34-04-29


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/04/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- إدراك كلا الوقوفين أو أحدهما / الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 استدراكات ثلاثة:-
 الاستدراك الأول:- ذكرنا في الصورة الأولى - أعني إذا لم يدرك المكلف الموقفين لا الاضطراري ولا الاختياري - أنه لا إشكال بالبطلان وتمسكنا لذلك بوجهين الأول مقتضى القاعدة إذ هو لم يأتِ بالجزء والمركب ينعدم بانعدام بعض أجزاءه ، ونستدرك الآن ونقول:- إن هذا هو مقتضى القاعدة الأوّلية - يعني البطلان مطلقاً مادام لم يؤت بجزءٍ إذ بعد فرض الإطلاق لدليل الجزئية فالمناسب هو البطلان عند تخلّف الجزء مهما كان السبب سواء كان ذلك عن عمدٍ أو عن سهوٍ أو غير ذلك.
 ولكن نقول:- إن القاعدة الثانوية من حديث الرفع هو التفصيل بين حالة الجهل وبقيّة الحالات ففي حالة الجهل فالمناسب عند ارتفاع الجهل واتضاح واقع الحال وأنه قد ترك جزءاً هو البطلان أيضاً فتتفق القاعدة الثانوية المستفادة من حديث الرفع مع القاعدة الأوّلية فإن الرفع بلحاظ فقرة ( ما لا يعلمون ) رفع ظاهري - أي أن الحكم الواقعي لم يرتفع من الأساس - وإلّا كان ذلك خلف فرض اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل فالرفع ظاهري مادام الجهل مستمراً فإذا ارتفع الجهل واتضح للمكلف أنه لم يأت بالجزء الذي هو مأمور به فينكشف بأنه لم يأتِ بكامل المركب فيلزم الحكم بالبطلان ولذلك فالمناسب لنا أن لا ننبّه هذا الجاهل حتى يبقى معذوراً لأنه بمجرد انكشاف الحال تجب عليه الإعادة بمقتضى القاعدة الثانويّة إذ لم يأت بالجزء فهذا ليس هو الحج المطلوب فيلزم الإعادة في العام المقبل . إذن تتفق القاعدة الثانوية مع القاعدة الأوّلية.
 وأما بالنسبة إلى الناسي والمضطر وغيرهما فالقاعدة الثانوية تقتضي الإجزاء باعتبار أن الرفع في حق الناسي ونحوه رفع واقعي ولازم ذلك هو أن الجزئية ببركة حديث الرفع لا تشمل الناسي والمضطر وغيرهما من العناوين الأخرى غير الجاهل إذ الرفع رفعاً واقعياً فيكون حديث الرفع حاكماً على الأدلة الأوّلية ، هكذا تعلمنا.
 الاستدراك الثاني:- ذكرنا أن من فاته الموقفان بطل حجّه وعليه التحلّل بعمرة مفردة ، وذكرنا أن طواف النساء ليس واجباً في العمرة المذكورة لأن الروايات لم تشر إلى ذلك وذكرت طواف العمرة والسعي وسكتت عن طواف النساء الأمر الذي يدلّ على أنه ليس بواجب وهذا ما يعبّر عنه بالإطلاق المقامي فيصير هذا مخصِّصاً لما دلَّ على وجوب طواف النساء في العمرة.
 ثم قلنا:- بل يمكن أن نسرِّي الإشكال إلى التقصير باعتبار أنه لم يشر إليه في تلك الروايات وكلمة ( أحلَّ ) الواردة في بعض الروايات مجملة كما ذكرنا.
 والآن نريد أن نستدرك ونقول:- توجد رواية تدل على اعتبار الحلق أو التقصير في هذه العمرة المفردة وهي صحيحة ضريس:- ( سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل خرج متمتعاً بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر ، فقال:- يقيم على إحرامه ويقطع التلبية حتى يدخل مكة فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق رأسه وينصرف إلى أهله إن شاء ) [1] فإنها ذكرت الحلق وقالت ( ويحلق رأسه ) والشخص المذكور لم يدرك الموقفين والحج والإمام عليه السلام قد أمره بالتحلّل بالطواف والسعي الحلق فطواف النساء لم يشر إليه وأما الحلق فقد أشير إليه ، وعلى هذا الأساس نتمسك بهذه الرواية لإثبات وجوب الحلق ، نعم نرفع اليد عن خصوصية الحلق باعتبار الجزم من الخارج بعدم الفرق بين الحلق وبين التقصير في العمرة المفردة ، نعم في عمرة التمتع يتعين التقصير وأما في العمرة المفردة فالمكلف بالخيار ، هكذا يقال.
