34-08-20


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/08/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 384 ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وبالجملة:- إنه إن أمكن التخلص من المشكلة من ناحية هذين الرجلين أو لم يمكن فلا يضرنا ذلك وليس شيئاً مهماً بعد وجود طريقين صحيحين إلى علي بن جعفر أحدهما لنفس الشيخ الطوسي ولكن في الفهرست فإن الشيخ قد ألف الكتاب المذكور لعرض من له تأليف في مجال الفقه أو غيره فيذكر خصوص المؤلفين ويذكر طرقه إلى هؤلاء وهي طرق أكثر وأشمل مما هو موجود في المشيخة فيمكن دائماً التعويض والاستعانة بطرق الفهرست إن فرض وجود خلل في طرق المشيخة فإنه في الفهرست قال هكذا:- ( وله كتاب المسائل [1] أخبرنا جماعة عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن محمد بن يحيى عن العمركي الخراساني البوفكي عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام ، ورواه محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن سعد بن عبد الله والحميري وأحمد بن ادريس وعلي بن موسى عن أحمد بن محمد عن موسى بن القاسم البجلي عن علي بن جعفر ) [2] . إذن في الفهرست ذكر طريقين إلى مسائل علي بن جعفر وكلاهما صحيح لا غبار عليه .
 نعم الأوّل رواه عن جماعة حيث قال ( أخبرنا جماعة ) ولا ينبغي الوسوسة من هذه الناحية وأنه لم يشخّص أفراد هذه الجماعة ، إذ يجاب بأنه لو استقصينا مشايخ الشيخ الطوسي لكانت نسبة الثقاة منهم أكثر من نسبة غير الثقاة إن كان فيهم غير ثقاة وكلمة ( جماعة ) تطلق على ثلاثة فما فوق واحتمال أن كل الثلاثة من غير الثقاة - إن كان فيهم غير ثقاة - احتمال ضعيف فيحصل الاطمئنان بأن أحدهم من الثقاة وبذلك لا مشكلة ، هكذا قل.
 أو قل:- إن اجتماع ثلاثة من مشايخ الشيخ الطوسي على الكذب والخيانة في النقل هو ضعيف في حدِّ نفسه ويحصل الاطمئنان بعدمه بلا حاجة إلى أن نلاحظ نسبة الثقاة إلى غير الثقاة فمن دون إدخال ذلك في الحساب يكفينا ابتداءً أن نذكر هذا البيان الثاني.
 وسواء تمّ ما قلناه أم لم يتم يكفينا الطريق الثاني.
 بيد أن الطريق الثاني مبتلٍ بمشكلة أيضاً فإنه رواه عن محمد بن علي بن الحسين وهو لا يروي عنه بالمباشرة لعدم معاصرته له فلابد وأن يكون هذا من باب التعليق على ما تقدّم - يعني رواه جماعة عن محمد بن علي بن الحسين - فعادت المشكلة السابقة كما هي والجواب هو الجواب.
 والطريق الثاني هو طريق الشيخ الصدوق إلى علي بن جعفر في المشيخة إذ المفروض أن الشيخ الصدوق قد روى هذه الرواية بنفسها في الفقيه وبدأ السند بعلي بن جعفر وإذا رجعنا إلى المشيخة وجدناه يقول:- ( وكل ما كان في هذا الكتاب عن علي بن جعفر فقد رويته عن أبي رضي الله عنه عن محمد بن يحيى العطار عن العمركي بن علي البوفكي عن علي بن جعفر عن أخيه ، ورويته عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله تعالى عنه عن محمد بن الحسن الصفار وسعد بن عبد الله جميعاً عن أحمد بن محمد بن عيسى والفضل بن عامر عن موسى بن القاسم البجلي عن علي بن جعفر عن أخيه ) [3] . إذن الشيخ الصدوق له طريقان إلى علي بن جعفر وكلا الطريقين صحيحان لا غبار عليهما.
 والخلاصة من كل ما ذكرته:- إنه إذا رجعنا إلى المشيخة وكان الطريق ضعيفاً فبالإمكان الاستفادة من الفهرست فإن الطرق فيه أكثر ، وإذا كانت الرواية قد رواها الصدوق أيضاً فيمكن مراجعة مشيخة الصدوق.
 عودٌ إلى صلب الموضوع:- ذكرنا أنه يعتبر في الهدي أن يكون تامّاً صحيحاً والوجه في ذلك عدّة روايات على ما ذكرنا أحداها صحيحة علي بن جعفر التي قالت:- ( إلا أن يكون هدياً واجباً فإنه لا يجوز ناقصاً ).
 وتكملة للبحث نقول:- إن هذه الرواية تدلّ على أنه كلما صدق عنوان النقص على الحيوان فهو لا يجزي سواء فرض أن ذلك النقص بسبب عدم جزء من أجزاء الحيوان كما إذا كان له أرجل أقل من المتعارف أو فرض أن النقص بعدمِ صفةٍ كما لو كان أعور أو أعمى أو غير ذلك ، ولكن أضيف أنا قيداً وهو:- ( بشرط أن يكون هذا النقص في الجزء أو في الصفة موجباً لنقصان القيمة أما إذا فرض أن القيمة بقيت كما هي ولم تهبط رغم وجود النقص في جهةٍ من الجهات فهذا إما ليس بنقصٍ عرفاً أو قل إنه ينصرف عنه عنوان النقص أو لا أقل نشك في صدق عنوان النقص عليه كما هو الحال في الخصيّ فإن الخِصاء نحو نقصٍ إلا أنه لا يوجب نقصان القيمة بل لعله يوجب زيادتها فمثل هذا لا يشمله عنوان النقص والعيب ).
