39/07/14


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/07/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 51 ) هل يكتفي بالاشارة من الأخرس في العقد مع القدرة على التوكيل أو لا ؟ - المكاسب المحرّمة.

القضية الرابعة:- لو سلّمنا فكرة الأولوية[1] نقول لكن غاية ما يثبت هو صحة عقد الأخرس بالاشارة حتى لو كان قادراً على التوكيل أما أنه لازم فلا يمكن بالأولوية المذكورة اثبات اللزوم ، والوجه في ذلك هو أن طلاق الأخرس ليس عقداً وإنما أيقاع فلا يتصف بالجواز واللزوم فإنهما وصفان للعقد بل يتصف فقط وقط بالصحة وعدم الصحة أما أنه صحيح لازم مرّة وصحيح غير لازم مرّة أخرى فهذا ليس من شؤون الايقاع ، إذن غاية ما تقتضيه الأولوية هو أن إيقاع الأخرس - يعني الطلاق - إذا كان صحيحاً مع القدرة على التوكيل فبالأولى يكون عقده البيعي صحيحاً وإن كان قادراً على التوكيل ، أما أنه لازم فبالأولوية لا يمكن اثبات اللزوم ، إلا أن تضم إليها ضمائم من هنا وهناك لكن تلك قضية ثانية ، هذه قضية علمية يجدر الالتفات إليها.

القضية الخامسة:- ذكر الشيخ الأصفهاني(قده) كلاماً مطوّلاً وكان يمكن اختصاره ، وحاصل ما ذكره: أنَّ بإمكاني أن أثبت أنَّ عقد الأخرس بالاشارة صحيح حتى لو كان قادراً على التوكيل بلا حاجة إلى روايات الطلاق وبلا حاجة إلى التمسّك بالأصل بل نحن وعموم ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ، فإنَّ هذا العموم وحده نثبت من خلاله أن عقد الأخرس في البيع صحيح ولازم بلا حاجة الى الاستعانة بأيّ مقدّمة أخرى ، وبيان ذلك يتوقف على مقدمة وهي أنَّ العقد عبارة عن العهد المؤكد فإنَّ العهد ينقسم إلى قسمين مؤكد وغير مؤكد ومثال غير المؤكد التعاطي الخارجي فحينما أدفع شيئاً والآخر يدفع لي شيئاً في القابل فهذا التعاطي الخارجي من دون القرائن المفهمة هو عهدٌ غير مؤكّد يعني ليس بواضح في البيع بل يحتمل كونه بيعاً ويحتمل كونه ليس بيعاً ، فهو ليس صريحاً في العهد فلذلك لا يكون عهداً مؤكداً ، وأخرى يكون العهد عهداً مؤكّداً كإشارة الأخرس إذا كانت مفهمة بدرجة جيدة فهذا يصدق عليه أنه عهد مؤكد.

فإذا عرفنا هذا نقول:- حيث إنَّ العقد عبارة عن العهد المؤكد والاشارة المفهمة الواضحة الصريحة حيث إنها مصداق للعهد المؤكد والمراد من العقد كما قلنا هو العهد المؤكد فيثبت بذلك أنه متى ما تحققت الاشارة المفهمة الواضحة من الأخرس فقد تحقق العقد المؤكد ، وبالتالي قد تحقق العقد ، وبالتالي يشمله عموم ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ، ولا نحتاج إلى روايات طلاق الأخرس وغيرها ، قال ما نصّه:- ( الوجه في كفاية الاشارة من الأخرس يتضح بعد بيان مقدمة هي أن الأخرس كغيره له عهد مؤكد وعهد غير مؤكد فالتعاطي منه في الخارج كالتعاطي من غيره عهد غير مؤكد ...... والاشارة المفهمة الرافعة للاشتباه منه عهد مؤكد كاللفظ الرافع للاشتباه .... فليس مجرّد كون الاشارة فعلاً موجباً[2] لكون معاملة الأخرس معاطاة دائماً أو أن فعله منزّل منزلة القول في غيره دائماً بل له سنخان من العهد كما في غيره بلحاظ قوة الدلالة على مقاصده وضعفها نوعاً، وعليه فإذا كان العقد في قوله تعالى عبارة العهد المؤكد كما هو مبنى البحث فهو شامل لإشارة الأخرس فإنه العهد المؤكد من مثله )[3] .

أقول:- إنَّ هذا شيء لا بأس به ونحن نوافقه عليه ، فروح المطلب جيد ومقبول.

ولكن توجد لدينا تعليقات جانبية وهي:-

أوّلاً:- إنه يشتمل على الطويل.

ثانياً:- يلزم أن يلتزم بأنَّ الاشارة المفهمة ولو من غير الأخرس كافية ، وهذا لا محذور فيه ، وهكذا بالكتابة والتلفون وغير ذلك.

وأقول شيئاً آخر:- وهو أنَّ هذا ليس شيئاً جديداً غير ما ذكرناه سابقاً ، حيث ذكرنا في القضية الثانية أنه من دون الحاجة إلى روايات طلاق الأخرس نستطيع أن نثبت صحة عقد الأخرس بالاشارة من خلال ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ، لأنه يصدق على إشارته أنه عقد ، ولكن الشيخ الأصفهاني(قده) أدخل لنا قضية العقد المؤكد وغير المؤكد ولكن هذا لا حاجة لنا به ، فما ذكره هو نفس ما ذكرناه سابقاً ولكن نحن ذكرناه من دون مصطلحات ومن دون تطويل ، أما هو فقد أضاف بعض الأمور.

