1440/06/06


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

40/06/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- هل الرفع واقعي أو ظاهري - أصل البراءة- مبحث الأصول العملية.

ذكرنا أنَّ الاستدلال بحديث الرفع موقوف على أن يكون المقصود من الرفع هو الرفع الظاهري لا الواقعي ، إذ لو كان المقصود هو الرفع الواقعي فلازم ذلك اختصاص الأحكام بالعالمين ونحن نعلم أن أغلب الأحكام - لأنه خرج منها حكمان ليسا مشتركين وهما الجهر والاخفات والقصر والتمام ولعله يوجد حكم ثالث ورابع لكن الطابع العام هو الاشتراك - فيلزم بناءً على ارادة الرفع الواقعي عدم إمكان التمسّك بحديث الرفع في موارد جهل المكلف ، فلو شككنا في أنَّ صلاة الجمعة واجبة في زمن الغيبة أو لا فهنا لا يصح التمسك به لأنه يلزم من ذلك اختصاص الحكم بالعالم فقط ، أما الجاهل فاصلاً لا يوجد في حقه حكم وهذا لا يمكن الالتزام به ، فالاستدلال بالحديث يتوقف على أنَّ يكون المقصود من الرفع هو الرفع الظاهري بمعنى وجوب الاحتياط.ثم إنه ذكرنا فيما سبق أنَّ الثمرة بين ارادة الرفع الواقعي أو الظاهري أنه بناءً على ارادة الرفع الواقعي لا يصح التمسّك بالحديث في حق الجاهل ، لأنَّ لازمه اختصاص الحكم واقعاً بخصوص العالم وهذا لا يمكن الالتزام به ، بينما على ارادة الرفع الظاهري الذي هو وجوب الاحتياط يصح التمسك بالحديث.والآن نقول هل هناك ثمرة أخرى يمكن أن تضاف إلى هذه أو تنحصر الثمرة بهذا المقدار ؟

والجواب:- ربما تضاف ثمرة ثانية ، كما لو فرضنا أنَّ المكلف شك في مانعية لُبسِ شيءٍ كجلد الأرنب وأنه مانع من الصلاة أو ليس بمانع ، أو شك في جزئية شيء كأن شك في أنَّ السورة واجبة أو ليست بواجبة ، أو أنَّ جلسة الاستراحة واجبة أو لا .... وهكذا ، فإذا شك في جزئية شيء أو شرطيته فبناءً على إرادة الرفع الواقعي نقول الجزئية أو الشرطية في حالة الجهل هي مرتفعة واقعاً في حق المكلف ، فإذا صلّى وانتهى من صلاته ثم انكشف أنَّ هذا المشكوك جزء أو شرط فصلاته سوف نحكم عليها بالصحة من دون الحاجة إلى حديث ( لا تعاد ) ، لأنَّ الصحة تصير على مقتضى القاعدة ، لأنه حينما أتى بالصلاة كان جاهلاً بجزئية هذا أو بشرطيته ، ومادام جاهلاً فجزئية هذا أو شرطيته مرفوعة في حقه واقعاً ، ثم حينما علم بعد ذلك فسوف تثبت الجزئية من حين العلم ، ويصير المورد نظير من اضطر إلى لبس النجس أو ما لا يؤكل لحمه فلبسه وأنهى الصلاة وبعد ذلك زال الاضطرار فصلاته يمكن الحكم بصحتها ، إذ هو حينما أتى بها كان ينطبق عليه عنوان الاضطرار فلا تكون فاقدة للشرط أو للجزء وبعد أنَّ أتم الصلاة وارتفع الاضطرار فلا يؤثر ذلك على صحة صلاته.

بينما بناءً على إرادة الرفع الظاهري لا يمكن تصحيح الصلاة على مقتضى القاعدة ، بل لابد من التشبث بحديث ( لا تعاد ) ، لأجل أنَّ الجزئية والشرطية باقية واقعاً على حالها ولم ترتفع واقعاً عند الجهل وإنما ارتفع وجوب الاحتياط ، وبعد أن فرغنا من الصلاة انكشف أنَّ الصلاة ناقصة ، وإجزاء الناقص عن التام يحتاج إلى دليل ، وحديث الرفع لا يصلح أن يكون دليلاً ، لأنه لا يرفع الجزئية أو الشرطية واقعاً ، فنحتاج إلى دليل آخر لإثبات الإجزاء والصحة مثل قاعدة ( لا تعاد ).

وهذه ثمرة عليمة لا بأس بها.

