22-01-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/01/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
مسألة ( 403 ) :- لا يجوز الحلق للنساء بل يتعين عليهن التقصير.

الحكم المذكور لم ينقل فيه خلاف من حيث الفتوى بل قال في المدارك:- ( تعيّن التقصير على النساء موضع وفاقٍ بين العلماء ، وحكى العلامة في المختلف الإجماع على تحريم الحلق عليهنَّ أيضاً )[1] . إذن من حيث الفتوى لا خلاف في أن القصير متعيّنٌ على النساء والحلق لا يجزئ وإنما الكلام في التخريج الفني لذلك.
وفي هذا المجال عقد صاحب الوسائل(قده) باباً مستقلاً لأجل هذا أسماه ( باب وجوب التقصير عيناً على المرأة )[2] وهو حينما يعقد الباب بهذا العنوان فالعنوان الذي يعطيه يعني أنه يذهب إلى هذا ثم يذكر الروايات وقد ذكر فيه خمس روايات في هذا المجال يمكن أن يستفاد منها هذا الحكم  والمهم منها ثلاث روايات وهي:-
الرواية الأولى:- صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( ليس على النساء حلق وعليهن التقصير ) وقد ذكر هذه الرواية في أكثر من مورد من الوسائل[3] ، وهي بهذا المتن لعلّ دلالتها تامّة على المطلوب حيث قال عليه السلام ( وعليهن  التقصير ) وهذا ظاهر في تعيّن ذلك عليهن بيد أنه(قده) نقلها في موردٍ آخر بلفظ ( ويجزيهن التقصير ) وهذا ظاهر في الوجوب التخييري بين الأمرين ، ونَقَلَها بلفظ ( وعليهن ) في موضعٍ آخر[4] ، وهكذا رواها صاحب الوافي بالشكل المذكور[5] ، ولكن صاحب الوسائل نقلها في باب وجوب التقصير عيناً على المرأة[6] بلفظ ( ويجزيهن ) حيث قال ما نصّه:- ( وبإسناده[7]عن الحلبي  عن أبي عبد الله عليه السلام:- ليس على النساء حلق ويجزيهن التقصير ) . إذن في هذا المورد الواحد نقلها بلفظ ( ويجزيهنَّ ) بينما في ذينك الموردين نقلها بلفظ ( وعليهنَّ ) وإذا رجعنا الى المصدر - يعني التهذيب - كانت العبارة هي ( عليهن ) ولم ينقل اختلاف النسخ في هذا المجال ولعله يحصل للفقيه اطمئنان بأن الصحيح هو لفظ ( عليهن ) حيث إن الموجود المصدر هو لفظ ( عليهن ) وفي الوافي الذي ينقل من التهذيب مباشرة كذلك كما أن نفس صاحب الوسائل ينقل بلفظ ( عليهن ) في موردين ولكنه في ذلك المورد فقط والذي عقد الباب لأجله نقل بلفظ ( ويجزيهنَّ ) فإن حصل لك الاطمئنان فبها ونعمت وإن لم يحصل الاطمئنان فالرواية لا يمكن الاستدلال بها على تعيّن التقصير في حقّ النساء . إذن تماميّة الدلالة من هذه الناحية تتبع نفسية الفقيه وتحصيل الاطمئنان في هذا المجال شيء قريب.
ولكن لو تنزّلنا وقلنا إن الوارد من دون كلامٍ هو لفظ ( عليهنَّ ) - أي وعليهنَّ التقصير - فقد يشكك في الدلالة بهذا البيان فيقال:- إن جملة ( عليهن ) لو كانت وحدها بأن قال الإمام عليه السلام ( وعليهنَّ التقصير ) لكنّا نسلّم بأنها ظاهرة في التعيّن ولكن هذه الجملة مسبوقة بجملة أخرى وهي جملة ( ليس عليهن الحلق ) وهذه الجملة قد توحي بأنه لا يتعين عليهنَّ الحلق فيتزلزل بسبب وجود هذه الجملة ظهور جملة ( عليهن التقصير ) في كونه واجبا ً تعيينيّاً . إذن نحن نسلّم أن فقرة ( وعليهنَّ التقصير ) لو كانت وحدها هي ظاهرة في التعيّن أما بعد انضمامها إلى تلك الفقرة فيوجد مجالٌ للإشكال في الدلالة.
هذا من حيث الرواية الأولى واتضح أن أمرها تابع إلى تشخيص الفقيه واتضحت المعالم فقد يتمسّك بها فقيه ويقول إنه لا إشكال فيها من حيث السند والدلالة وهذا من أحد أسباب اختلاف الفقهاء.
