39/08/18


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/08/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- كيف نثبت امضاء السيرة - مبحث الظن.

كيف يمكن أن نثبت امضاء السيرة ؟يمكن أن نذكر بيانات ثلاثة:-

البيان الأول:- إن نقول إن كان الشيء قابلاً للاتصاف بالحرمة والحلّية والامام عليه السلام سكت عن ذلك فسكوته يدل على امضاء هذه السيرة ، وإلا إذا كان حراماً كان منكراً ومن الواجب على الامام أن ينهى عن المنكر ، فإن من أحد الواجبات في شريعة الاسلام النهي عن المنكر ، فلو كان الشيء الذي انعقدت عليه السيرة شيئاً يحتمل الاباحة ويحتمل الحرمة فيجب على الامام أن يردع عنه لو كان حراماً من باب النهي عن المنكر ، فإذا سكت كان سكوته دليلاً على أنه ليس بمحرّم وإنما هو مباح وإلا لوجب أن يردع عنه.

البيان الثاني:- إنَّ ظاهر حال الامام عليه السلام الحفاظ على الشريعة الاسلامية ، نفس ظهور كونه بصدد حفظ الشريعة الاسلامية إذا ضممنا إليه السكوت وسكت عن السيرة دلّ سكوته بعد ضمّ هذا الظهور الحالي على أنَّ هذا ليس مخالفاً للشريعة ، مثل ( من حاز ملك ) فلو كانت الحيازة لا توجب الملكية فحينئذٍ يلزم على الامام عليه السلام أن يردع ويبيّن بأنه بالحيازة لا تحصل الملكية ، لأنَّ ظاهر حاله أنه منصوبٌ لحفظ الشريعة فيلزم أن يردع ، فإذا لم يردع دلّ سكوته وعدم ردعه - بضمّ هذا الظهور - على أنَّ هذا ليس بمحرّم ولا يتنافى مع الشريعة.

البيان الثالث:- إنه يلزم نقض الغرض ، فإنه لو لم تكن السيرة ممضية فيلزم من سكوت الامام عليه السلام وعدم الردع نقض الغرض ، فإن الغرض من نصبه أن يحفظ الشريعة ويبيّن أحكامها ، فإذا لم يبيّن أنَّ هذا حرام وكان حراماً في الواقع وسكت يلزم من ذلك نقض الغرض الذي نصب من أجله.

إذن هذه بيانات ثلاثة لإثبات أنَّ السكوت عن السيرة وعن أيّ فعلٍ يجري بمرأىً ومسمعٍ من الامام عليه السلام يدل على الامضاء.

والفارق بين هذه البيانات الثلاثة:- هو أنَّ البيان الأوّل هو التمسّك بفكرة وجوب النهي عن المنكر ، وبناءً عليه يلزم ملاحظة شروط وجوب النهي عن المنكر فيلزم تطبيقها ، ومن الشرائط أن يكون المنكر بمرأى ومسمع من الامام عليه السلام ، ويلزم أن يكون قادراً على المنع لا أنَّه يحذر من السلطة فسكوته في مثل هذا المورد لا يدل على الامضاء وأنه ليس بمنكر ، كما لابد وأن يحتمل التأثير فلّعله لا يخاف من السلطة ولكنه لا يؤثر شيئاً ، كما لو كنت في بلاد فيها سافرة فلو نهيتها فهذا لا يحتمل التأثير ووجوب النهي عن المنكر مشروط بهذه الشروط ، فشروط وجوب النهي عن المنكر يلزم أن تكون ثابتة ، فسكوت الامام عليه السلام لا يدل على الامضاء فيما إذا فرض أننا كنّا نحتمل أنَّه لم يردع لاحتمال عدم التأثير أو لأجل الحذر على نفسه من السلطة أو أنه المنكر لم يجرِ بمرأى ومسمع منه ، فيجب تحقق شروط وجوب النهي عن المنكر آنذاك سكوته يدل على أنَّ هذا مباح وليس بمنكر.

وهذا بخلافه في البيانين الآخرين فإنَّ هذه الشروط لا نشترطها ، نعم نحن نشترطها إذا كان البيان يعتمد على فكرة لنهي عن المنكر.وأما بالنسبة إلى الفارق بين البيان الثاني والثالث ، فإنَّ البيان الثاني كان هو التمسّك بظاهر حال الامام عليه السلام في أنه حافظ للشريعة ، بينما البيان الثالث هو أنه يلزم نقض الغرض من نصبه.

[وربما يخطر إلى الذهن:- إنَّ كون الامام حافظاً للشرع قضية ليست ثابتة بظهور الحال بل هي ثابتة بقطع النظر عن ظهور الحال ، فهي ثابتة بالبراهين القطعية وبالوجدان ، أصلاً معنى الامام هو أنه حافظ للشرع ولا نحتاج إلى ظاهر الحال حتى يلزم محذور الدور ، فعلى هذا الأساس ليست القضية مستندة إلى ظاهر الحال حتى يلزم إشكال الدور.