النقطة الرابعة:- هل الرفع يغاير الدفع ؟

والمقصود من هذا العنوان أننا نعرف أنَّ هناك فرقاً بين مصطلح الرفع وبين مصطلح الدفع ، فربما يقال إنَّ الفارق بينهما عرفي ، وربما يقال هو دقّي فلسفي ، ونذكر مثالاً أوّلاً ثم نذكر الضابط:-والمثال هو ما لو فرض وجود نارٍ مشتعلة فصارت قوية وأحرقت الدار وجاءت سيارة الاطفاء وأزالت الاحراق وانطفأت النار فهذا يعبّر عنه بالرفع ، يعني أنَّ المقتضي للإحراق موجود وهو النار وقد تحقق المقتضى وهو الاحراق حيث احترقت الدار ثم بعد ذلك جاءت الرطوبة فيقال هي رفعته ، وتارة يفترض أنَّ النار قد اشتعلت ولكن بَعدُ لم تحرق شيئاً وتمكنت سيارة الاطفاء من اخماد النار قبل أن تحرق شيئاً من الدار فهنا يعبّر بالدفع ، فالمقتضي للإحراق موجود ، ولكن حيث لم يتحقق الأثر والمقتضى - وهو الاحراق - والماء حال دون تحقق الاحراق يعبّر عنه بالدفع.فإذاً تبيّن أنَّ هناك عامل مشترك بين الدفع والرفع ، وهناك عامل امتياز ، وعامل الاشتراك أو أنَّ المقتضي للأثر موجود ، فيلزم افتراض وجود المقضي في كليهما ، أما عامل الاختلاف فهو أنه في الرفع لابد من تحقق المقتضى - الأثر - ثم ما يحصل بعد ذلك يكون رافعاً لما تحقق ، أما في الدفع فالإحراق - وهو الأثر - لم يتحقق وقد حال الماء دون تحققه ، يعني أنَّ الماء دفع تحقق الأثر ، فيعبر عنه بالدفع.وهل هذا الفارق لغوي أو إضافة كوه لغوياً هو فلسفي دقّي أيضاً ؟إنه هذه قضية ثانية ، لكن هذا الفارق موجود سواء سميته عرفياً أو لغوياً أو دقياً ، ومن الواضح إنه إذا صار دقياً فقد لا يرد الاشكال ، لكن المهم أن يصير عرفياً حتى نرتّب عليه ما سوف نريد.

وإذا اتضح الفارق نقول:- إنَّ الحديث قال:- ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) يعني رفع الحكم الذي لا يعلمونه ، فيلزم أن نفترض أنَّ الحكم كان ثابتاً في المرحلة السابقة ثم يصدق على ازالته آنذاك عنوان الرفع ، أما إذا لم يكن الحكم ثابت سابقاً فهذا لا يصير رفعاً بل يصير المورد من الدفع ، وهل تلتزم بهذا ؟

قد يقول قائل:- نعم التزم بذلك.

ولكن نقول:- لا تقل هذا ، لأنه فسوف لا تستطيع أنَّ تطبق حديث الرفع إلا في مورد ما إذا كان الحكم موجود سابقاً ، ونحن لا نلتزم بذلك ، فنحن لا نعير أهميةً لذلك ، ولا يحتمله أصولي .

فإذاً ماذا نصنع ؟

ربما يقال:- لا بأس بالالتزام باعتبار ثبوته السابق ولو في الأمم السابقة ، فالرفع يصدق بلحاظ ثبوته في الأمة السابقة ، ويكفي هذا المقدار ، ولا يلزم أن يكون هذا الحكم ثابتاً في الأمة الاسلامية حتى تقول نحن لا نلتزم باعتبار هذا الشرط[1] .

وفي ردّ هذا نقول:- إنه في صحة التمسك به لابد في المرحلة السابقة أن يثبت أنه موجود في الأمم السابقة ، ولكن يصعب إثبات ذلك ، وعلى تقدير أنه ثبت أنه موجود في الأمم السابقة فالمورد يصير من مصاديق النسخ ، لأنه إذا كان الحكم موجوداً في الأمة السابقة والآن قد رفع فهذا نسخ ، وهل تلتزم بالنسخ[2] ؟ إنه يصعب الالتزام بذلك.

فإذاً هذا إشكال فكيف نتخلص منه ؟

[1] وهو أن يكون هذا الحكم ثابتاً في أمتنا الاسلامية.
[2] يعني أنَّ كل موارد الرفع هي نسخٌ فصارت شريعة الاسلام الكثير منها كله نسخ.