الرواية الثانية:- صحيحة سعيد الأعرج التي تقدمت اكثر من مرّة حيث جاء فيها:- ( فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن ويقصّرن من أظفارهنَّ )[8] ، وممن تمسك بها صاحب الجواهر(قده)[9] وصاحب الحدائق(قده)[10] وقد تمسك بها السيد الخوئي(قده) أيضاً في المعتمد.
وتقريب الدلالة واضح حيث يقال:- إنه عليه السلام قال ( إن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن ويقصرن .. ) ولم يقل ( أو يحلقن ) فالاقتصار على التقصير يدلّ على أنه متعيّن عليهنَّ ، هكذا تمسك بها الأعلام.
ويمكن أن يقال:- إن الإمام عليه السلام بصدد بيان الطريق الميسَّر والسهل وأدنى ما يحصل به التسهيل هو أن تأخذ المرأة شيئاً من شعر رأسها وهذا بخلاف ما إذا أرادت أن تحلق فإنه يحتاج إلى فترةٍ.
على أنه يمكن أن يقال:- إن الامام عليه السلام ليس في مقام البيان من هذه الناحية بل هو في مقام البيان من ناحية أن المرأة يمكن أن تفعل أفعالها ليلية العيد - إما بعض الأفعال أو كلّها - وتذهب إلى مكة أما أن هذه الأفعال لها بديلٌ أو ليس لها بديلٌ فهو ليس بصدد التفصيل من هذه الناحية . إذن التمسك بهذه الرواية مشكلٌ من هذه الناحية.
الرواية الثالثة:- والتي ذكرها صاحب الوسائل(قده) تحت هذا الباب عن أحدهما عليهما السلام:- ( قال:- أي امرأةٍ أو رجلٍ خائفٍ أفاض من المشعر الحرام ليلاً فلا بأس فليرمِ الجمرة ثم ليمضِ وليأمر من يذبح عنه وتقصّر المرأة ويحلق الرجل ثم ليطُف بالبيت ... )[11] فإن ذكر وظيفة المرأة وأنها التقصير في مقابل وظيفة الرجل وأنها الحلق يدلّ على أن التقصير متعيّن في حق المرأة.
ودلالتها لا بأس بها إلا أن المشكلة من حيث السند فإنه رواها الشيخ الكليني عن العدّة عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد عن علي بن أبي حمزة عن أحدهما عليهما السلام فالمشكلة إذن من ناحيتين من ناحية سهل ومن ناحية علي بن ابي حمزة وهذا يتبع المباني فمن يتوقف فيهما فالرواية تصير مشكلة ومن يبني على أنهما ثقتان فيمكنه الأخذ بها.
الدليل الرابع مضافاً إلى الروايات الثلاث المتقدّمة:- ما تمسك به السيد الخوئي(قده) - واختص به هو - وهو السيرة فإنها قد جرت في حق النساء على التقصير دون الحلق[12].
ويردّه:- إنه من المحتمل أن يكون ذلك لاقتضاء العادة والطبع فإن المرأة لو حلقت كل شعرها خرجت عن جمالها وجمال المرأة بذلك فأيّ امرأة هي مستعدة لأن تحلق شعرها ؟! إذن لا يمكن أن نستفيد من السيرة تعيّن الحلق إذ لعل الحلق كان جائزاً ولكن مع ذلك لم تقدم النساء عليه لأنه مخالفٌ لجماليّة المرأة وما شاكل ذلك.
ولعل الأحسن من الجميع أن يقال:- إن المسألة ابتلائية فلابد وأن يكون حكمها واضحاً لأجل كونها ابتلائية وذلك الحكم الواضح يلزم أن ينعكس على فتوى الفقهاء وحيث  أن الفقهاء قد اتفقوا ولم يعرف عنهم خلافٌ في أنه لا يجوز لهنَّ الحلق فيحصل الاطمئنان للفقيه بعدم جواز الحلق للنساء ، وهذا يصلح أن يكون دليلاً مستقلاً ومستنده هو الاطمئنان - أي أن مدركه وفنيّة هذا الوجه تنتهي إلى حجية الاطمئنان - فإن حصل للفقيه ذلك فبها ونعمت وإلا فبضمّه إلى الروايات السابقة يمكن في هذا المورد أن يدعم بعضٌ بعضاً وبالتالي يتمّ المدرك على الحكم المذكور.


[5]  الوافي، ج13، ص988.
[7]  يعني الشيخ الطوسي.
[12]  اجود التقريرات، ج5، 513.، ط قديمة.