39/05/25


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/05/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شمول أدلة الأصول لجميع الاطراف - العلم الاجمالي- مبحث القطع والأمارات والأصول العملية.

شمول أدلة الأصول لجميع الأطراف:-

بعد أن عرفنا أنَّ الشارع عقلاً يمكنه أن يرخص في كلا الطرفين فيقول طبق ( كل شيء لك حلال ) على كل مشكوك ومنه هذا الطرف الأوّل وأيضاً طبقه على الطرف الثاني ، لكن يقع الآن الكلام في مرحلة الوقوع بعد الفراغ عن الامكان ، يعني هل نتمكن بالفعل أن نتمسك بأدلة الأصول مثل ( كل شيء لك حلال ) أو ما شاكله لإثبات جواز ارتكاب الطرف الأوّل وجواز ارتكاب الطرف الثاني ؟

وفرق هذا البحث عن البحث السابق:- هو أنَّ ذاك بحث ثبوتي ، أي هو بحث عن الامكان وعدمه وهو بحث عقلي ، أما هذا البحث فهو أنه بعد الفراغ عن الامكان نبحث عن الوقوع وأنه هل أدلة الأصول تدل بالفعل على الترخيص في كلا الطرفين ويمكن التمسك بها أو لا ؟ ، فهذا البحث مرحلته تأتي بعد الفراغ عن الامكان ، أما إذا شككنا في أصل الامكان فلا تصل النوبة إلى الوقوع.

وفي الجواب نقول:- يمكن أن يقال بعدم جواز ذلك ، ببيان:- إنَّ المناقضة بين الترخيص في كلا الطرفين وبين العلم بوجود الحرام في أحدهما وإن حاولنا رفعها سابقاً وقلنا إنَّ هذه المناقضة هي إما بلحاظ عالم الاعتبار والحكم وهي مندفعة أو بلحاظ عالم الامتثال وهي مرتفعة أو عالم الملاك وهي مرتفعة أو عالم المحركية وهي مرتفعة ، لكن بالتالي هذا الرفع للمناقضة هو رفع عقلي ، فعقلاً يمكن رفع المناقضة والعقل لا يرى المناقضة ، أو بالأحرى هو بحث دقّي ، ولكن يبقى العرف بما هو عرف يرى المناقضة بينهما[1] ، فهذه مناقضة ولنسمّها برؤية عرفية وهي التي كان يشعر بها الأعلام كالشيخ النائيني(قده) حينما قال توجد مناقضة ، فهذه المناقضة صحيحة لكنها عرفية وليست دقية عقلية ، ومادامت هذه المناقضة ثابتة ولو على المستوى العرفي فمثل ( رفع عن أمتي ما لا يعلون ) و ( كل شيء لك حلال حتى تعلم .. ) سوف تكون منصرفة عن حالة العلم الاجمالي ، لأنَّ فهم الألفاظ لا يدور مدار الدقة بل يدور مدار العرف ، ففي فهمنا للألفاظ نرجع إلى العرف لا أننا نرجع إلى الدقة ، فنحن من زاوية الدقة العقلية وإن أثبتنا فيما سبق عدم المناقضة ولكن توجد مناقضة من ناحية الرؤية العرفية ، ومادامت موجودة فإطلاق حديث ( رفع ما لا يعلمون ) أو ( كل شيء لك حلال ) لا يمكن التمسّك به ، فعلى هذا الأساس يكون اطلاق هذه الروايات التي تجوز ارتكاب ما لا يعلم بأنه حرام قاصراً عن الشمول لكلا الطرفين في مورد العلم الاجمالي ، وذلك لما أشرنا إليه من النكتة ، وهي نكتة ظريفة.

نعم تبقى رواية واحدة قد يقال غن فيها اطلاقاً وهي صحيحة عبد الله بن سنان:- ( قال أبو عبد الله عليه السلام:- كل شيء يكون فيه حرام وحلال فهو لك حلال أبداً حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه )[2] ، إنَّ الامام عليه السلام قال ( كل شيء يكون فيه حرام وحلال ) وهذا ينطبق على الشبهة المحصورة ، فإنَّ الاناءين فيهما حلال وحرام ، فهو لك حلال أبداً حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه ، فألفاظها واضحة للشمول لموردنا الذي هو الشبهة المحصورة.

