39/06/07


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/06/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شمول أدلة الأصول لجميع الاطراف - العلم الاجمالي- مبحث القطع والأمارات والأصول العملية.

إن قلت:- إنَّ العلم الاجمالي هو بيانٌ وقاعدة قبح العقاب تقول يقبح العقاب بلا بيان ، وحث يوجد بيان والبيان هو العلم الاجمالي في كلا المثالين ، يعني حتى مثال صلاة الظهر والجمعة فإنه بالتالي يوجد علم اجمالي ، ومادام العلم الاجمالي بياناً فقاعدة قبح العقاب حينئذٍ لا تجري إذ يوجد بيان وبالتالي يلزم الاحتياط.

قلت:- من المناسب لنا أن لا نتماشى مع الألفاظ والمصطلحات ، فإنه إذا فرض أنَّ الدليل لم يكن لفظياً فلا معنى للتماشي مع الألفاظ ، نعم لو كانت توجد عندنا رواية فالألفاظ والعناوين سوف نتماشى معها ، ولا يفهم من كلامنا أننا نترك الألفاظ دائماً ، كلا وإنما إذا كان المدرك آية أو رواية فسوف نتماشى منع الألفاظ والمصطلحات ، أما إذا كان المدرك عقلياً لبّياً مثل قاعدة قبح العقاب بلا بيان فنتماشى وراء العقل وليس وراء الألفاظ ، وحينئذٍ نقول إنَّ المقصود من البيان عقلاً هو العلم ، وأنا عندي علم بوجوب الأحد لا أكثر منه ، يعني إما صلاة الظهر أو صلاة الجمعة ، وهذا الأحد المعلوم وجوبه يتحقق مصداقه بالإتيان بصلاةٍ واحدةٍ ، فلا يلزم الاتيان بكلتا الصلاتين.

وفي مقامنا في مثال صلاة الظهر والجمعة المعلوم هو أحد الوجوبين الظهر أو الجمعة ، ولا تقل ( تجب إحداهما ) فإنَّ هذا موهم لأنه إذا قلت تجب إحدى الصلاتين فقد يصير في الذهن أنّ المعلوم هو أحد الصلاتين فيجب الاتيان بكلتيهما حتى نحرز ذلك الأحد ، بل قل ( أعلم بوجود أحد الوجوبين ) فإذا كان المعلوم هو أحد الوجوبين فمتى ما أتيت بإحدى الصلاتين فقد امتثلت أحد الوجوبين ، فهنا سوف تقبله بدرجة أقوى وأسرع .إذن اندفع الاشكال ، فنحن هنا ندور مدار العقل لا مدار الألفاظ والعقل هنا يقول لي إنَّ المعلوم لك هو أحد الوجوبين إذا امتثلت أحد الوجوبين كفى.وهناك كلام للشيح الأصفهاني(قده) وآخر للسيد الخوئي(قده) يرتبط بمنجّزية العلم الاجمالي:-

أما الشيخ الاصفهاني[1] :- فربما يظهر من بعض عباراته أنَّ الموافقة القطعية للعلم الاجمالي واجبة من دون تفرقة بين الموارد، ولم يكن دليله أنَّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني وإنما ذكر كلاماً آخر لإثبات وجوب الموافقة القطعية ، ويمكن توضيحه بمقدمتين:-

المقدمة الأولى أن نقول:- إنَّ في ترك الموافقة القطعية مخالفة احتمالية.

المقدمة الثانية:- إنَّ المخالفة الاحتمالية للتكليف المعلوم الواصل لا تجوز عقلاً.

إذن النتيجة هي أنه يثبت بذلك وجوب الموافقة القطعية.

