34-06-18


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/06/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 378 ) / الواجب الرابع من واجبات حج التمتع ( أفعال منى في اليوم العاشر ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 قضايا تطبيقية:-
 بعد أن اتضحت شروط الرمي وكيفيته نذكر بعض القضايا التي هي أقرب إلى التطبيق وهي كما يلي:-
 القضية الأولى:- إذا أراد المكلف في كل رمية من الرميات السبع أن يأخذ مجموعة من الحصيات فبدلاً عن أخذه لواحدة ورميها يأخذ خمس حصيات مثلاً بقصد أن يكون رميها رمياً لحصاة واحدة وإنما يفعل ذلك كي يطمئن بأن واحدةً من الخمس قد أصابت كما إذا كان في نظره ضعف أو صاحب وسوسة فيصنع ذلك وهو ليس بقاصدٍ للتشريع وإنما كان قاصداً للاحتياط بهذا الشكل ، إنه لا مانع منه إذ المفروض أن الدليل قد دلَّ على لزوم رمي سبع حصيات تصيب الجمرة وهذا المكلف يفعل ذلك غايته بهذه الطريقة فإن فرضنا وجود إطلاقٍ في الأدلة يشمل مثل هذا فهو وإن لم يكن تمسكنا بالبراءة عن المانعيّة أي نشك أن ذمتنا هل اشتغلت بالحج المقيد بالرمي بغير هذه الصورة - يعني بأن يكون الرمي في كل مرَّة رمياً لحصاةٍ واحدة لا أكثر - إنه نشك في اشتغال الذمة بهذا المجموع المقيّد فنجري البراءة عن ذلك وهذا شيء واضح.
 وإذا فرض أن المكلف رمى سبعاً بالطريقة المتعارفة ولكنه بعد ذلك قصد رمي بعض الحصيات كإضافةٍ من باب الاحتياط واحتمال أن بعض تلك الحصيات لم تصب ، إن هذا احتياط حسن ولا مانع منه.
 ويلزم التفرقة بين باب الرمي وبين باب الطواف والسعي فإنه هناك دلَّ الدليل على مانعيّة الزائد وأنه لا يجوز السعي بأكثر من سبعة أشواط وهكذا بالنسبة إلى الطواف.
 ورب فقيه يقول بأن الإتيان بشوطٍ آخر ولو بقصد الاحتياط هو نحو زيادةٍ ، بيد أن مثل هذا الكلام لا يأني في باب الرمي إذ لم يدلّ دليل على مانعيّة الزائد حتى يثبت محذور في هذا الاحتياط . إذن هذا احتياط جيد ولا محذور فيه.
 وإذا فرض أنه بعد أن رمى سبعاً لم يشك فيها وإنما أراد أن يرمي الزائد لا بقصد الاحتياط بل بقصد التشريع مثلاً - أي ليس بقصد الاحتياط ولا بقصد العبث - فهل يضرّ ذلك ؟ كلا فإن قصد التشريع وإن كان محرّماً ولكن هذا القصد قد تحقق بعد الإتيان بالواجب فهو محرّم حصل بعد فعل الواجب فلا يضرّ بفعل الواجب الذي تقدّم نظير من يصلي صلاته وبعد الفراغ منها يقصد الرياء مثلاً فإنه لا مشكلة فيه مادام هذا القصد قد تحقق بعد ذلك . نعم لو فرض أنه من البداية كان قاصداً أن يرمي أكثر من سبعٍ إن مثله قاصد التشريع فيكون ذلك محرّماً ، وهل يضرّ ذلك بصحة الرمي ؟ والجواب:- إذا فرض أن القصد المذكور كان مانعاً من تحقق قصد القربة فيقع ذلك الرمي باطلاً إذ لا قربة ، أما لو افترضنا أنه لا يمنع من ذلك فحينئذ يكون مقدار السبع صحيحاً ومصداقاً للواجب والمحرّم يكون بلحاظ القصد من دون أن يؤثر على صحة الفعل ، وحيث يحتمل أن هذا القصد يمنع من تحقق قصد القربة ففي الاجتزاء بالرمي المذكور إشكال.
 القضية الثانية:- يستحب بالنسبة إلى رمي جمرة العقبة استدبار القبلة بمعنى أن مكة تكون إلى ظهره فحينئذ قد يبتعد عن الجمرة قليلاً حتى يسيطر على الرمي وابتعاده عن الجمرة يسبب خروجه من منى لأن منى من ناحية جمرة العقبة تنتهي عند جمرة العقبة حسب العلامات الموجودة يعني بين جمرة العقبة وبين الحدود مسافة قريبة مسافة أمتار قليلة - فهو إذا ابتعد عن الجمرة واستدبر القبلة فحينئذ سوف يكون خارجاً من منى فهل يقع رميه صحيحاً ؟ نعم يقع صحيحاً إذ اللازم هو أن يرمي الجمرة أما أن يرميها وهو موجود في منى فهذا لم يدل عليه الدليل فتجري البراءة عن القيد الذكور إن لم يمكن نفيه بالإطلاقات ، أما إذا كانت لدينا اطلاقات في أدلة الرمي يستفاد منها أن أصل الرمي واجب دون ما زاد فبواسطته ننفي لزوم كونه في منى ، أما لو فرض أنه لا توجد اطلاقات كما هو ليس ببعيد فنتمسك آنذاك بالبراءة . إذن لا مشكلة من هذه الناحية.
