1440/05/05


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/05/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، شروطه

 

(كان الكلام في النيابة عن الحي، وقلنا بانه ذكرت وجوه لاثبات جواز النيابة عنه في العبادات، وتبين بانها ليست ناهضة لاثبات الجواز، نعم في بعض الموارد الخاصة دل الدليل الخاص على جواز النيابة فيه من قبيل زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) او مطلق زيارة الأئمة (عليهم السلام)، لكن تعميم هذا الى الواجبات بل حتى الى سائر المستحبات لا يخلو من تأمل، هذا في الأحياء، أما الأموات فقد تقدم ان ظاهر المعروف والمشهور هو جواز النيابة عنهم، لكن هناك تأمل في اطلاقه للواجبات -اذا قصرنا النظر على الأدلة ولم نلاحظ التسالم والإجماع- لانه يوجد احتمال اختصاص الأدلة بالمستحبات، وبعضها ليس ناظراً الى مسألة النيابة بل يبدو انه ناظر الى مسألة اهداء الثواب)

 

قال السيد الماتن (قده): (ويشترط في صحته أمور:الأول: الإيمان، فلا يصح من غيره.)

 

لم يتعرض السيد الماتن (قده) الى اشتراط الإسلام كشرط من شرائط صحة الإعتكاف، ولعل وجه ذلك -مع ان اشتراطه مسلّم عندهم- هو كفاية اشتراط الإيمان عنه، لأن اشتراط الأخص يعني اشتراط الأعم.

اما بالنسبة الى اشتراط الإسلام في صحة الإعتكاف فالظاهر انه لا كلام في اشتراطه، باعتبار ان الاعتكاف عبادة وهي لا تصح من الكافر إما لعدم تأتي قصد القربة منه، وإما لان الاعتكاف هو اللبث في المسجد لمدة معينة والكافر يمنع من الدخول الى المساجد، وإما لان الاعتكاف مشروط بالصوم والصوم لا يصح منه.

أما مسألة عدم تأتي قصد التقرب من الكافر على اطلاقها محل تأمل، لان ذلك مختص بالكافر الذي ينكر كل شيء، ويمكن فرض قصد التقرب من الكافر بمعنى آخر، خصوصاً اذا حكمنا بكفر شخص لانكاره ضرورياً من ضروريات الدين، او اذا كان من اهل الكتاب معتقداً بالألوهية والتوحيد بالمعنى الذي يفهمه هو.

وعلى كل حال مسألة اشتراط الإسلام في صحة جميع العبادات قضية مسلمة عندهم ولا اشكال فيها، وإن ناقشنا فيها في كتاب الصوم وذكرنا بحثاً مطولاً هناك، وانتهينا الى ان الادلة ليست ناهضة لاثبات ذلك لولا التسالم والإتفاق.

 

أما اشتراط الإيمان في صحة الإعتكاف او سائر العبادات فقد تكلمنا عنه في شرائط صحة الصوم عندما تعرض السيد الماتن (قده) اليه، وأيضاً تأملنا في الأدلة التي استدل بها على اشتراط الإيمان في صحة الصوم، ولا إجماع في تلك المسألة، بل هناك تصريح من قبل الفقهاء كالمحقق والعلامة بأن الإيمان ليس شرطاً في صحة العبادة، حيث قال المحقق: (ليس كل مخالف للحق لا تصح منه العبادة، ونطالبهم بالدليل عليه). واستدل على ذلك بروايات كثيرة لكنها لم تكن واضحة في المطلوب.

نعم هناك مسألة اخرى لا ينبغي الخلط بينها وبين محل الكلام وهي مسألة القبول، ولا اشكال في أن قبول العمل مشروط بالولاية بلا خلاف فيه، بل الفقهاء استدلوا على صحة عمل المخالف بأنه لا يطالب بالقضاء عندما يستبصر إلا في الزكاة، باعتبار انه وضعها في غير موضعه كما ورد ذلك في الروايات، ومنه يفهم انه لو وضعها في مواضعها لعله تصح منه.

 

قال السيد الماتن (قده): (الثاني: العقل، فلا يصح من المجنون ولو أدواراً في دوره، ولا من السكران وغيره من فاقدي العقل.)

 

إشتراط العقل مما لا خلاف فيه في صحة العبادة ومنها الإعتكاف، وأستدل له ببعض الأدلة:

 

الدليل الأول: ما دل على إشتراط التكليف بالعقل، من قبيل ما ورد في الصحيحة الواردة في الكافي في كتاب العقل[1] .

