39/06/18


تحمیل

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

39/06/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع / التعامل مع حق الامام معاملة مجهول المالك/ قسمة الخمس/ كتاب الخمس

القول الاول: ما ذكره صاحب الجواهر قدس سره[1] من اجراء حكم مجهول المالك عليه, وهو التصدّق بالمال عن مالكه, لأنّ المناط في حكم مجهول المالك ليس هو الجهل بالمالك حقيقة, بل هو عدم امكان ايصال المال اليه سواء علم به ام لا, كما هو مورد بعض النصوص مثل ما ورد في رواية الرفيق في مكّة: من التصدّق عنه لمجرّد الجهل بمكانه وان كان عارفاً بشخصه, فان لم يكن إيصال المال اليه, فليصل اليه ثوابه, وحقّ الامام عليه السلام هو كذلك لأنّ الامام عليه السلام معروف اسمه ونسبه, ولكنه مجهول التشخّيص فلا يصرفه المكلّف وان رآه, واليك الرواية التي هي صحيحة يونس عن الامام الرضا عليه السلام يقول: سُئل الامام عليه السلام عن رفيق كان لنا بمكة فرحل منها الى منزله وحلنا الى منازلنا, فلما صرنا في الطريق اصبنا بعض متاعه معنا, فأي شيء نصنع به قال عليه السلام: تحملوه الى الكوفة. قال: لسنا نعرف بلده, ولا نعرف كيف نصنع؟ قال عليه السلام: اذا كان كذا, فبعه وتصدّق بثمنه على اهل الولاية[2] .

القول الثاني: وهو مختار مشهور الاعلام في الأزمنة المتأخرة, وهو ان يصرف في موارد يُحرَز فيها رضا الامام عليه السلام قطعاً أو اطمئناناً, كالمصالح العامة وما فيه تشييد قوائم الدين ودعائم الشرع, وبثّ الاحكام الشرعية وتقوية الاسلام التي من ابرز مصاديقها الآن ادارة شؤون الحوزات العلمية ومؤنة طلبة العلوم الدينيّة.

قال السيد الخوئي قدس سرره: (وهذا هو الصحيح وان كان ما ذكره, صاحب الجواهر قدس سره وجيهاً في الجملة اذ ما لا يمكن فيه الإيصال يتصدّق به, فان التصدّق به عنه نوع ايصال اليه, ولكن هذا القول لصاحب الجواهر قدس سره لا اطلاق فيه بحيث يشمل صورة وجود مصرف يحرز رضا المالك بالصرف فيه, فانّ قضية الرفيق في طريق مكة قضية في واقعة منصرفة عمّا نحن فيه)[3] الذي نحرز رضا المالك في الصرف في مورد معيّن, فلو احرزنا ان المالك المجهول كان عازماً على صرف المال في مسجد معيّن, وكان المال عندنا أمانة ثم جُهِل مكان المالك أو فقد فلا

يسعنا الصرف في التصدّق, لأنه بعد ان كان لهذا المال مصرف معيّن والمالك يرضى به, فالتصدّق يكون بلا اذن منه فحينئذٍ يكون تصرّفاً في مال الغير بغير اذنه.فهنا نحن نحرز ان الامام عليه السلام يرضى بصرف حق الامام عليه السلام في إقامة الدين وتشييده وحفظه ونشره كما كان يفعل هو.

فلو قال لنا شخص: من اين عرفتم ان الامام عليه السلام عازم على صرف حقّه من الخمس في ما فيه تقويم دعائم الدين؟

كان الجواب: ان هذا هو القدر المتيّقن الذي يحرز فيه رضا الامام عليه السلام, وقد كان يفعل ذلك في حياته بما انه رئيس المسلمين وحافظ للشرع ومبلّغ له.

اقول:

1ـ ان الشيخ المنتظري: رحمه الله ذكر نكتةً تبعاً للشيخ الانصاري في مكاسبه في البيع الفضولي وهي في الحقيقة اشكال على ما قاله السيد الخوئي قدس سره من ان صرف حق الامام عليه السلام بالمصالح العامّة واقامة الدين والحوزات العلميّة وان كان يرضى به الامام ويهتم به الاّ انّ رضاه القلبي لا يخرج المعاملات الواقعة على ماله عن الفضوليّة اذا كانت الفاظاً واذا سلّم المال الى الغير صار تصرّفاً في مال الامام بغير اذنه فهو حرام ما لم يكن في البيّن اذن مالكي أو شرعي[4] .