 نعم بالنسبة إلى اليوم الثاني عشر يلزم أن يلتفت المكلف إلى أنه لا يصنعن ذلك لاحتمال كون ذلك مصداقاً للخروج المحرّم قبل الزوال ففي اليوم العاشر واليوم الحادي عشر لا إشكال فيه وأما في اليوم الثاني عشر ففيه إشكال ، وإنما قلت فيه إشكال ولم أجزم بعدم جوازه من باب أن مثل هذا قد لا يكون في نظر العرف مصداقاً للخروج المنهي عنه عن منى قبل الزوال.
 القضية الثالثة:- إن جمرة العقبة كانت في الزمن السالف إلى جنب جبل يعني أن الظاهر منها كان هو وجهها وبعض الجانبين - يعني أن ثلاثة جوانب منها كانت ظاهرة - وأما الجانب الخلفي فكان متصلاً بالجبل ثم بعد ذلك أزيل الجبل فهل يجوز رميها من تلك الجهة التي كانت في الأصل متصلة بالجبل ؟
 قد يستشكل في لك من باب أن ذلك القسم لمّا كان متصلاً بالجبل فنفس هذا قرينة على أن الرمي لابد وأن يكون من الجهات الثلاث دون تلك الجهة ، فإن فرضنا أن هذه القرينة والأمارة كانت تامّة فبها وأما إذا افترضنا إنكار هذه الأمارية والقرينية بدعوى أن هذا قد حصل من باب استقرار الجمرة وإلا فهو ليس من باب أنه لا يجوز رمي الخلف ففي مثل ذلك سوف نشك بأنه هل يجوز رمي الجهة الخلفية أو لا فنجري البراءة من التقييد الزائد فنقول إن الذمة قد اشتغلت بالحج المقيّد بالرمي أما أن يكون الرمي لا من الجهة الخلفيّة بل من سائر الجهات فهو تقييد مشكوك ينفى بالبراءة ، ولا يصح أن يدّعى أن المناسب هو لزوم الاحتياط فإن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني إذ نجيب بأن الذي اشتغلت به الذمة قد أفرغت منه يقيناً فإن الذي اشتغلت به يقيناً هو الرمي في الجملة أما أنه بقيد أن يكون من الجوانب الثلاث دون الجهة الخلفيّة فلم نجزم باشتغال الذمة به فما اشتغلت به الذمة يقيناً - وهو الرمي في الجملة - قد تحقق وما نشك في تحققه لا نجزم باشتغال الذمة به حتى يكون المورد من موارد قاعدة الاشتغال اليقيني ، وهذا مطلب واضح.
 وقد تسأل:- إن الجمرة لو طليت بالإسمنت من بعض جهاتها كالجهة الخلفية فإنها كانت مطليّة بالإسمنت كقرينة على أن هذه الجهة كانت متصلة بالجبل فهل يجوز رمي تلك الجهة التي عليها الاسمنت أو أن ذلك لا يجوز باعتبار أن هذا رمياً للإسمنت وليس رمياً لنفس الجمرة ؟
 والجواب:- إن هذا تدقيق زائد مرفوض عرفاً فإن الاسمنت ليس طبقةً كثيفة وإنما هو بمقدار جزئي يعني يصدق أن من رمى الاسمنت فقد رمى الجمرة . نعم إذا كان طبقة كثيفة فالأمر كما تقول ، وهذا كما هو الحال في الانسان الذي هو لابس للثياب فلو كان لابساً لثوبٍ واحدٍ أو ثوبين فمن رمى الثياب يصدق أنه رمى ذلك الشخص أما إذا كان لابساً لثيابٍ كثيرةٍ فإن هذا يمكن أن يقال عرفاً لا يصدق عنوان الرمي.
 ومن هذا القبيل [1] ما لو فرضنا في باب الجماع أن شخصاً حصل منه الإدخال لا بصوةٍ مباشرة بل من خلال الكيس المتعارف فهل يمنع هذا من صدق عنوان الجماع الموجب للغسل ؟
 والجواب:- إن الكيس خفيف عادةً فعنوان الإدخال معه صادق والتقاء الختانين صادق ، يعني أن تلك العناوين المأخوذة في النصوص صادقة عرفاً وليس المسّ شرط في وجوب الغسل وإنما الموضوع لوجوب الغسل هو عنوان الإدخال وهذا صادق حينئذ . نعم لو فرض أنه قد حصل ذلك من خلال لفّاف سميك فهنا يشك في صدق عنوان الإدخال آنذاك أما الحالة المتعارفة فيصدق معها ذلك فلا موجب للتوقف.
