1440/02/25


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/02/25

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الكلام يقع في إبن المشهدي و كتابه المزار[1] ، و المعروف عند المتأخرين أن صاحب المزار المعروف المعبّر عنه في البحار بالمزار الكبير هو " محمد بن جعفر بن علي المشهدي أبو عبدالله ".

 

ذكره صاحب الوسائل في أمل الآمل و قال عنه: الشيخ محمد بن جعفر المشهدي. كان فاضلاً محدثاً صدوقاً، له كتب، يروي عن شاذان بن جبرئيل القمي[2] .

 

و قال الشهيد الثاني عنه في إجازته المعروفة: الشيخ الإمام السعيد أبي عبد الله محمد بن جعفر المشهدي رحمه الله[3] . و أيضاً قال في هذه الإجازة أن الشهيد الأول يروي عن إبن المشهدي بوسائط جميع كتبه و رواياته[4] .

 

و ذكر الشيخ حسن بن الشهيد الثاني في إجازته الكبيرة عن الشيخ نجم الدين إبن نما، انه يروي المقنعة للمفيد بالإجازة عن والده عن محمد بن جعفر المشهدي، و حكى عن محمد بن جعفر انه قرأها ولم يبلغ العشرين على الشيخ المكين أبي منصور محمد بن الحسن بن منصور النقاش الموصلي، وهو طاعن في السن[5] .

 

يظهر من هذه العبارات و غيرها أن إبن المشهدي معروف و ليس مجهولاً، و هو " محمد بن جعفر بن علي المشهدي أبو عبدالله ".

 

قد يستشكل:

 

أولاً: بأن نسبة كتاب المزار إلى "محمد بن جعفر بن علي المشهدي" ليست معلومة، و ذلك لإحتمال أن يكون الكتاب ل"محمد بن إسماعيل المشهدي أبي البركات".

و سبب هذا الإحتمال هو بعض عبائر صاحب البحار عن المزار، إذ قال في مقدمة البحار عند ذكر المصادر التي إعتمد عليها: و كتاب كبير في الزيارات، تأليف محمد إبن المشهدي، كما يظهر من تأليفات السيد إبن طاووس وإعتمد عليه و مدحه، وسميناه بالمزار الكبير[6] .

و قوله "محمد إبن المشهدي" يمكن أن يطلق على كليهما.

 

و قال في موضع آخر من مقدمة البحار: و المزار الكبير يعلم من كيفية إسناده أنه كتاب معتبر، وقد أخذ منه السيدان ابنا طاووس[7] كثيراً من الأخبار والزيارات. و قال الشيخ منتجب الدين في الفهرست: السيد أبو البركات محمد بن إسماعيل المشهدي فقيه، محدث، ثقة، قرأ على الإمام محيي الدين الحسين بن المظفر الحمداني، وقال في ترجمة الحمداني: أخبرنا بكتبه السيد أبو البركات المشهدي[8] .

و الإتيان بقول الشيخ منتجب الدين بعد كلامه عن المزار الكبير يوهم أن مؤلفه هو "محمد بن إسماعيل المشهدي".

 

و ثانياً: بأن مؤلف المزار مردد بين "محمد بن جعفر المشهدي" و بين "محمد بن جعفر الحائري".

و منشأ هذا الترديد هو عبارتان من صاحب الوسائل في أمل الآمل، حيث قال في موضع منه: الشيخ محمد بن جعفر الحائري. فاضل جليل، له كتاب ما اتفق من الأخبار في فضل الأئمة الأطهار[9] .

و قال في موضع آخر منه: الشيخ محمد بن جعفر المشهدي. كان فاضلاً محدثاً صدوقاً، له كتب، يروي عن شاذان بن جبرئيل القمي[10] .

 

لكن نقول في ردّهما:

 

أما الإشكال الثاني فالظاهر أنهما شخص واحد، و قد يعبر عنه تارة ب"المشهدي" و أخرى ب"الحائري". و قد جمع بين اللقبين الشيخ حسن في إجازته الكبيرة، إذ قال: وبالإسناد عن الشيخ نجيب الدين محمد، عن الشيخ السعيد أبي عبد الله محمد بن جعفر المشهدي الحائري جميع كتبه ورواياته[11] .

