39/08/07


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/08/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 51 ) وقوع البيع بالمعاطاة - المكاسب المحرّمة.

ثالثاً:- إنه ذكر أنَّ الاستثناء المتصل لا يدل على العموم بلحاظ المستثنى ، ونحن نقول: من أين أتيت بهذه القاعدة ؟ ، وهذه القضية لا تهمنا لأنَّ الاستثناء في الآية الكريمة منقطع ، ولكن من أين أنَّ الاستثناء المتصل لا يدل على العموم بلحاظ المستثنى ؟! ، كلا بل نحن نلاحظ أنه يدل على العموم أحياناً مثل ( أكرم الفقير إلا الفاسق ) فهذا استثناء متصل وليس منفصلاً وهو يدل على العموم بلحاظ المستثنى وجداناً ، يعني كل فاسق لا تكرمه ، وهكذا على هذا المنوال فإنك تلاحظ فيها العموم بلحاظ المستثنى فما ذكره لا ندري من اين اتى به.

رابعاً:- ذكر أن الاستثناء إذا كان منقطعاً كما هو محل كلامنا فهو يدل على العموم بلحاظ المستثنى ولا يدل على العموم بلحاظ المستثنى منه ، واستشهد بمثال ( لا تأكل المال الحرام إلا ما كان عن كدّ يمين ) .

ونحن نقول:- هذا الاستثناء المنقطع يدل على العموم بلحاظ المستثنى وبلحاظ المستثنى منه ، أما بلحاظ المستثنى يعني أفراد المستثنى يعني إلا ما كان عن كدّ يمين يفيد العموم يعني ( كلّ فرد من أفراد كدّ اليمين فكُلْهُ ) ، فكلّ كدّ يمين بلحاظ أفراده يوجد عموم ، واذهب إلى المستثنى فهو قال إنه بلحاظ المستثنى منه لا يدل على العموم ، ونحن نقول: هو يدل على العموم ولكنه عموم في دائرة أفراد المستثنى منه ، فأنت حينما تلاحظ العموم فهو في دائرة الشيء نفسه ، مثلاً المستثنى إذا أردت أن تلحظ العموم فيه فأنت سوف تلاحظه في أفراده ، وإذا أردت أن تلحظ العموم في المستثنى منه فسوف تلاحظ دائرة أفراده ، وإذا لاحظنا دائرة أفراده أفاد العموم أيضاً ، لأنَّ دائرة أفراده هي المال الحرام ومن المعلوم هو يدل على العموم ، فهو يقول لا تأكل المال الحرام أيّ مال حرام ، فهو يفيد العموم بلحاظ أفراد المستثنى منه.نعم هناك عموم ثالث ليس عموماً بلحاظ أفراد المستثنى وليس عموماً بلحاظ أفراد المستثنى منه وإنما هو عموم خليط بشكلٍ آخر لا ينفعنا ولا يضرنا ، ونحن إنما نفتّش عن العموم في دائرة المستثنى أو في دائرة المستثنى منه أما هذا العموم الذي ابرزه وسلّط الأضواء عليه فهو ليس عموماً بلحاظ أفراد المستثنى كما وليس بلحاظ أفراد المستثنى منه ، فإنَّ المستثنى قوله ( إلا ما كان عن كدّ يمين ) فهذا له عموم بلحاظ أفراده فنستفيد منه أنَّ كل ما كان عن كدّ يمين فكُلْ ، وإذا لاحظنا المستثنى منه - يعني ( لا تأكل المال الحرام ) - بلحاظ أفراده وهو أكل المال الحرام نستفيد العموم بلحاظ أفراده ، ولكنه ابرز عموماً بشكلٍ آخر وهو لا ينفعنا ولا يضرنا فقال إنَّ هذا العموم باطل.وسواء كان صحيحاً أو باطلاً فإنَّ هذا لا يهمنا ، والعموم الذي أبرزه هو أنه ( كلّ ما لم يكن من كدّ اليمين فهو من المال الحرام ) ، يعني فهو من أفراد المستثنى منه ، وهذا نمط جديد لا هو عموم للمستثنى بلحاظ أفراده ، كما أنه ليس عموماً للمستثنى منه بلحاظ أفراده ، وإنما هو عموم مزدوج بهذا الشكل ، وسواء سلّمناه فوجوده أو لا فهو لا ينفع ولا يضر ، وأنت أردت أن تبرز عموماً ينفعنا أو يضرنا وهذا العموم ليس كذلك.

هذا كلّه بالنسبة إلى هذا الدليل الثالث ، وقد اتضح من خلال ما ذكرناه أنَّ الاستدلال بآية ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض ﴾ تاماً.

الدليل الرابع:- قوله تعالى ﴿ أوفوا بالعقود ﴾[1] .

وتقريب الدلالة:- إنه يدل على وجوب الوفاء بكل عقد ، والوفاء بمعنى السير على طبق العقد وعد نقضة وانهاءه كما يراد ، فالوفاء هو العمل على مقتضاه ، هذه مقدمة ، وتوجد مقدمة ثانية وهي أنه نقول: وإذا ثبت وجوب الوفاء بكلّ عقدٍ الذي هو وجوب تكليفي فنستكشف آنذاك قضيتين الأولى هي أنه إذن كل عقد صحيح ، إذ لو لم يكن صحيحاً فكيف يجب الوفاء به تكليفاً ، والثانية إننا نستكشف أنه لازم ، إذ لو لم يكن لازماً وكان متزلزلاً فلماذا يجب الوفاء بكل عقد ؟!!