القضية السادسة:- روايات طلاق الأخرس ، حيث توجد عدة روايات في هذا المجال قد ذكرها صاحب الوسائل(قده) تحت باب مقدّمات الطلاق وشرائطه بعنون ( طلاق الأخرس بالاشارة ) وهي:-

الرواية الأولى:- ما رواه الكليني عن علي بن أبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني[4] قال:- ( طلاق الأخرس أن يأخذ مقنعتها ويضعها على رأسها ويعتزلها )[5] ، ودلالتها واضحة ولا مشكلة فيها حيث قالت: ( طلاق الأخرس أن يأخذ المقنعة ويضعها على رأسها ويعتزلها ) ، لكن المشكلة في السند حيث ورد تعبير ( عن السكوني:- قال ) فهنا لم يذكر الامام عليه السلام ولا يوجد ضمير حتى يقال إنَّ البيان العام الذي كنا نذكره لحجية جميع المضمرات نطبقه هنا فيثبت بأن الكلام للإمام عليه السلام ، بل لعل هذا الكلام من قبل السكوني نفسه ، أو أننا لا نعرف كيف استفاده السكوني ، فعلى أي حال هو لم ينسبه إلى الامام عليه السلام ، فربما يتوقف من هذه الناحية ، أو يؤخذ به مع هنٍ وهن ، ولكن الذي يهون الخطب أنه ذكر في المصدر أنه ينقل عن الامام عليه السلام ، حيث ذكر ذلك في الكافي[6] والتهذيب[7] والاستبصار[8] فإنهم نقلوها عن أبي عبد الله عليه السلام.

الرواية الثانية:- وهي نظير الرواية الأولى ودلالتها تامة لا بأس بها ، ولكن هل يستفاد منها أنَّ كل إشارة تفيد ذلك أو أنه فقط يأخذ قناعها ويضعه على رأسها ويعتزلها ؟ إنه قد يتوقف شخص في أنَّ العموم يشكل الأخذ به وإنما نقتصر على هذه الطريقة ، ولو فرضنا أنَّ فقيها قال لا خصوصية لهذه الطريقة فهذا أيضاً له وجاهة ، ولكن ستأتينا رواية تصرّح من هذه الناحية فهي تكفينا المؤونة ، والرواية الثانية هي ما رواه الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن صالح بن السندي عن جعفر بن بشير عن أبان بن عثمان قال:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن طلاق الخُرس ، فقال: يلف قناعها على رأسها ويجذبه )[9] ، ويحتمل أنَّ معنى ( يجذبه ) يعني يشدّه بقوة لا أنه يضعه على رأسها فقط ، ويحتمل أنه يضعه على رأسها يجرها بعيداً عنه حتى تصير فيه دلالة على أنه طلّقها ، فإذن هذه الرواية دلالتها واضحة ، إلا أنَّ السند فيه مشكلة من جهة صالح بن السندي فإنه مجهول الحال.

الرواية الثالثة:- حيث نقلها صاحب الوسائل ( عن الشيخ الطوسي بسنده عن الصفّار عن أبراهيم بن هاشم عن الحسين بن يزيد[10] عن علي بن رئاب عن أبي بصير ) ، هذا حسب النقل في التهذيب ، أما الموجود في الاستبصار فـ( عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير ) يعني أنَّ عليَّ بن أبي حمزة موجود بدل عليّ بن رئاب ، وحينئذٍ يكون عليّ بن أبي حمزة على الكلام فيه ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، ومضمونها نفس مضمون السابقة.

هذه ثلاث روايات ، ولكن رغم أنه سندها ضعيف ولكن بضمّ بعضها إلى بعض يمكن حصول الوثوق بالصدور.

الرواية الرابعة:- وهي صحيحة السند ، وقد رواها المحمدون الثلاثة ، وسند الشيخ الكليني صحيح بلا تأمل ، وهي:- محمد بن يعقوب عن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن أبي نصر البزنطي:- ( سأل أبا الحسن الرضا عن الرجل تكون عنده المرأة يصمت ولا يتكلم ، قال: أخرس هو ؟ قلت:- نعم ويعلم منه بغض لامرأته وكراهة لها أيجوز أن يطلق عنه وليه ؟ قال: لا[11] ولكن يكتب ويشهد على ذلك ، قلت: أصلحك الله فإنه لا يكتب ولا يسمع كيف يطلقها ؟ قال: بالذي يعرف به من أفعاله مثل ما كرهت من كراهته وبغضه لها )[12]

وهذه الرواية لها ميزة يمكن أن يستفاد منها أنَّ كل فعل يقوم به الأخرس وفيه دلالة على الطلاق فحينئذٍ يكون مجزياً بلا خصوصية لإلقاء القناع على رأسها.

[1] يعني إذا صح طلاق الأخرس بالاشارة رغم تمكنه من التوكيل فبالأولى يثبت صحة عقد بالاشارة حتى لو كان قادراً على التوكيل.
[2] الأنسب ابدال عبارة ( فعلاً موجباً ) بعبارة ( فعلاً هي يوجب ) حتى يصير المطلب واضحاً.
[4] وقد بنا هذا السند مراراً والكلام في النوفلي والسكوني على ما سبق.
[10] والحسين بن يزيد هو النوفلي.
[11] ومن الواضح أنه حينما قال ( لا ) فهذا بقطع النظر عن الوكالة فإن الاخرس بالغ عاقل لا ولاية لأبيه عليه، نعم إّا كانت هناك وكالة فيصح ولكن الرواية غير ناظرة إلى الوكالة.