء، والحال انه لا يوجد معنى جامع بينهما، لانهما متناقضان، اذ القضاء متقوم بالفوت والأداء متقوم بعدم الفوت، وعليه لا يكون اللفظ مستعملاً في المعنى الجامع حتى يقال بان الرواية مطلقة وتشمل جميع الأقسام، فيدور الأمر بين ان تكون الروايات مختصة بالواجب المعين، وبين ان تكون مختصة بغيره، وتخصيصها بالمعين حمل لها على الفرد النادر، فيتعين تخصيصها بغيره، فلا تكون شاملة لمحل الكلام، فلا يصح الإستدلال بها فيه. [1]

الذي يلاحظ على هذا الكلام هو ان القضية ابسط مما ذكر، فإن الإعادة المأمور بها في هذه الروايات -خصوصاً على رأيه (قده) من ان التعبير بالقضاء الوارد في بعضها يراد منه المعنى اللغوي- معناها الإتيان بالفعل مرة أخرى، وهذا معنى جامع بين الأداء والقضاء، أي بين الإتيان بالفعل مرة أخرى في مورد المنذور غير المعين، وبين الإتيان به كذلك في مورد المنذور المعين، والمصحح لاطلاق الإعادة عليهما هو انه فرض في نفس الروايات انه جاء بالفعل ثم عرض له ما يمنع من اتمامه. غاية الأمر ان القضاء -في المنذور المعين- يتميز عن الأداء -في المنذور غير المعين- في انه إعادة للفعل في خارج الوقت. بل المناسب في مورد عروض ما يمنع من الإعتكاف اذا اريد الحكم به التعبير بالإعادة للمنذور المعين وغير المعين ان يقال انه يعيد مرة أخرى، وهذا في باب المنذور المعين يعبر عنه بالقضاء وفي غيره يعبر عنه بالأداء، لكن بالنتيجة كلٌ منهما هو إعادة للفعل مرةً أخرى بعد زوال المانع الذي منع من الإعتكاف في الأمر الأول، فالظاهر أن هذه الملاحظة التي ذكرها السيد الخوئي (قده) ليست واردة.

 

الجواب الثاني: أن الأمر الوارد في الروايات ليس أمراً مولوياً حتى نستفاد منه وجوب القضاء ونحاول تعميم الأمر إلى المنذور المعين الذي هو محل الكلام، وإنما هو إرشاد إلى فساد الإعتكاف بإعتبار عروض ما يمنع عن صحته وهو المرض والحيض، وحينئذٍ لابد من إعادته إما ندباً أو وجوباً بحسب إختلاف الموارد.

لكن يلاحظ عليه أن إستفادة الإرشاد من عبارة (يعيد) الواردة في بعض النصوص غير واضحة، لأن هذه العبارة وردت بعد قوله (فإنه يأتي بيته)، فكأنه فُرض فساد الإعتكاف، وإلا فلا وجه لأن يأتي بيته مع صحة الإعتكاف، وبعد ذلك أمرت الرواية بالإعادة. وعليه فحمل الرواية على الإرشاد صعب جداً، بل نحمل كلمة (يعيد) على الأمر بالإعادة المترتب على فساد الإعتكاف، فإذا لم نفهم منه الوجوب فحينئذٍ يشمل جميع حالات الإعتكاف من المندوب والواجب المعين وغير المعين، وذلك بأن يكون المقصود من (يعيد) مطلق الطلب الذي ينسجم مع الإستحباب والوجوب، وأما إذا فهمنا منه المولوية والوجوب فحينئذٍ يختص بالإعتكاف الواجب الأعم من كونه معيناً أو غيرَ معين، نعم هو لا يشمل المندوب لعدم وجوب الإعادة فيه وجوباً مولوياً، فنبقى نتمسك بإطلاق الكلام لإثبات وجوب الإعادة في محل الكلام الذي هو المنذور المعين. ويضاف إلى هذا أن حمل الأمر بالإعادة على الإرشاد إلى الفساد لا ينافي ما نقوله من جعل الرواية مطلقة وشاملة للمنذور المعين، لأن الإرشاد إلى الفساد معنى جامع عام ومشترك موجود في كل من المنذور المعين وغير المعين والمندوب.