 القضية الرابعة:- هل يجوز الرمي بالحصاة المغصوبة كأن يأخذ الحاج حصاةً من غيره وهو لا يرضى فهل أنه جائز ومجزٍ وتفرغ به الذمة ؟ المناسب هو العدم باعتبار أن المطلوب هو الرمي بقصد القربة فإنا قد فرغنا عن ذلك وهذا التصرّف بالحصاة برميها تصرّف محرّم ومبغوض فكيف يقع مصداقاً للواجب وكيف يقصد به التقرب ؟!
 القضية الخامسة:- إذا فرض أن المكلف رمى وبعد ذلك شك أو علم بعدم تحقق بعض الشروط كما إذا فرض أنه أحلّ من إحرامه أو قبل أن يحلّ منه شك بلحاظ رمي اليوم العاشر أو الحادي عشر مثلاً في أن حصاةً هل أصابت أو لم تصب بكراً كانت أو لم تكن من الحرم كانت أو لم تكن وهل رمى المقدار الزائد أو المقدار الأصلي ؟ إن مثل هذه الشكوك ما هو حكمها ؟ وهكذا لو جزم بأن إحدى الحصيات لم تصب أو أحداها كانت ليست بكراً .... وهكذا ؟
 والجواب:- إذا فرض أنه شك في أنها من الحرم أو لا بكراً أو لا فهذا معناه أن الرمي متحقق جزماً ولكن يشك في وصف من الأوصاف الشرعية المعتبرة فيه فحينئذ يطبّق قاعدة الفراغ ( كل ما مضى فأمضه كما هو ) من دون فرق بين ما إذا أحلّ أو لم يحلّ خرج الوقت أو لم يخرج دخل في الجزء اللاحق أو لم يدخل فإن المهم هو أن يصدق عوان ( مضى ) وهذا يجزم بأنه قد رمى سبعاً ولكنه يشك في وجود بعض الشروط والأوصاف فبإمكانه تطبيق قاعدة الفراغ كمن صلّى وأنهى صلاته ثم شك بأنه كان متوضئاً حين الصلاة أو لم يكن مستقبلاً للقبلة أو بلا ساترٍ لعورته أو لا .. وهكذا فلا يعتني بهذه الشكوك لصدق عنوان المضي وهنا الأمر كذلك.
 وأما إذا فرض أنه شك في أصل الإصابة أو شك في أنه رمى المقدار الاصلي أو أنه رمى المقدار الزائد فهنا الشك ليس شكاً بعد المضي إذ لو لم تحصل الإصابة فهو لم يرمِ إذن سبع مرات بل رمى ستّ مرات فإن الرمية المطلوبة متقوّمة بالإصابة وحينئذ إذا لم تحصل إصابة فهذه ليست رمية للجمرة فلا يمكن تطبيق قاعدة الفراغ.
 نعم يمكن تطبيق قاعدة أخرى هي إما قاعدة التجاوز إذا فرض أنه قد دخل في الجزء الآخر أو قاعدة الحيلولة فيما إذا فرض أنه شك كذلك بعد خروج الوقت - يعني بعد دخول الليل -.
 وأما إذا جزم بأن الحصاة في المرّة السابعة لم يصب جزماً فحينئذ يذهب ويأتي بها في أيام التشريق ، وهل يلزم أن يعيد جميع الرمي أو تكفي رمية واحدة ؟ المناسب الاكتفاء برمية واحدة فإن الموالاة بين الرميات لم تؤخذ كشرطٍ في صحة الرمي وإن كان المناسب على مذاق السيد الخوئي(قده) اعتبار التوالي بين الرميات وأن لا تحصل فواصل باعتبار أنه يرى أن عنوان السبع لا يصدق عرفاً إلا إذا كان هناك توالياً بين الأشواط من دون فواصل كثيرة إنه بناءً على مبناه فالمناسب هنا أن يقول ذلك أيضاً فيكون المناسب على مبناه هو الإعادة للجميع إلا إذا فرض دلالة رواية على ذلك فلأجلها نلتزم بعدم الإعادة ، وأما بناءً على ما اخترناه من أنه لا يشترط التوالي فحينئذ يرمي واحدةً من دون حاجةٍ إلى إعادة الرمي بالكامل.
 وقد تسأل وتقول:- إذا أتى المكلف ببقيَّة الأعمال المترتبة على الرمي فهل يلزم إعادة تلك الأعمال من جديد ؟
 والجواب:- إن القاعدة وإن اقتضت ذلك ولكن للدليل الخاص نقول بعدم لزوم ذلك.


[1] وهذا من باب الكلام يجر الكلام وهي قضية علميّة نافعة.