فإذن الآية الكريمة حينما دلت على وجوب الوفاء بالعقد - إلى آخر نفس - فهذا يدل بالالتزام على مطلبين ، على أنَّ كل عقد صحيح هذا بالدلالة الإلتزامية ، وعلى أنه لازم ، فالصحة واللزوم كلاهما نثبته بالدلالة الإلتزامية لوجوب الوفاء بكل عقد الذي هو وجوب تكليفي.

بيد أنَّ الشيء الغريب في البين أنَّ الشيخ الأعظم(قده) حينما وصل إلى أدلة صحة المعاطاة لم يذكر هذا كدليل ، نعم هو تمسّك بأدلة أخرى مثل ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ و ﴿ تجارة عن تراض ﴾ ولم يذكر هذا الدليل وهذه نقطة تسجل عليه .

وإذا فرضنا أنَّ الشيخ(قده) عنده نكتة ولكن مع ذلك من المناسب أن يشير إليها ويقول:- ( وربما يستدل بآية " أوفوا بالعقود " بهذا التقريب ولكن يردّه كذا وكذا ) كما يصنع ذلك في سائر الموارد.

فإذن هذه نقطة تسّجل عليه ، خصوصاً أنَّ الشيخ(قده) بحث أصالة الزوم وأنَّ الأصل في المعاملات في العقود هو اللزوم ، فكل معاملة إذا كانت صحيحة فهي لازمة ، وهذا قد بحثه مرتان ، مرّة بحثه في المعاطاة ، ومرّة بحثه في بداية الخيارات ، فحصل تكرار ، وهذه أيضا تسجل عليه فإنه لا داعي للتكرار ، بل اللازم أن يذكر الموضوع بكامله في موضعٍ ثم يشير إليه في الموضع الآخر ، وفي كلا الموضعين حينما تكلم عن أصالة اللزوم ذكر آية ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ كدليل على اللزوم ، فإذن هذه قضية تسجّل عليه.

ولكن قد يقال:- هناك بعض التوجيهات لعدم جواز التمسّك بآية ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ لإثبات صحة المعاطاة:-

التوجيه الأوّل:- إنَّ كلمة العقد خاصة بالعقد اللفظي ولا تشمل ما كان بالفعل ، ولعل الشيخ الأعظم(قده) لم يتمسّك بهذه الآية الكريمة في المقام لأجل هذه الناحية.

ولكن يرده:- إنَّ نفس الشيخ(قده) عند بحثه لأصالة اللزوم في الموردين قال إنَّ المعاطاة لازمة وتمسّك لإثبات لزومها بآية ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ، فإذن حينما وصل إلى اللزوم تمسّك بها ، وحينما كان الكلام عن الصحة لم يتمسّك بها ، وإذا كانت النكتة هي أنَّ المعاطاة ليست عقداً لفظياً والعقد خاص باللفظي فكيف تمسّك بها لإثبات اللزوم في المعاطاة ؟!!

بل صرّح وقال:- إنَّ العقد على ما جاء على صحيحة عبد الله بن سنان في تفسير ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ والتي ينقلها العياشي في تفسيره حيث قال إنَّ المقصود من العقود أي العهود ، فالعقد عهدٌ ، إما مطلق العهد أو العهد المشدَّد المؤكد ، والمعاطاة عهدٌ ، فهي عقدٌ ، فإذن سوف يتسجّل عليه الاشكال ولا مفرّ منه.

ورواية عبد الله بن سنان هي:- العياشي في تفسيره عن ابن سنان قال:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " قال:- العهود )[2] .

وقد عبّر عنها الشيخ الأعظم(قده) بالصحية ، ولكنها ليست بصحيحة ، بل لا أقل يأتي الاشكال بين العياشي وبين عبد الله بن سنان فإن بينهما فاصل زمني كبير ، فهي مرسلة جزماً فكيف يقول هي صحيحة ؟!!مضافاً إلى أنه قد يشكك شخص في كتاب العياشي الموجود الآن ، فمن قال هو كتاب العياشي فعلاً وأنَّ هذه نسخة معتبرة منه ؟ ، فنحن نحتاج إلى طريق صحيح إلى كتابه وهذا غير موجود ، وهذه قضية ليست مهمة ، بل المهم أنه يوجد فاصل زمني كبير بين العياشي وبين ابن سنان.

أما الشيخ الأعظم(قده) فقد قال في بداية المعاطاة في مقام الاستدلال على لزومها:- ( وقد يستدل أيضاً بعموم قوله تعالى " أوفوا بالعقود " بناءً على أنَّ العقد هو مطلق العهد كما في صحيحة عبد الله بن سنان أو العهد المشدد كما عن بعض أهل اللغة وكيف كان فلا يختص باللفظ فيشمل المعاطاة )[3] ، فإذا كان يشمل المعاطاة فلماذا لا تتمسّك بها لإثبات الصحة ؟ ، إلا أن يكون ناظراً إلى التوجيه الثاني أو الثالث اللذين سيأتيان.