34-07-21


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/07/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الواجب الخامس من واجبات حج التمتع - وهو الثاني من أعمال منى في اليوم العاشر- ( الذبح أو النحر في منى ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وأما بالنسبة إلى ما أفاده في الآية الكريمة فيرد:-
 أما بالنسبة إلى التقريب الأول:- فإنه هل المقصود هو القطع الخارجي أو هو التمسك بالإجماع ؟ فإن كان يقصد القطع الخارجي بقطع النظر عن الاجماع فيمكن أن يقال إننا نقطع أن محلّ الهدي ليس مثل النجف الأشرف وكربلاء المقدسة وما شاكل ذلك من البلدان أما أن المحّل هو خصوص منى دون مكة فهو أوّل الكلام فلا يوجد قطع خارجي يثبت أن المحلّ هو خصوص منى . إذن القطع الخارجي نسلمه بمعنى عدم كون المحلّ هو البلدان الأخرى أما أنه متعيّن في منى ولا يجوز في مكة فلا يوجد قطع خارجي من هذه الزاوية.
 وأما إذا كان يقصد الاجماع فهذا بالتالي تمسكٌ بالإجماع وليس بالآية الكريمة ، يعني أن الاجماع قام على أن المحلّ الذي يلزم ذبح الهدي فيه هو منى.
 وأما بالنسبة إلى تقريبه الثاني:- فهذا تمسك بالرواية وليس بالآية الكريمة فبإمكاننا أن نأخذ الرواية الشريفة بمفردها ونتمسك بها لإثبات المطلوب بقطع النظر عن الآية الكريمة.
 هذا مضافاً إلى أن الآية الكريمة وردت فيمن أحصِر فنحتاج حينئذ إلى الجزم بإلغاء الخصوصية من هذه الناحية وأنه لا فرق بين المحصور وغيره فإن تمّ هذا الجزم فلا مشكلة من هذه الناحية وأما إذا أريد التشكيك فالأمر مشكلٌ آنذاك.
 إذن اتضح من خلال هذا أن المناسب هو التمسك بالوجوه الثلاثة التي أشرنا إليها دون ما أفاده (قده).
 هذا وقد يتمسك ببعض الروايات كمؤيدٍ لتعيّن كون الذبح في منى وليس من باب الدليل ، وفي المقابل قد تبرز ثلاث روايات أيضاً على العكس - يعني على أن مكان الذبح هو مطلق مكة دون منى-:-
 أما الروايات الأولى التي يمكن التمسك بها كمؤيّدٍ لتعيّن الذبح في منى فهي:-
 الرواية الأولى:- رواية ابراهيم الكرخي عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( رجل قدم بهديه مكة بالعشر ، فقال:- إن كان هدياً واجباً فلا ينحره إلا بمنى وإن كان ليس بواجبٍ فلينحره بمكة إن شاء وإن قد أشعره أو قلّده فلا ينحره إلا يوم الأضحى ) [1] ، وقد أشار إليها صاحب المدارك(قده) [2] وقال ( احتج بها ) - يعني احتجَّ بها على تعيّن كون الذبح في منى - وهكذا أشار إليها صاحب الجواهر(قده) [3] ، وعلى أي حال قد يتمسك بهذه الرواية على المدّعى باعتبار أنه عليه السلام قال ( إن كان هديا واجباً فلا ينحره فلا ينحره إلا بمنى ) ودلالتها لا بأس بها ولكن بعد ضمّ ضميمة وهي أنه لا فرق بين هدي القِران وغيره فإن موردها هو هدي القران ولعلّه له خصوصيّة فبلحاظ هدي القران يلزم الذبح في منى فنحتاج حينئذ إلى الجزم بعدم الخصوصيّة وباعتبار عدم وضوح هذا الجزم لذا تصلح أن تكون مؤيداً لا دليلاً . مضافاً إلى أن سندها يمكن أن يناقش فيه باعتبار أن ابراهيم الكرخي لم يرد في حقه توثيق إلى بناءً على رواية أحد الثلاثة عنه وتماميّة الكبرى.
 الرواية الثانية:- رواية عبد الأعلى:- ( قال أبو عبد الله عليه السلام:- لا هدي إلا من الإبل ولا ذبح إلا بمنى ) [4] ، وقد أشار إليها صاحب الجواهر(قده) [5] .
 بيد أن دلالتها قابلة للتأمل أيضاً:- فإنه عليه السلام قال في الفقرة الأولى:- ( لا هدي إلّا من الإبل ) وهذا يلزم حمله على الاستحباب فإن الهدي لا يتعيّن أن يكون من الإبل ومعه يتزعزع ظهور الفقرة الثانية - أعني ( ولا ذبح إلّا بمنى ) - في اللزوم وحينئذ يكون مجملاً من هذه الناحية ومحتملاّ للحمل على الحكم الأفضل والاستحبابي . نعم هذا الاشكال يتمّ بناءً على مسلك الوضع وأما بناءً مسلك حكم العقل فقد يتأمل في ذلك. هذا مضاًفا إلى أن عبد الأعلى قد يناقش في وثاقته باعتبار تردّده بين شخصين ، وعلى أي حال الرواية صالحة على مستوى التأييد ولو لما أشرنا إليه.
