1440/06/25


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/06/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- بيع الفضولي– شروط المتعاقدين.

الاشكال الثاني:- إنها حكمت بأن المالك الأصلي الأول يأخذ الوليدة وابنها فإن الامام عليه السلام قال له ( خذ وليدتك وابنها ) ، والاشكال هو أنه يأخذ الوليدة في محله لأنها ملكه وأما الابن الذي تولّد من هذه الوليدة فهو مولود بوطي الشبهة لأن المشتري كان يتخيل أن شراءه لها صحيح وأن البائع - أي الولد - مالك حقاً فوطؤه وطئ شبهة ومع كونه وطئ شبهة ينعقد النماء حراً كونه تابعاً له ولا يكون زنا ، ومعه فلا وجه للحكم بأخذه واسترقاقه بعد انعقاده حراً.

اللهم الله إلا أن يدافع ببعض الأمور:-

من قبيل ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) وشيخ الطائفة(قده) في الاستبصار:- من أنَّ الولد إنما يأخذه مالك الوليدة لأجل تحصيل قيمته فإنَّ المناسب ليس هو أخذ الولد وإنما هو أخذ قيمة الولد ، لأنه استفادة من البضع ، فالإمام حكم بأخذ الولد من قبل المولى الأوّل من باب تحصيل قيمته.

والجواب على ذلك واضح حيث يقال:- إنه إذا كان المهم تحصي القيمة فالمناسب حبس المشتري لأنه هو الذي تصرّف وضمن القيمة فهو الضامن فيحبس المشتري إلى أن يسلّم القيمة لا أن يحبس الولد فإنه برئ ولا وجه لحبسه ، فالمناسب حبس المشتري.

ومع التنزّل يقال:- المناسب أوّلاً أن يحكم الامام عليه السلام ويقول:- ( خذ الوليدة وقيمتها من المشتري فإن لم يدفع لك القيمة فخذ نفس الولد ) ، فإذا أردنا أن نتنزل فنتنزل بهذا المقدار ، لا أنه ابتداءً يحكم بأخذ الولد.

وإذا دافع مدافع وقال:- إنَّ الامام عليه السلام حكم بأخذ الولد من باب الضمان لاسترجاع القيمة.

كان الجواب:- إنَّ المناسب لأجل استحصال القيمة حبس الموجب للضمان لا البريء ، والموجب له هو المشتري حيث هو فعل واستولد الجارية وانتفع بالبضع وبالتالي اشتغلت ذمته بقيمة الولد ، فالمناسب أن يحبس المشتري إلى أن يدفع القيمة ، لا أنه يؤخذ الولد ، ومع التنزّل المناسب أن يقول الامام عليه السلام:- ( خذ الوليدة وقيمة الولد فإن لم يدفع لك القيمة فخذ الولد كورقة ضغطٍ على المشتري ) ، لا أنه يقول ابتداءً ( خذ الوليدة وابنها ).

ودفع الشيخ الطوسي(قده) هذا الاشكال:- بأنَّ أخذ الولد من قبل مالك الوليدة هو لأجل تحصيل قيمته ، كما حكم الشيخ الأعظم(قده) بذلك.

ولكن نفس الشيخ الطوسي(قده) أجاب بجواب آخر في الاستبصار حيث قال:- لنقل إنَّ هذا المورد هو من باب حذف المضاف ، يعني ( خذ الوليدة وقيمة ولدها ) فهذا من باب خذف المضاف ، قال(قده) بعد ذكر صحيحة محمد بن قيس:- ( الوجه في هذا الخبر أن ما يأخذ وليدته وابنها إذا لم يرد عليه قيمة الولد فأما إذا بذل قيمة الولد فلا يجوز أخذ ولد الحر . ويمكن أن يكون المراد بهذا الخبر ما تضمّنه الخبر الأول وهو أن يكون قال " الحكم أن يأخذ وليدته وقيمة ابنها " وحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه وذلك كثير في الاستعمال )[1] .

وحاول صاحب الجواهر(قده) أن يدافع بدفاعين عن هذا الاشكال:-

الأول:- إنه ذكر أنه يمكن أن يكون أخذ الولد الامام قال ( خذ الوليدة وابنها ) يعني خذ ابنها كي تقوّمه في السوق ، فإن كان الأمر هكذا فسوف يندفع الاشكال.

الثاني:- أن نقول إنَّ المقصود من ( خذ الوليدة وابنها ) يعني إلى أن يثبت أنَّ المشتري كان مشتبهاً ومعذوراً وأن وطأه بالتالي يكون وطأ شبهة ، فـ ( يأخذ ) بمعنى أنَّ المالك الأول يأخذ الولد إلى أن يثبت أنَّ المشتري كان مشتبهاً حقّاً ، قال(قده):- ( يدفعا احتمال كون أخذ ولد المشتري للتقويم أو حتى يثبت كونه مشتبهاً )[2] .