 

أما الإشكال الأول فالظاهر أنهما شخصان، لأنهما يختلفان في إسم الأب، و في الكنية، و في أن أحدهما سيد دون الآخر، و في الطبقة لأن "إبن المشهدي أبا عبدالله" يروي عن الشيخ الطوسي بثلاث وسائط، و الحال أن "إبن المشهدي أبا البركات" يروي عنه بواسطة واحدة، إذ قال الشيخ منتجب الدين علي بن بابويه في فهرسته: السيد أبو البركات محمد بن اسماعيل المشهدي. فقيه، محدث، ثقة، قرأ على الشيخ الامام محيي الدين الحسين بن المظفر الحمداني[12] .

و قال في موضع آخر: الشيخ الامام محيي الدين أبو عبد الله الحسين بن المظفر ابن على الحمداني، نزيل قزوين. ثقة، وجه كبير، قرأ على شيخنا الموفق ابى جعفر الطوسى جميع تصانيفه مدة ثلاثين سنة بالغرى....... إلى أن قال: اخبرنا بها السيد أبو البركات المشهدي عنه[13] . أي عن الإمام محيي الدين.

 

وان كان الاقرب ان صاحب المزار هو "محمد بن جعفر بن علي المشهدي" استناداً إلى شهادة السيد علي بن موسى بن جعفر بن طاووس في مزاره حيث نقل عنه وذكره بالاسم (ابو عبد الله محمد بن جعفر بن علي بن المشهدي) وكذلك السيد عبد الكريم بن طاووس في فرحة الغري، وهذا يكفي في نسبة الكتاب إلى محمد بن جعفر المشهدي، وهو نظير نسبة كتاب الضعفاء لإبن الغضائري إليه حيث اعتمدنا على شهادة السيد ابن طاووس لإثبات ان الكتاب الواصل إليه هو كتاب ابن الغضائري وقلنا لأنه يستبعد جداً ان السيد ابن طاووس يجزم بان هذا الكتاب لإبن الغضائري وينقل عنه في حل الاشكال من دون ان تكون عنده قرائن موجبة لليقين بنسبة الكتاب إلى ابن الغضائري.

 

و مما يدل أيضاً على أن كتاب المزار ل"إبن المشهدي أبي عبدالله" هو أنه لم ينبّه أحد على أن "السيد أبا البركات" له كتاب المزار، فلا يمكن إثبات ما توهم من عبائر المجلسي من البحار.

 

على أنه هذا الترديد في مؤلف المزار لا يضر بعد كونهما ثقتين، فإن "محمد بن إسماعيل" منصوص على وثاقته كما تقدم، و "محمد بن جعفر" و إن لم ينص على وثاقته ولكن يظهر من العبارات المذكورة في حقه أنه كان ثقة و محل إعتماد، و حاله حال باقي العلماء الموجودين في طبقته الذين وقعت أساميهم في سلسلة الأسانيد كعربي بن مسافر و شاذان بن جبرائيل، حيث لم ينص على وثاقتهم ولكنهم كانوا ثقات ومحل إعتماد. فيظهر انه لا موجب للتشكيك في وثاقة "محمد بن جعفر بن علي المشهدي" للاعتماد عليه في الاوساط العلمية_ كما في الوسائل[14] _ وقد ذكر بكثير من الالقاب من قبل مشايخ الاصحاب، كما في فرحة الغري مثلاً حيث اكثر من قوله (ذكر محمد بن المشهدي في مزاره ان الصادق عليه السلام ......)[15]

 

و من هنا يتبين الجواب على ما يستظهر من بعض كلامات السيد الخوئي من أن "محمد بن جعفر المشهدي" ليس معروفاً. أما إذا أراد من كلامه أن نسبة كتاب المزار إليه غير معلومة فأيضاً تقدم الجواب عن هذا الإشكال.

 

وبقطع النظر عن كل ما تقدم يمكن القول باستفاضة الرواية أو شبه الاستفاضة لكونها منقولة بثلاثة طرق، الشيخ في المصباح وابن المشهدي في المزار والسيد ابن طاووس في الاقبال ، وهذا يدعم الرواية في الاعتماد عليها في محل الكلام.