 الرواية الثالثة:- رواية مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( منى كلّه منحر وأفضل المنحر كلّه المسجد [6] ) [7] ، وقد أشار إليها في الجواهر [8] ، وقد نقلها الشيخ النوري(قده) في المستدرك بطريقٍ آخر [9] ولكن ليس عن مسمع ولكن هذا لا يؤثر والأمر سهلٌ.
 ويشكل على هذه الرواية:- بأنه حتى لو تمّ سندها فإن غاية ما دلّت عليه هو أن منى منحرٌ وهذا لا نزاع لنا فيه وإنما الكلام هو في أن غير منى هل هو منحرٌ أو لا ؟ فنحن نسلّم أن منى منحرٌ ولكنّ السؤال هو أنه هل النحر يتوسع إلى جميع مكة أو لا ؟ وهذه الرواية لا تنفي كون مكة منحرٌ وإنما تثبت أن منى بأجمعها منحر وهذا لا ينفعنا.
 اللهم إلا أن تقول:- إنه ينعقد مفهومٌ من إثبات عنوان ووصف المنحر لمنى فيستفاد بالمفهوم أن غير منى ليس بمنحرٍ وهذا ما يعبّر عنه بمفهوم اللقب وهذا المفهوم ليس بثابتٍ . إذن الرواية غاية ما تصلح للتأييد.
 وأما الروايات الثلاث الأخر التي قد يتمسك بها على العكس فهي:-
 الرواية الأولى:- صحيحة معاوية بن عمار:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- إن أهل مكة أنكروا عليك أنك ذبحت هديك في منزلك بمكة ، فقال:- إن مكة كلّها منحر ) [10] ، ويقال إن دلالتها واضحة حيث قالت ( إن مكة كلّها منحر ) فيثبت بذلك أن مكّة منحرٌ وليس المنحر هو خصوص منى .
 وأجاب الشيخ الطوسي(قده) على ما ذكره الحرّ العاملي في ذيل الرواية بأنها محمولة على التطوّع فهذا الهدي تطوعي لا أنه واجب ، وهكذا ذكر صاحب المدارك(قده) حيث قال:- ( أن يكون الهدي الذي ذبحه بمكة كان تطوعاً ) [11] ونفس الشيء ذكره صاحب الجواهر(قده) [12] حيث قال إنه محمولٌ على غير الهدي الواجب ، فالأعلام الثلاثة قد اتفقوا على هذا المعنى.
 والذي أريد أن اشير إليه:- هو أن هذا المقدار مما ذكروه ليس فنيّاً - يعني مجرد أن يقال علينا أن نحملها على الهدي التطوعي - حيث يجاب بأن هذا خلاف الإطلاق ولماذا هذا الحمل ؟ إن الحمل المقبول هو الحمل والجمع العرفيّ وهذا ليس الحمل عرفياً فلابد إذن من ابراز نكتةٍ حتى يصير هذا الكلام فنيّاً فأنا أسلّم معهم بالنتيجة وأقول إن من المحتمل بوجاهة أن يكون المقصود من هذا هو هدي التطوّع ولكن هذا وحده ليس فنيّاً ، والنكتة الفنيّة التي نضيفها هي أن هذه الرواية قضيّة في واقعة تحكي فعلاً للإمام عليه السلام وأنه نحر في مكّة والناس أعابوا عليه ذلك ولا ندري أن الذي صنعه الإمام عليه السلام ما هو ؟ فهل كان هديا واجباً أو تطوعياً ؟ إنه مجملٌ من هذه الناحية فالتمسك بالإطلاق غير ممكن لأنه قضيّة في واقعة . وأما جواب الإمام عليه السلام بأن مكة كلّها منحر فهو في الحقيقة لا يمكن استفادة الاطلاق منه وأنه منحرٌ حتى للهدي الواجب لأن الامام عليه السلام ذكره كعذرٍ لفعله فهو ناظر إلى فعله فإذا كان فعله مستحبّاً بأن كان هدياً تطوعيّاً فحينئذ يصدق هذا التعليل أن مكة كلّها منحرٌ يعني بالنسبة إلى الهدي التطوعي الذي أنا قمت به . إذن استفادة الاطلاق أو عدم الاستفصال من هذه الرواية - يعني أن مكة هي منحر حتى بالنسبة إلى الهدي الواجب - لا يمكن استفادته لأن الرواية قضيّة في واقعة بالنحو الذي أشرنا إليه.


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص88، ب4 من أبواب الذبح، ح1، آل البيت.
[2] مدارك الأحكام، الموسوي العاملي، ج8، ص19.
[3] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، ج19، ص120.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص90، ب4 من أبواب الذبح، ح6، آل البيت.
[5] جواهر الكلام، ، النجفي الجواهري، ج19، ص120.
[6] المسجد:- يعني مسجد الخيف أي أطراف المسجد وليس نفس المسجد.
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص88، ب4 من أبواب الذبح، ح7، آل البيت.
[8] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، ج19، ص120.
[9] مستدرك الوسائل، ب35 من أبواب كفارات الصيد، ح3.
[10] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص88، ب4 من أبوب الذبح، ح2، آل البيت.
[11] مدارك الأحكام، الموسوي العاملي، ج8، ص20.
[12] الجواهر، النجفي الجواهري، ج19، ص121.