وفيه:- إنَّ ألفاظها كما هي صالحة للانطباق على المورد صالحة للانطباق على الشبهة البدوية وعلى الشبهة غير المحصورة ، ففي الشبهة البدوية يصدق أيضاً أنَّ اللحم فيه حلال وحرام ، فلحم الخنزير حرام ولحم الشاة حلال ، فهذا اللحم الكلّي يكون حلالاً إلى أن تعرف أنَّ هذا اللحم بعينه هو لحم خنزير ، فإذن هذا اللفظ صالح لشمول الشبهة البدوية وصالح أيضاً لشمول الشبهة غير المحصورة ، وفي نفس الوقت هو صالح أيضاً لشمول الشبهة المحصورة ، فهو صالح لشمول الثلاثة ، لكن بعد تلك النكتة العرفية التي أشرنا إليها - وهي أنَّ العرف يرى التناقض في باب الشبهة المحصورة بين الترخيص في كلا الطرفين وبين العلم بوجود الحرام في أحدهما - تجعل هذا الحديث منصرفاً إلى حالتي الشبهة البدوية والشبهة غير المحصورة وإن كان اللفظ في حدّ نفسه صالحاً لشمول الشبهة المحصورة أيضاً لكنَّ ارتكاز المنافاة عرفاً يكون سبباً لانصراف الحديث عن مورد الشبهة المحصورة.

إذن النتيجة النهائية التي انتهينا إليها:- أنه بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية للعلم الاجمالي في الشبهة المحصورة أنه عقلاً يجوز الترخيص في المخالفة القطعية ولكن لا دليل على الوقوع ، وثبوت الامكان بلا وقوعٍ لا يجدي شيئاً فإنَّ المهم أنك تحتاج إلى اثبات الوقوع أما الامكان وحده فلا يكفي.

هذا بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية.

أما وجوب الموافقة القطعية:-

والمقصود هو أنه لو قلنا بأنَّ الترخيص في كلا الاناءين شيء ممكن - كما ذهبنا إليه - فلا يعود مجال للبحث عن وجوب الموافقة القطعية - يعني بترك كلا الطرفين - ، فإذا جوّزنا المخالفة القطعية وقلنا يجوز للشارع أن يرخّص في كلا الاناءين لا يصل الكلام إلى البحث عن وجوب الموافقة القطعية ، لأنه حينما جوّزنا لك شربهما معاً فلا معنى للبحث عن وجوب الموافقة القطعية ، فمثلنا لا معنى لأن يبحث عن وجوب الموافقة القطعية ، وإنما هذا البحث يأتي على مذاق المشهور الذين قالوا بأنَّ الترخيص في كليهما ليس بممكن إما لمحذور التناقض أو غير ذلك ، فنقول لهم إذا كان الترخيص في كليهما ليس بممكن فهل يلزم تركهما معاً أو على الأقل نجوّز ارتكاب واحد من الطرفين ؟ فهل ارتكاب الطرف الواحد هل يجوز أو لا ؟ فإن قلنا يجوز ارتكابه فهذا معناه أنَّ الموافقة القطعية ليست واجبة ، وإن قلنا لا يجوز الترخيص حتى في الطرف الواحد فهذا معناه أنه تجب الموافقة القطعية.

والكلام هنا يقع في أربع بحوث:-

البحث الأوّل:- هل العلم الاجمالي منجّز لوجوب الموافقة القطعية أو لا ؟ يعني هل يجوز الترخيص في الطرف الواحد أو حتى الطرف الواحد لا يجوز الترخيص فيه ؟

البحث الثاني:- إذا قلنا هو منجّز فهل ينجّز بذاته أو ينجّز بسبب تعارض الأصول في الأطراف ؟

البحث الثالث:- إذا كان يقتضي التنجيز بذاته فهل هو علّة تامة لتنجيز الموافقة القطعية أو هو مقتضي[3] ؟

البحث الرابع:- إذا قلنا هو ينجّز بنحو المقتضي لوجوب الموافقة القطعية نبحث بحثاً آخر وهو أنَّه هل يمكن التمسك بأدلة الأصول العملية لإثبات جواز ارتكاب طرفٍ واحدٍ من دون تعيين أو لا يمكن[4] ذلك ؟


[1] يعني المناقضة بين الترخيص في كلا الطرفين وبين حرمة أحدهما.
[3] وهذا بحث في الامكان أنه علة أو هو مقتضي.
[4] وهذا بحث في الوقوع.