1440/04/30


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/04/30

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: إستحباب الإمساك تأدباً / كتاب الإعتكاف

 

(كان الكلام في استحباب الإمساك للكافر اذا اسلم في اثناء النهار، وقلنا انه لم يرد أي نص يدل على ذلك حتى رواية الزهري -التي ذكر فيها كثير من الأمور- لم تتعرض لذلك)

توجد مسألة اخرى غير مرتبطة بمحل الكلام وهي انه هل يجب على الكافر الإمساك التأدبي اذا اسلم في اثناء النهار او لا؟

لا يخفى انه لايجب على الكافر الصوم في اليوم الذي اسلم فيه، ولا يجب عليه القضاء.

اما بالنسبة الى وجوب الإمساك التأدبي عليه فقد نقلنا عن السيد الخوئي (قده) في أحكام القضاء[1] انه يجب عليه ذلك، باعتبار ان الدليل دل على ان كل من افطر متعمداً يجب عليه الامساك في باقي النهار تأدبا، بناءً على ان الكفار مكلفون بالفروع يكون الكافر مكلفاً بالصوم وقد افطر متعمداً، فيجب عليه الإمساك في باقي النهار.

تمامية هذا المطلب موقوفة على وجود دليل يدل على هذه الكبرى الكلية (كل من افطر متعمداً يجب عليه الإمساك في باقي النهار) ولم اعثر على دليل يثبتها. نعم هذا الحكم ثبت في موردين، في مسألة البقاء على الجنابة عامداً، ومسألة النوم الثالث، وقد تكون هناك موارد اخرى ثبت فيها هذا الحكم.

فيقع الكلام في انه هل يستفاد من هذه الموارد كبرى كلية، او ان هذه موارد خاصة ثبت فيها هذا الحكم الشرعي ولا يمكن تعميمه الى سائر الموارد؟

 

اما الأحاديث الدالة على هذه الموارد فقد وردت في الباب ١٦ من ابواب ما يمسك عنه الصائم الحديث رقم ١ و ٤، وفي الباب ١٥ من نفس الابواب الحديث رقم ٣ و ٤ و ٥، وفي الباب ١٩ من نفس الابواب الحديث رقم ٣، ونتعرض لبعض هذه الأحاديث:-

 

الحديث الاول: صحيحة الحلبي

عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: في رجل احتلم أول الليل، أو أصاب من أهله ثم نام متعمدا في شهر رمضان حتى أصبح، قال: يتم صومه ذلك ثم يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان ويستغفر ربه.[2]

 

الحديث الثاني: إبراهيم بن عبد الحميد، عن بعض مواليه

قال: سألته عن احتلام الصائم؟ قال: فقال: إذا احتلم نهارا في شهر رمضان (فلا ينم) حتى يغتسل، وإن أجنب ليلا في شهر رمضان فلا ينام إلا ساعة حتى يغتسل، فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتى يصبح فعليه عتق رقبة، أو اطعام ستين مسكينا، وقضاء ذلك اليوم، ويتم صيامه ولن يدركه أبدا.[3]

و هو غير تام سنداً.

 

الحديث الثالث: موثقة سماعة بن مهران

قال: سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى يدركه الفجر؟ فقال: عليه أن يتم صومه ويقضي يوماً آخر. فقلت : اذا كان ذلك من الرجل وهو يقضي رمضان؟ قال: فليأكل يومه ذلك وليقض فإنه لا يشبه رمضان شئ من الشهور..[4]

يظهر من هذا الحديث ان هناك خصوصية لشهر رمضان بها يتميز عن غيره من الشهور، ولهذا نرى ان ما جاء به -من النوم عن جنابة الذي صار سبباً لبطلان صومه في شهر رمضان وبطلانه في قضائه- ترتب عليه وجوب الإمساك في خصوص ما اذا كان ذلك في شهر رمضان.

 

ولا نريد الدخول في تفاصيل هذه النومة، وانها نومة اولى او ثانية او …، لان الغرض تجميع روايات تدل على ان هناك موارداً يجب الإمساك على الصائم بالرغم من بطلان صومه.

 

ويؤيد هذا ما ورد في المسافر من انه يكره له مقاربة النساء في نهار شهر رمضان، وبعضها قد ينفع لسانها في المقام كرواية ابن سنان

قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يسافر في شهر رمضان ومعه جارية له، أفله أن يصيب منها بالنهار؟ فقال: سبحان الله، أما يعرف هذا حرمة شهر رمضان؟! إن له في الليل سبحاً طويلاً، قلت: أليس له أن يأكل ويشرب ويقصر؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى قد رخص للمسافر في الافطار والتقصير رحمة وتخفيفاً لموضع التعب والنصب ووعث السفر، ولم يرخص له في مجامعة النساء في السفر بالنهار في شهر رمضان، وأوجب عليه قضاء الصيام ولم يوجب عليه قضاء تمام الصلاة إذا آب من سفره، ثم قال: والسنة لا تقاس، وإني إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل إلا القوت، وما أشرب كل الري.[5]

 

هذه هى الروايات الموجودة في المقام، ولم نجد رواية واضحة تدل على هذا الحكم ككبرى كلية في كل من افطر متعمداً. نعم، هذا الحكم مذكور في كلمات الفقهاء، كالعلامة في القواعد حيث قال: (يجب بالإفطار أربعة: الأول: القضاء، ...... الثاني: الإمساك تشبهاً بالصائمين، وهو واجب على كل متعمد بالإفطار في رمضان .....)[6]

 

على كل حال لا يوجد دليل واضح على وجوب الإمساك في موردنا، أما بالنسبة إلى إستحبابه فلا دليل عليه، فالدليل الموجود إما يدل على وجوب الإمساك أو لا يدل على وجوبه.