 

والنتيجة من كل هذا الكلام أن الإستدلال بهذه الروايات في محل الكلام يتوقف على أمرين:-

الأول: إثبات شمول هذه الروايات للمنذور المعين الذي هو محل الكلام وعدم إختصاصها بغيره.

الثاني: وهو مسألة التعدي من الموانع التي ذكرت في الروايات -وهي المرض والحيض- إلى كل مانع يمنع من إتمام الإعتكاف ولو كان خروجاً إضطرارياً أو عمدياً أو نسياناً.

 

والسيد الخوئي (قده) في كلامه الطويل ركز على مناقشة الأمر الأول فقط، ولم يناقش في الأمر الثاني؛ والظاهر أن الأمر الأول تام، فشمول الرواية -في موردها وقبل التعدي إلى سائر الموانع- للمنذور المعين لا مشكلة فيه، فإطلاق الروايات يكفي لإثبات ذلك ولا داعي لتخصيصها بالمنذور غير المعين والإعتكاف المندوب، فهي تشمل المنذور مطلقاً، ولا توجد قرينة واضحة في الروايات على الإختصاص بعد الإيمان بإمكان وجود جامع يستعمل فيه اللفظ، فيتمسك بإطلاق الروايات لشمولها للمنذور المعين كما هي شاملة للمنذور غير المعين والمندوب.

أما الكلام في الأمر الثاني فقد تقدم سابقاً بأنهم إستدلوا لهذا التعدي من المرض والحيض إلى سائر الموارد الأخرى إذا منعت من إتمام الإعتكاف بعدم القول بالفصل.

ثم إن السيد الحكيم (قده) في المستمسك إعترض على ما إستدلوا به للأمر الثاني، بأن عدم القول بالفصل لا يدل على عدم الفصل بينهما، أي عدم إختلافهما في الحكم. فكأنه يريد أن يقول أن إحتمالَ الفصل والتفريق بين مورد الروايات وبين محل الكلام قائمٌ -وإن لم يكن هناك قائل بالفصل- ولا نافي لهذا الإحتمال، وهذا يمنعنا من التعدي من مورد النصوص إلى محل الكلام.[2] لكن يظهر من السيد الخوئي (قده) أنه يجزم -بناءً على تمامية الأمر الأول المتقدم- بعدم الفرق بين محل الكلام وبين مورد الروايات.[3]

ومما يؤيد التعدي وعدم الفرق بينهما هو أن الحكم بوجوب القضاء في المرض والحيض ليس لأجل خصوصية يتميز كل منهما فيها، بأن تكون خصوصية في المرض أوجبت القضاء وهناك خصوصية أخرى في الحيض توجب القضاء أيضاً، بل يكون لأجل خصوصية يشتركان فيها، والخصوصية المتصورة هي كون كل منهما (المرض والحيض) مانعاً من إتمام الإعتكاف، وهي موجودة في محل الكلام، لأن الخروج النسياني كالخروج الإضطراري يكون مانعاً من إتمام الإعتكاف، بل الخروج العمدي أيضاً يكون كذلك.

أما إحتمال أن تكون هذه الخصوصية المشتركة في المرض والحيض هي كونهما غيرَ إختياريين، وبالتالي لا يمكن التعدي إلى محل الكلام، بإعتبار عدم وجود هذه الخصوصية في الخروج العمدي والإضطراري، بل يمكن أن يقال عدم وجودها في الخروج النسياني أيضاً، لأن النسيان بالآخرة يرجع إلى إختيار المكلف لقصوره مثلاً، فغير وارد، لأن التفريقَ بين المانع غير الإختياري والحكم فيه بوجوب القضاء، وبين المانع الإختياري والحكم فيه بعدم وجوبه ليس عرفياً وإن كان ممكناً.