 إن قلت:- سوف يأتي فيما بعد انشاء الله تعالى أن الحيوان المخصيّ لا يجزي على ما هو المشهور - وإن كان يوجد خلاف في المسألة -.
 قلت:- إن ذلك لبعض الروايات التي حكمت بعدم إجزاء الخصيّ وإلا فبقطع النظر عن هذه الروايات - يعني لو كنا نحن وصحيحة علي بن جعفر - لحكمنا بالإجزاء لانصراف عنوان النقص عنه.
 وبالجملة:- إذا فرض أن نقصاً كان من هذا القبيل - يعني لا يوجب نقصان القيمة - فلا يكون مشمولاً لهذا الحكم العام.
 ومن خلال هذا اتضح الوجه فيما ذكره الفقهاء وفيما أشير إليه في المتن من أنه لا يجزي الأعور والأعرج ومقطوع الأذن ومكسور القرن فإن هذه الأربعة لا تجزي من باب أنها مصاديق لعنوان النقص وإن لم تكن مذكورة في الروايات بعناوينها الخاصة . أجل بالنسبة إلى القرن فقد اشترط الفقهاء أن يكون القرن المكسور هو القرن الداخل دون الخارج فإنه لا يضرّ كسره ، قال في الجواهر في مقام تفسير القرن الداخل قال:- ( وهو الأبيض الذي في وسط الخارج أما الخارج فلا عبرة به ) [4] ، والسؤال هو أنه ما هي النكتة في هذا التفصيل وأن كسر القرن الخارج لا يضر ؟ والجواب:- إنه جاء في الكلمات توجيه ذلك بالتمسك بصحيحة جميل عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( الأضحية يكسر قرنها ، قال:- إن كان القرن الداخل صحيحاً فهو يجزئ ) [5] ، وعلى منوالها غيرها فإنها فصلت وحكمت بأن القرن الداخل إذا كان صحيحاً فلا يضرّ وموردها وإن كان هو الأضحية دون الهدي الواجب إلا أنه يمكن التمسك بالأولوية فيقال إنه إذا ثبت هذا في الأضحية فبالأولى يثبت في الهدي الواجب ويؤكد ذلك صحيحة علي بن جعفر المتقدمة فإنه سأله عن الرجل يشتري الأضحية عوراء والامام عليه السلام حكم بالإجزاء ثم قال:- ( إلا أن يكون هدياً واجباً ) وهذا معناه أن حكم الهدي أشد من حكم الأضحية وحكم الأضحية مبنيّ على التخفيف والسعة ، فإذن كل ما ثبت في الأضحية سوف يثبت في الهدي الواجب بالأولويّة العرفيّة المدعومة بصحيحة علي بن جعفر ، هكذا يمكن توجيه دلالة صحيحة جميل على المطلوب رغم أن موردها هو الأضحية.
 وفيه:- إن هذه الأولوية جيدة إذا فرض أنه اعتبر شيءٌ وقيدٌ وصفةٌ في الأضحية فإن لازم الأولوية المذكورة اعتبار تلك الصفة في الهدي الواجب فمثلاً اعتُبِر في الأضحية أن يكون القرن الداخل سالماً فنقول إن مقتضى الأولوية هو اعتبار ذلك في الهدي الواجب أما سلامة القرن الخارج فهو لم يعتبر في الأضحية فلا معنى آنذاك للتمسك بالأولوية ، يعني أن الأولوية نتمسك بها في مورد اعتبار صفةٍ في الأضحية فنتعدّى منها بالأولوية إلى الهدي الواجب أما إذا فرضنا أنّا لم نعتبر شيئاً - والمفروض أن القرن الخارج لم نعتبر سلامته في الأضحية لأن صحيحة جميل قالت لا يعتبر سلامة القرن الخارج - فإنه في مثل ذلك لا معنى للتمسك بالأولوية يعني أن نقول إنه مادام لا يعتبر سلامة القرن الخارج في الأضحية فبالأولى لا يعتبر في الهدي الواجب . إذن التمسك بالأولوية في مقامنا ليس بصحيح.
 ولعل الأجدر التمسك بوجه آخر لإثبات أن كسر القرن الخارج لا يضر:- وهو التمسك بأن القرن الخارج هو أشبه بالظفر وكما أن زوال الظفر لا يؤثر بل هو إزالة للزيادة ولا يعدّ ذلك عيباً ونقصاً عرفاً ومعه فلا يضرّ مثله - أي كسر القرن الخارج - لأنه بهذه المثابة ، فإن تمّ هذا الكلام - وهو ليس ببعيد وهو شيء جميل - فبها.
 والنتيجة:- هي أنه لا يعتبر سلامة القرن الخارج ولكن كما ذكرنا ليس لأجل صحيحة جميل كما تمسّك بذلك الفقهاء بل لأجل ما أشرنا إليه.


[1] ويقصد بذلك المسائل التي سألها علي بن جعفر من أخيه عليه السلام.
[2] رقم الترجمة ( 377 ) - يعني في ترجمة علي بن جعفر -.
[3] مشيخة الفقيه، ص4.
[4] الجواهر، ج19، ص141.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص128، ب22 من أبواب الذبح، ح1، آل البيت.