 

اما الكلام في صوم يوم عرفة

 

والكلام يقع في حالة إضعاف الصوم عن الدعاء أو كون يوم عرفة مشكوكاً، اما في غير هاتين الحالتين فلا اشكال في استحبابه كما تقدم في البحث السابق.

 

وذكرنا انه استدل برواية سدير الصيرفي على كراهة صوم يوم عرفة لمن يضعفه عن الدعاء أو فيما اذا كان الشهر مشكوكاً.

 

والكلام يقع في سندها، وليس فيه من يتأمل فيه الا سدير الصيرفي والد حنان الثقة، وهو "سدير بن حُكيم بن صهيب الصيرفي"، والكشي يقول عنه أنه من اصحاب السجاد والباقر والصادق (عليهم السلام)، ولكن لم ينص على وثاقته.

 

وقد يقال بوثاقته استناداً إلى وجوه:-

 

الأول: رواية ابن ابي عمير عنه في موردين، في العلل([16] ) وفي أمالي الشيخ الطوسي[17] ، ولكن سند رواية الأمالي ضعيف، وسند رواية العلل -وان كان صحيحاً- يشكل عليه بإستبعاد رواية ابن ابي عمير عن سدير لاختلاف الطبقة، فسدير الصيرفي يعتبر من الطبقة الرابعة وابن ابي عمير يعتبر من الطبقة السادسة.

 

ولكن يمكن أن يقال: أن إبن أبي عمير قد أدرك الإمام الكاظم (عليه السلام) كما نص النجاشي[18] و الشيخ[19] بذلك، فمن الممكن أن يروي عن أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) كالسدير الصيرفي. بل نص الكشي[20] على أن إبن أبي عمير يروي عن عبدالله بن بكير الذي هو من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام). و نص[21] أيضاً أنه ضُرب مائة وعشرين خشبة أيام هارون لعنه الله الذي كانت خلافته في أيام إمامة الإمام الكاظم (عليه السلام).


[1] هذا البحث من متممات صوم يوم عاشوراء الذي أجلناه سابقاً.
[2] أمل الآمل ج٢، ص٢٥٣.
[3] إرجع إلى بحار الأنوار ج١٠٤، ص١٩٧.
[4] إرجع إلى بحار الأنوار ج١٠٦، ص٢١.
[5] إرجع إلى بحار الأنوار ج١٠٦، ص٤٤.
[6] بحار الأنوار ج١، ص١٨.
[7] هما السيد علي و السيد عبدالكريم في فرحة الغري.
[8] بحار الأنوار ج١، ص٣٥.
[9] أمل الآمل ج٢، ص٢٥٢.
[10] أمل الآمل ج٢، ص٢٥٣.
[11] إرجع إلى بحار الأنوار ج١٠٦، ص٢١.
[12] فهرست منتجب الدين ص١٠٦.
[13] فهرست منتجب الدين ص٤٧.
[14] ذكر صاحب الوسائل ج30 ص160 (وأما الكتب المعتمدة التي نقلنا منها......... ( 83 ) كتاب المزار، لمحمد بن المشهدي .) والظاهر انه يقصد محمد بن جعفر المشهدي.
[15] فرحة الغري، السيد عبد الكريم بن طاووس، ص120و ص121 وص123.
[16] -علل الشرايع الشيخ الصدوق ج2 ص312.
[17] الأمالي للشيخ الطوسي ص٤٠٦.
[18] رجال النجاشي ص٣٢٦، حيث قال في ترجمة محمد إبن أبي عمير: (لقى أبا الحسن موسى عليه السلام وسمع منه أحاديث كناه في بعضها فقال: يا أبا أحمد، وروى عن الرضا عليه السلام).
[19] الفهرست ص٢١٨، و قال في ترجمته: (وأدرك من الأئمة عليهم السلام ثلاثة: أبا إبراهيم موسى عليه السلام، ولم يرو عنه، وأدرك الرضا عليه السلام، والجواد عليه السلام).
[20] إختيار معرفة الرجال ج٢، ص٨٥٤.
[21] إختيار معرفة الرجال ج٢، ص٨٥٦.