 

المورد الخامس والسادس: الصبي والمجنون والمغنى عليه

 

قال السيد الماتن (قده): (الخامس: الصبي إذا بلغ في أثناء النهار. السادس: المجنون والمغمى عليه إذا أفاقا في أثنائه.)

 

الإستحباب في هذه الموارد لا دليل عليه حتى في رواية الزهري المتقدمة، حيث لم تذكر هذا المعنى فيها أصلاً، نعم هذا الشيء موجود في كلمات الفقهاء، بل قال في المدارك -بعد أن نقل الموارد التي ذكرت في الشرائع لإستحباب الإمساك- بأن ثبوت الإستحباب في هذه الموارد محل وفاق. بل يظهر من بعض الفقهاء إرساله إرسال المسلمات.

ولعل هذا الوضوح عندهم مع عدم وجود دليل في جميع الموارد التي ذكرت إلا في بعضها كالمسافر والحائض على ما تقدم بحثه، مبني على قاعدة التسامح في أدلة السنن، خصوصاً مع تعميم القاعدة لما إذا ثبت ذلك في كلمات الفقهاء، فلو ذهب فقيه من الفقهاء إلى الإستحباب فالقاعدة تشمله.

لكن الكلام في إستفادة الإستحباب من هذه القاعدة، نعم هي بلا إشكال تدل على ترتب الثواب، لأن مفادها هو ترتب الثواب على الإتيان بالفعل، لكن هل تنهض القاعدة لإثبات الإستحباب كحكم شرعي؟ المتأخرون ذهبوا إلى عدم إستفادة الإستحباب منها.

 

فتحصل مما تقدم أن الدليل على الإستحباب لم يتم إلا في الحائض والمسافر.

 

هذا تمام الكلام في كتاب الصوم.

 

كتاب الإعتكاف

 

قال السيد الماتن: (وهو اللبث في المسجد بقصد العبادة، بل لا يبعد كفاية قصد التعبد بنفس اللبث وإن لم يضم إليه قصد عبادة أخرى خارجة عنه لكن الأحوط الأول…)

 

الإعتكاف لغة الإقامة واللزوم، من قبيل قوله تعالى (…وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) بمعنى ملازمين ومقيمين في المساجد، وقوله تعالى (الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ…) فالعاكف هو المقيم، والباد هو الذي يحضر مدة ويغيب أخرى، وقوله تعالى (يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ…) بمعنى مقيمون وملازمون لأصنام لهم.

وأما شرعاً فإختلفت كلمات الفقهاء في تعريفه، والظاهر أن هذا الإختلاف ينشأ مما أشار إليه السيد الماتن من أنه هل يعتبر في الإعتكاف الشرعي ضم عبادة أخرى بحيث يكون ما يقصده المعتكف هو اللبث لأجل إيقاع عبادة في أثناء الإعتكاف، أو لا يتوقف على ذلك بل يكفي التعبد بنفس اللبث في المسجد.

فلذا تختلف التعاريف، فعلى الأول يجب الإشارة إلى قصد عبادة أخرى غير اللبث، واللبث كأنه يكون مقدمة لأجل إيقاع عبادة أخرى خارجة عنه، ولذا عرفه السيد الماتن بما تقدم، ومن يرى كفاية نفس اللبث في تحقق الإعتكاف يعرفه باللبث في المسجد ويعتبر فيه قصد التقرب لأنه (اللبث) عبادة، وكأن الكون في المسجد هو مطلوب شرعي.

لكن تعريفه باللبث -بغض النظر عن الإحتمالين المتقدمين- فيه خلل على ما يبدو، بإعتبار أن القصد معتبر في العبادة، فلابد من إضافة لفظ القصد إلى التعريف على كلا الإحتمالين، لأنه عبادة كسائر العبادات الأخرى ولا يتحقق من دون قصد.

 

فالبحث يقع في ما هوالصحيح في الإعتكاف هل هو الأول أم الثاني؟

قد يقال أن الصحيح هو الأول، بل هذا هو الظاهر من كلمات الفقهاء عندما عرفوه (بأنه قصد اللبث في المسجد للعبادة)، حيث يفهم من هذه اللام أنه لأجل العبادة، فهناك شيء آخر غير اللبث لابد منه في تحقق مفهوم الإعتكاف. بل ورد في كشف الغطاء أن الإعتكاف هو (لبث مخصوص للعبادة معتادة أو غير معتادة، ولو قصد اللبث مجرداً عن قصد العبادة أو العبادة مجردة عن اللبث لم يكن معتكفاً على الأقوى…)، وعن العلامة في التذكرة من إستدلاله على إعتبار الصوم فيه قال: (الإعتكاف لبث في مكان مخصوص، فلم يكن بمجرده قربة، كالوقوف بعرفة)، فاللبث في حد نفسه ليس عبادة، فلا بد من أن يقصد عبادة أخرى.

هذا رأي كثير من العلماء، ولكن في المقابل هناك من يرى كفاية قصد اللبث من دون ضم عبادة أخرى معه.


[1] موسوعة السيد الخوئي ج٢٢، ص١٥٩.
[2] وسائل الشيعة ج١٠، ص٦٣، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب١٦، ح١، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة ج١٠، ص٦٤، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب١٦، ح٤، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة ج١٠، ص٦٧، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب١٩، ح٣، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة ج١٠، ص٢٠٦، أبواب من يصح منه الصوم، ب١٣، ح٥، ط آل البيت.
[6] قواعد الأحكام ج١، ص٣٧٧.