وكلا الجوابين كما ترى:-

أما الأول:- فلا يقتضي الحاجة إلى الذهاب بالولد إلى السوق ، وإنما يسأل النخّاسين عن قيمته كم هي ، فلا حاجة إلى أن يسلَّم بيد المالك الأوّل.

وأما الثاني:- فجوابه واضح ، حيث إنَّ القرينة على كونه مشتبهاً ثابتة معه ، وهي أنه باعه الابن وهو لا يعلم بأن هذا الابن سارق وغاصب وإنما ظاهر الحال شرعاً أنه مالك وصاحب يد وصاحب اليد يحكم بملكه ، كما نحن نذهب الآن إلى السوق ونشتري من صاحب الحانوت أشياء ونتصرف فيها من باب الاعتماد على اليد ونكون معذورين آنذاك ، فلا يحتاج المشتري حينئذٍ في اثبات اشتباهه إلى إقامة دليل أو إلى أن يفحص المالك الأوّل وإنما دليله معه.

إذاً اتضح أنَّ الدفاعات التي ذكرت من قبل الشيخ الطوسي(قده) أو صاحب الجواهر(قده) ضعيفة ، فالإشكال الثاني مستحكم لحدّ الآن.

الاشكال الثالث:- إنَّ الامام عليه السلام قال:- ( خذ ابنه حتى يجيز لك البيع ) ، والمقصود من الابن هنا هو بائع الوليدة ، وفي هذا المجال يقال:- لماذا يؤخذ الابن ؟ إنه ليس إلا لأجل أنه قبض الثمن من المشتري ، فإنَّ تمام النكتة هي أنه قبض الثمن ، والمناسب حينئذٍ أن يقال له عليك أن تسلّم الثمن للمشتري فإن لم يسلّم إليه فآنذاك يأخذه من باب الضمان للثمن ، لا أنَّ الامام عليه السلام يحكم ابتداءً بأخذ الابن ، بل في مرحلة مسبقة لابد وأن يحكم بأنَّ الولد يضمَّن ويُلزَم بدفع الثمن فإن لم يدفع الثمن يأخذه المشتري كورقة ضغط على المالك الأوّل.

على أننا نقول:- إنَّ المشتري إنما أخذ الولد - أي الذي باعه الوليدة - لا لأجل استحصال الثمن ، وإنما لأجل الضغط على المالك الأوّل حتى تصدر منه الاجازة ، لأنَّ التعبير الوارد في الرواية أنه قال :- ( لا والله لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني ) ، فإذاً القضية ليست قضية أخذ الثمن ، وإنما هي قضية ضغط على المالك الأوّل كي يجيز بيع ابنه ، وبالتالي المشتري يترك ابن المولى الأول ، والمولى الأول يترك الوليدة ويدفعها مع ابنها إلى المشتري ، فأخذ الولد من قبل المشتري ليس لأجل أنه قد قبض الثمن ، وإنما لأجل كونه وسيلة ضغط ليجيز المالك الأوّل البيع.

هذه إشكالات ثلاثة تسجّل على الرواية ، فماذا نصنع ازاء هذه الاشكالات ؟

رب قائل يقول:- إنَّ الرواية شئنا أم أبينا هي قد دلت على صحة عقد الفضولي بالاجازة ، ولكن إلى جنب هذه الدلالة توجد هذه الاشكالات الثلاثة ، وعجزنا عن ردّها لا يصلح مبرراً لرفع اليد عن دلالتها على صحة عقد الفضولي بالاجازة ، فهي بالتالي دلت على صحة بيع الفضولي بالاجازة ، لأنَّ الامام عليه السلام قال:- ( خذ ابنه حتى يفذ لك البيع ) وهذا معناه أنَّ عقد الفضولي يصحّ بالاجازة ، غايته أنه توجد بعض الاشكالات من هنا وهناك نحن لا نعرف كيفية دفعها فيردّ علمها إلى أهلها ، فإنَّ الامام عليه السلام هو الأعرف بالجواب ، فمادامت الرواية واضحة الدلالة على أنَّ عقد الفضولي يصح فليس من الوجيه أن نطرحها لأجل ورود بعض الاشكالات عليها.

وإن شئت قلت:- لا ينبغي لنا أن نصير من حيث ندري أو لا ندري كبعض القدماء حيث كانوا يردّن الرواية لأجل مخالفتها للقواعد ، فنحن الآن هكذا نريد أن نصنع وهذا لا وجه له ، فإنها مادامت قد دلت بوضوح على أنَّ عقد الفضولي صحيح بالاجازة فمخالفتها للقواعد لا يبرر طرحها واسقاطها عن الاعتبار ، بل نقول إنَّ الأعرف عن كيفية الجواب عن هذه الاشكالات هو الامام عليه السلام.


[1] الاستبصار، الطوسي، ج3، ص85.
[2] جواهر الكلام، الجواهري النجفي، ج22، ص278.