وفيه:- إنه ذكر في المقدّمة الأولى إنَّ في ترك الموافقة القطعية مخالفة احتمالية ، ونحن نقول: إذا كان المعلوم هو الجامع بالشكل الأوّل في مثال إنائي الخمر فالأمر كما أفاد ، لأنه هناك شيء معلوم وهو وجوب ترك الخمر فإذا لم أترك كلا الاناءين وتركت واحداً منهما فهذا معناه أني تركت الموافقة القطعية وبالتالي توجد مخالفة احتمالية ، أما في المورد الثاني وهو أن يكون المعلوم عندي أحد الوجوبين كصلاة الجمعة أو الظهر فلو أتيت بصلاة واحدة وتركت الأخرى فهذا تركٌ للموافقة القطعية ولكن هل هناك مخالفة احتمالية للجامع المعلوم ؟ كلا بل الجامع قد أتيت به جزماً ، إذ أنا أعلم بأحد الوجوبين وقد حققت أحد الوجوبين فإذن لا توجد مخالفة احتمالية ، بل أقول أكثر وهو أنه لا يوجد ترك للمخالفة القطعية أيضاً وإنما يوجد موافقة قطعية لما أعلم به.

وأما السيد الخوئي(قده):- فقد ذكر كلاماً لا يرتبط بما نحن فيه وإنما يرتبط بجانبٍ آخر ولكن نحن نذكره ، حيث ذكر في مصباح الأصول[2] أنه من الأغلاط الشائعة بين الأصوليين قولهم ( إنَّ العلم الاجمالي منجّز ) ، كلا بل العلم الاجمالي ليس بمنجّز وإنما المنجّز شيء آخر وهو احتمال العقاب ، فإني إذا احتملت أنَّ هذا الشيء حرام فقد احتملت العقاب في ارتكابه ، وهذا احتمال العقاب المتولّد بسب احتمال الحرمة هو المنجّز ، فإذن الصحيح هو أنَّ المنجّز هو احتمال التكليف الموجب لاحتمال العقاب دون العلم الاجمالي ، نعم احتمال العقاب إنما يكون منجّزاً فيما إذا لم يكن هناك مؤمّن شرعي أو عقلي ، ونقصد من المؤمّن الشرعي البراءة الشرعية والمؤمّن العقلي قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، فإذن إذا لم يكن مؤمّن شرعي أو عقلي فالتكليف الموجب لاحتمال العقاب هو المنجّز.

ثم قال:- إنَّ العلم الاجمالي قد يقال بأنه يمنع من جريان الأصل العقلي المؤمّن أو الأصل الشرعي المؤمّن ، فإما أن يمنع العلم الاجمالي من الجريان حتى في البعض ففي كلا الطريفين حتى الواحد منهما يمنع من جريان الأصل المؤمن فيه ، ومرة نبني على أنه لا يمنع من الجريان في الطرف الواحد وإنما يمنع من الجريان في الاثنين ، فإذا فرض أننا بنينا على أنه يمنع من الجريان في الاثنين لا في هذا الطرف ولا ذاك فيبقى احتمال التكليف الموجب للعقاب وحده بلا مؤمن وبالتالي تجب الموافقة القطعية - يعني بالإتيان بصلاة الجمعة وبالإتيان بصلاة الظهر معاً وفي مثال الاناءين لا بد من تركهما معاً - ، وإذا قلنا هو يمنع من الجريان في كليهما - بقيد كليهما - أما في الواحد فلا يمنع ففي مثل هذه الحالة يثبت أنَّ المخالفة القطعية حرام دون الموافقة القطعية فإنها ليست بواجبة ، فيبقى احتمال التكليف الموجب لاحتمال العقاب منجّزاً في أحد الطرفين.إذن دور العلم الاجمالي صار دور المانع من جريان الأصول المؤمّنة لا أنه هو المنجّز كما قال الأصوليون.

أقول:- وهل ما ذكره السيد الخوئي(قده) يغيّر من الواقع شيئاً ؟ والجواب:- إنَّه لا يغير من الواقع شيئاً ولكن هذه قضيّة علمية مهمّة.


[1] فوائد الأصول، الأصفهاني، ج2، ص202. ط قديمة، ج3، ص93- 95، ط جديدة.
[2] مصباح الأصول، الخوئي، ج2، ص403، ط جديدة، ج2، ص34، ط قديمة.