والجواب:- نحن نسلّم كون الامام عليه السلام حافظاً للشرع وقد ثبت هذا بالدليل القطعي لا بظاهر الحال ، ولكن آنذاك يأتي محذور لزوم نقض الغرض ، فإنَّ الفارق هو هذا ، فإذا تمسّكنا بالدليل القطعي على كونه حافظاً للشرع فيلزم محذور نقض الغرض الذي هو البيان الثالث ، وإذا غضضنا النظر عن الدليل البرهاني على كونه حافظاً للشرع وقلنا إنَّ ظاهر حال الامام عليه السلام أنه يريد المحافظة على الشرع فهذا نجعله بياناً مستقلاً فحينئذٍ يأتي إشكال الدور عليه ، فهذا هو المقصود وليس المقصود إنكار قيام الدليل القطعي البرهاني فإنَّ هذا تام ولكنه يعود إلى البيان الثالث ][1] .

وربَّ قائل يقول:- إنه لا فرق بينهما إلا بالألفاظ ولكن روحهما واحدة.

والجواب:- إنه في البيان الثاني نتمسّك بالظهور فنحن أخذنا ظاهر حال الامام عليه السلام أنه حافظ للشريعة ، بينما في البيان الثالث لم نتمّسك بفكرة ظاهر حال الامام وإنما يلزم نقض الغرض يعني تمكّسنا بنكتة عقلية لا بنكتة ظهور واستظهار.

وتظهر الثمرة هو أنه بناءً على البيان الثاني ربما يشكل بإشكال الدور:- لأننا نريد أن نثبت حجية السيرة المنعقدة في زمن المعصوم عليه السلام على أنَّ من حاز ملك بسكوت الامام عليه السلام فإنَّ ظاهر حاله أنه حافظ للشريعة ، ولكن نسأل ونقول:- من قال إنَّ الظهور حجة ؟ إنه بالسيرة ، فبالتالي صارت السيرة التي نريد أن نثبت حجيتها واقعة في طريق اثبات حجيتها ، يعني صارت حجية السيرة موقفة على نفس السيرة فيلزم من ذلك الدور ، وهذا بخلافه على البيان الثالث فإنَّ نكتة ظهور حال الامام عليه السلام قد أبعدناها وإنما تمسّكنا بفكرة نقض الغرض فإشكال الدور لا يأتي هنا.

هل يكفي عدم إحراز الردع ؟والمقصود أنه عرفنا أنَّ السيرة لا تكون حجة إلا إذا امضيت ، وقد قلنا إنَّ الامضاء يثبت بعدم الردع ، لكن هل المقصود بعدم الردع يعني إحراز عدم الردع أو بعدم إحراز الردع ؟ وفرقٌ بينهما.

ربما يقال:- إنه يكفي عدم إحراز الردع ولا نحتاج إلى احراز عدم الردع.

وربما يظهر ذلك من الشيخ الأصفهاني(قده) في حاشيته على الكفاية[2] حيث قال ما حاصله:- إنَّ للإمام عليه السلام حيثيتين ، حيثية أنه عاقل بل سيد العقلاء ، وحيثية أنه صاحب الشرع ومشرّع ، وحينئذٍ نقول:- إذا صدر من العقلاء شيء مثل ( من حاز ملك فقد ) فإنه قد جرت سيرتهم على ذلك ، فسيرتهم هذه جارية بما هم عقلاء ، وحيث إنَّ الامام عليه السلام عاقل فلابد أنه مشاركٌ لهم ، ولا يلزم بعد هذا احراز أنه موافقٌ لهم بما هو شارع مادمنا قد أحرزنا أنه موافق لهم بما هو عاقل ، فيكفي إذن عدم احراز مخالفة الشارع ولا يلزم احراز عدم مخالفته بل عدم احراز مخالفته كافٍ.

وقد بنى على هذا الشيخ المظفر(قده):- حيث قال ما نصّه:- ( فإن ثبت من الشارع الردع عن العمل بها فلا حجية فيها قطعاً وإن لم يثبت الردع منه فلابد أن يُعلَم اتحاده في المسلك معهم لأنه أحد العقلاء بل رئيسهم فلو لم يرتضها ولم يتّخذها مسلكاً له كسائر العقلاء لبيّن ذلك )[3] .


[1] هذا ما أضافة الشيخ الاستاذ المحاضرة التالية / المقرر.
[2] الحاشية على الكفاية، الأصفهاني، ج3، ص249، ط مؤسسة آل البيت عليهم السلام.