وهنا نحن نقول: للفرار عن هذا الاشكال: ان الأقوى هو الصرف على المصالح العامّة التي يرضى بها الامام صدقة عنه, فقد احرزنا رضاه في حفظ المصالح, وتصدّقنا عنه (فقد أوصلنا المال الى صاحبه بنحو ايصال ثوابه) وبذلك يزول اشكال وفضولية المعاملات اذا كانت لفظيّة وزالت الحرمة عند دفعها الى الآخرين. لأنّ صرفنا حقّه في المصالح العامّة صدقة عنه فيه اذن شرعي وهو الصحيحة المتقدمة فلا فضولية.

2ـ ان هذين القولين اللذين ذكرهما صاحب الجواهر قدس سره ومشهور المتأخرين مبتنيان على ان حقّ الامام عليه السلام هو ملك لشخص الامام عليه السلام ولكننا حينما نقول انهما مبتنيان على ان حقّ الامام عليه السلام هو ملك لشخص الامام عليه السلام لا يُعنى بذلك انه ملك شخصي كما في مكتسباته وعمله وحيازاته, وانما هو ملك لشخصه يصرفه في الشؤون العامّة, فهو ملك خاص يكون لشخصه الاّ ان جهات الصرف مقررة شرعاً بحيث لابدّ للإمام عليه السلام من صرفه فيها. وحينئذٍ سيكون منصب الامامة حيثيّة تعليلية لكون الحقّ ملكاً شخصياً له, فحيث لا يمكن إيصاله الى الامام في عصر الغيبة فلابدّ من صرفه صدقة عنه أو صرفه فيما يعلم رضاه به.

ولكن الصحيح: هو ان منصب الامامة حيثية تقييدية لكون المال (حقّ الامام عليه السلام) للمنصب كالأنفال

وهذا مما نقطع به, فان الامام انما ورث حقّ الله وحق الرسول كما ذكرت الروايات بما انه حاكم وان حق الله ليس بما انه محتاج اليه بملكية شخصية بل بما أنه حاكم وكذا الرسول, اذن الامام الذي وصل اليه حقّ الله وحقّ النبي بالوراثة وحقّه الذي له بالأصل هو له بما انّه صاحب منصب ورئيس المسلمين, فحينئذٍ عند فقده «أو قل عند غيبته» يكون هذا الحقّ راجعاً الى الحاكم الشرعي الذي هو وكيله في زمان الغيبة في التصدّي لحفظ الدين وارشاد الناس والدفاع عن العقائد وحفظ النظام بحدّ قدرته وان لم يكن حاكماً بالمعنى الاصطلاحي في زماننا هذا ولا يكون حقّ الامام ملكاً شخصياً مع ذكر موارد صرفه.

اقول: على كلا القولين لا يُملَك حق الامام اذا مات الامام أو مات الحاكم الشرعي بل هو له مصارف معيّنة وليس لملك شخصي كالمكتسب أو الموهوب له.

ويمكن ان نستدل بان حقّ الامام ليس ملكاً له يصرفه في مصارف معينة, بل ملك للمنصب بقول الروايات ان الخمس والانفال للإمام فالعرف يفهم من هذا التعبير انه للإمام بما انه امام وصاحب منصب وقد ورد التعبير في بعض الروايات انه للوالي أو للقائم بأُمور المسلمين. اضف الى ذلك ارتكازية ان الخمس ضريبة والضريبة عرفاً وعقلائياً تكون للمنصب لا للإمام وان قيل انه يصرفها في موارد معينة.

واوضح من الكلّ ما رواه الصدوق باسناده عن ابي علي إبن راشد قال: قلت لأبي الحسن الثالث عليه السلام انا نؤتي بالشيء فقال: هذا كان لأبي جعفر عليه السلام عندنا فكيف نصنع؟ فقال عليه السلام ما كان لأبي سبب الأمامية فهو لي وما كان غير ذلك فهو ميراث[5] .

فهي تقول: ان الاموال المجهولة للائمة عليهم السلام انما هي لهم لجهة الامامة ومنصب الامامة وهي شخصية حقوقية وليست حقيقية. وحينئذٍ اذا ثبت انها لهم بما أنهم اصحاب منصب فتكون من بعدهم للحاكم الشرعي الذي هو نائب عنهم عليهم السلام بنفس دليل نيابته وولايته ولو كانت ولاية حسبية وليست ولاية مطلقة.

 


[1] جواهر الكلام، للشيخ محمد حسن النجفي 16: 177.
[2] وسائل الشيعة، للحر العاملي باب7من اللقطة ح2.
[3] المستند في شرح العروة الوثقى، للسيد الخوئي قدس سره 25 : 330.
[4] كتاب الخمس والانفال: 355 طبع مؤسسة النشر الاسلامي.
[5] وسائل الشيعة، للحر العاملي باب2 من ابواب الانفال ح6.