الدليل الثاني: إستقلال العقل بقبح تكليف غير العاقل.

الدليل الثالث: ما ورد في حديث رفع القلم المعروف، حيث وردت فيه فقرة (وعن المجنون حتى يفيق).

 

لكن غاية ما يثبت بهذه الأدلة هو عدم التكليف، ومن هنا نتساءل ونقول أن عدم التكليف هل يلازم عدم الصحة أم لا؟

والظاهر عدم وجود ملازمة بينهما، فقد يكون الإنسان غير مكلف لكن تصح الأعمال منه كما ثبت هذا في الصبي، فهو غير مكلف لكن تصح الأعمال منه، وكذلك النائم غير مكلف لكن تصح العبادة منه إذا صدرت منه بمعنى من المعاني. فهذه الأدلة غير ناهضة لإثبات إشتراط العقل في صحة التكليف إذا كان مقصودهم من الإشتراط ذلك.

لكن قد يكون مقصودهم من إشتراط العقل في التكليف هو أن النية المعتبرة في العبادة لا تتأتى من فاقد العقل، فإذا كان دليلهم لإشتراط العقل في صحة الإعتكاف هذا فيمكن أن يفرق بين المجانين، فالمرتبة الشديدة من الجنون لا تتأتى منه النية المعتبرة، لكن قد يكون الجنون من جهة خاصة غير العبادات، فلعل هذا يتأتى منه قصد النية المعتبرة، وكذلك الحال في الجنون الأدواري.

 

ملاحظة: قد تقدم منا في بحث الصوم أن عدم تأتي النية المعتبرة في العبادة تشمل كل حالات فقدان التوجه والإلتفات فتشمل حتى النائم -لولا الدليل الخاص على كفاية ذلك في النائم-، فيشمل المغمى عليه والسكران بعد فرض فقدانهم للشعور والإلتفات، أما الإغماء والسكر بمرتبتهما الضعيفة التي تجتمع مع الإلتفات والشعور فتصح منهما العبادة وإن إنطبق عليهم العناوين المتقدمة؛ وهذا البحث هو مجرد بحث ثبوتي وبغض النظر عن الأدلة الخاصة من الإجماعات والشهرة وغيرهما من الأدلة الإثباتية.

 

قال السيد الماتن (قده): (الثالث: نية القربة، كما في غيره من العبادات)

 

لا إشكال في أن الإعتكاف عبادة للإجماع والتسالم وإرتكاز المتشرعة، فإذا كان مقصود السيد الماتن (قده) كفاية قصد القربي فهذا لوحده لا يكفي، بل لابد من قصد هذا العنوان الذي صارت به العبادة عبادة، أي قصد الإعتكاف العبادي، فلو لبث في المسجد لكونه مستحباً، أو لسهولة التعبد فيه فلا يتحقق عنوان الإعتكاف وإن نوى القربة في لبثه في المسجد. والظاهر أن هذا هو مقصود السيد الماتن (قده).

إستدل السيد الخوئي (قده) بقوله تعالى (…وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) على إعتبار قصد القربي في الإعتكاف،بإعتبار أن الله سبحانه وتعالى أمر نبييه بتطهير البيت، وهذا لا يكون إلا لأن يتعبد فيه من طواف أو إعتكاف أو ركوع أو سجود، لا لمجرد اللبث ولو لغير عبادة من سكنى وبيتوتة. ثم يقول (قده) أن الآية ظاهرة بنفسها بمناسبات الحكم والموضوع في عبادية الإعتكاف -كما هي ظاهرة في الفقرات الأخرى- وإعتبار قصد القربي فيه.

لكن يلاحظ عليه بما تقدم في البحث السابق من عدم وجود قرينة واضحة من أن المراد من الإعتكاف في الآية هو الإعتكاف الشرعي، بل الظاهر أن المراد منه هو الإعتكاف اللغوي، خصوصاً أنه نقل عن المفسرين تفسيرهم للعاكفين في الآية بالمجاورين، ونقل عن مجمع البيان أن أغلب المفسرين يفسرون العاكفين في الآية بالمجاورين، أي الساكن في المسجد الحرام. وهذا إصطلاح معروف من التعبير بالسكن في مكان ما بالمجاور له، هذا.

ومن جهة أخرى لا توجد دلالة في الآية على لابدية كون التطهير لأجل التعبد فيه، بل من المحتمل أن يكون الأمر بالتطهير لكونه من شأنية البيت الحرام ولكل من يرد عليه زائراً كان أو متعبداً.


[1] الكافي ج١، ص١٠، ح١.