39/08/05


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/08/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 51 ) وقوع البيع بالمعاطاة - المكاسب المحرّمة.

الدليل الثالث:- قوله تعالى ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم ﴾.

هذه الآية الكريمة ذكرها الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب[1] ولكنه لم يقف عندها طويلاً ، بل قال إنه مما سبق يتضح الحال فيها ، ومقصوده إنَّ نفس طريقة الاستدلال والتمسّك بآية ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ تأتي هنا ، قال ما نصّه:- ( ومما ذكرنا يظهر وجه التمسّك بقوله تعالى " إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " ).

وفي توضيح الاستدلال نقول:- لابد في البداية أن نعرف أنَّ عنوان ( تجارة عن تراضٍ ) يصدق على المعاطاة ، فإنَّ ( تجارة عن تراضٍ ) يعم بإطلاقه المعاطاة ، وهذه مقدّمة واضحة لابد أن تكون محطّ نظرنا.

وبعد هذا نقول:- يمكن تقريب الدلالة بوجهين أحدهما ناظر إلى كلمة ( الباطل ) والثاني ناظر إلى كلمة (ولا تأكلوا ):

أما الوجه الأول:- فحاصله أن يقال: إنَّ الآية الكريمة قالت ﴿ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾ ، ثم قالت ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض ﴾ يعني فليس ذلك من الباطل ، يعني انَّ التجارة عن تراضٍ هي ليست من الباطل ، ومعنى أنها ليست من الباطل يعني هي من الصحيح ، وصحة التجارة عبارة أخرى عن ترتّب الأثر وحصول الملك والتملُّك ، والمفروض أننا قلنا في البداية أنَّ ( تجارة عن تراضٍ ) يصدق بإطلاقه على المعاطاة ، فثبت المطلوب.

وأما الوجه الثاني:- فيقال إنَّ الآية الكريمة عبّرت بقولها ﴿ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم ﴾ ، ومعنى ذلك أنه إذا كانت تجارة عن تراضٍ فكلوا ، ثم نقول: إذا كان المفهوم هو ذلك فهنا يوجد بيانان لإثبات دلالة ( فكلوا ) على المطلوب:-

البيان الأوّل:- أن نقول: إنَّ الأكل كناية في الآية الكريمة عن التملّك فيصير المعنى ( إلا أن تكون تجارة عن تراض فكلوا ) يعني فيجوز التملُّك ، وجواز التملُّك عبارة أخرى ترتب الأثر بعد وضوح أنه ليس المقصود الجواز التكليفي فإنه حينما ينسب الجواز إلى التملّك الذي هو أمر اعتباري لا يحتمل الجواز التكليف وإنما الجواز الوضعي وهو رتبت الأثر ، وبذلك يثبت المطلوب.

البيان الثاني:- أن نقول: إنَّ الأكل ليس كناية عن التملّك وإنما يقصد به الاشارة إلى التصرّف الأعم من الأكل ، يعني إذا كانت تجارة عن تراضٍ فتصرّف سواء كان التصرّف بالأكل أو بالاهداء أو بالإتلاف أو بكل التصرّفات الأخرى ، وحينئذٍ يقال إنَّ هذا الجواز حينما نسب إلى التصرّف فهو جواز تكليفي ، وإذا ثبت جواز جميع التصرّفات ثبت بالدلالة الإلتزامية العرفية أنَّ هذه التجارة مادامت عن تراضٍ فهي صحيحة ، وبذلك ثبت المطلوب.

وقال السيد محمد بحر العلوم(قده)[2] :- إنه متى ما فرض أنه كان يوجد عندنا استثناء فالذي نستفيده في باب الاستثناء هو العموم أو الاطلاق من زاوية المستثنى وليس من زاوية المستثنى ، فحينما نقول ( لا صلاة إلا بطهور ) ، فالعموم نستفيده في المستثنى منه ، أما في المستثنى فلا نستفيد العموم ، إذ لو كنّا نستفيد العموم في المستثنى لأصبح المعنى هكذا: ( إلا بطهور فلو كان هناك الطهور فالصلاة صحيحة بنحو العموم يعني سواء كان هناك سجود وركوع وقيام أو لم يكن ) وهذا باطل جزماً.

فإذن العموم هو من ناحية المستثنى منه - يعني ( لا طلاة ) - فيصير المعنى ( أنه من غير طهور لا صلاة ) ، يعني سواء كان يوجد ركوع أو لا وسواء يوجد سجود أو لم يوجد ، فمادام لا يوجد طهور فالصلاة ليست موجودة ، فإذن في جملة الاستثناء نستفيد العموم في جملة المستثنى منه ولا نستفيده في جملة المستثنى ، والآية الكريمة فيها استثناء حيث قالت ﴿ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ﴾ فهي لا تدل على العموم في جملة المستثنى - وهي ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض ﴾ - والذي ينفعنا هو العموم في جانب المستثنى وهو ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض ﴾ يعني لو كانت هناك تجارة عن تراض فهذه صحيحة بعد صدق التجارة عن تراض سواء كانت معاطاةً من دون صيغة أم كانت بالصيغة ، ولكن المفروض أنَّ جملة الاستثناء لا تدل على العموم في جانب المستثنى وإنما تدل على العموم في جانب المستثنى منه اي في عبارة ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾ فهي تدل على العموم من هذه الزاوية يعني إذا كان باطلاً فلا تأكلوا سواء كان سرقة أو غصباً أو خيانة فلا تأكلوا فهي تفيد العموم من زاوية المستثنى منه لا من زاوية المستثنى والذي ينفعنا هو العموم في زاوية المستثنى والمفروض أنه من ناحية المستثنى الاستثناء لا يدل على العموم.

فإذن لا يمكن التمسّك بالآية الكريمة لأنَّ السند المهم هو العموم في جملة المستثنى وهو قال المفروض أنها لا تدل على العموم ، ثم استشهد بـ ( لا صلاة إلا بطهور ) ، ثم بعد ذلك تراجع وقال: ولكن يمكن أن يقال صحيح أنَّ الاستثناء لا يدل على العموم في جملة المستثنى بل يدل على العموم في جملة المستثنى منه ولكن هذا إذا كان الاستثناء متصلاً ، وأما إذا كان منفصلاً فالأمر بالعكس ، يعني نستفيد العموم في جملة المستثنى ، والمفروض في مقامنا أن الاستثناء في الآية الكريمة منقطع فنستفيد العموم في جملة المستثنى ، يعني نستفيد من ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض ﴾ العموم.

ولكن من أين لك أنه إذا كان الاستثناء منقطعاً ينعكس الأمر فنستفيد العموم في جملة المستثنى ؟ إنه ذكر مثالاً آخر لذلك.

[1] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج2، ص41.
[2] بلغة الفقيه، السيد محمد بحر العلوم، ج2، ص103- 104.