 والجواب:- إن محل كلامنا هو فيما إذا فرض أن المكلف أتى بأعمال الحج كعمرة التمتع مثلاً وبعد ذلك فاته الموقفان حينما أحرم للحج وهنا نقول هل يلزم للتحلل التقصير أو لا يلزم ؟ بينما المفروض في هذه الرواية هو أن المكلف وصل في اليوم العاشر وهذا من البداية لا ينعقد حج التمتع بالنسبة إليه فإن عمرة التمتع لا يمكن تحققها وفات وقتها آنذاك فهو من البداية يكون الحج قد فات في حقه لا أنه فات بعد أداء بعض أعماله ، وعلى هذا الأساس هو من البداية يكون مأموراً بالعمرة المفردة فلا يكون شاملاً لمثل مقامنا الذي أتى فيه بعمرة التمتع مثلاً ولم يتمكن من أن يأتي بعد ذلك ببقية أعمال الحج . إذن قياس موردنا على مورد هذه الرواية لا معنى له وهي خارجة عن محلّ الكلام.
 الاستدراك الثالث:- ذكرنا فيما سبق صحيحة حريز وقلنا إن الوارد فيها:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلٍ مفردٍ للحج فاته الموقفان جميعاً فقال له:- إلى طلوع الشمس يوم النحر ؟ فإن طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل ) فإن الفقرة الأولى أعني ( فقال له إلى:- طلوع الشمس إلى من يوم النحر) قد تقرأ بالشكل المذكور يعني ( فقال له:- إلى طلوع الشمس من يوم النحر ) وبناءً على هذا تكون العبارة ركيكة إذ لا معنى لأن يقول الإمام عليه السلام ( إلى طلوع الشمس من يوم النحر ) فهذا أشبه بالمبتدأ بلا خبر ، ولكن يمكن أن نقرأ هذه العبارة بشكلٍ آخر وهو هكذا ( فقال:- له إلى طلوع الشمس من يوم النحر ) أي له سعة ومجال إلى طلوع الشمس من يوم النحر - يعني أن هناك امتداد في حقه فإذا وصل إلى المشعر إلى طلوع الشمس من يوم النحر فقد أدرك الحج فإن طلعت الشمس .... الخ - إنه بناءً على هذا لا يكون هناك إرباك في العبارة ، فالمناسب إذن أن تقرأ العبارة بالشكل المذكور وتوضع النقطتين مع الشارحة بعد كلمة ( فقال ) لا بعد جملة ( فقال له ).
 
 
 
 قال(قده):-
 الثالثة:- أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات والاختياري في المزدلفة ففي هاتين الصورتين يصح حجّه بلا إشكال.
 ..........................................................................................................وفي هذه الصورة نفترض عكس الصورة السابقة ففي السابقة كنا نفترض أن المكلف قد أدرك اختياري عرفة واضطراري المشعر وهنا الأمر بالعكس فإنه أدرك اضطراري عرفة واختياري المشعر وقد حكم الفقهاء بالإجزاء دون اختلاف ، قال المحقق في الشرائع:- ( الثالثة:- من نسي الوقوف بعرفة رجع فوقف بها ولو إلى طلوع الفجر من يوم النحر إذا عرف أنه يدرك المشعر قبل طلوع الشمس ) ، وهنا علّق صاحب المدارك بقوله:- ( وهو موضع وفاق ) [2] ، وهكذا علّق في الجواهر بقوله:- ( بلا خلاف ولا إشكال ) [3] ، والمستند للإجزاء بعض الروايات:-
 من قبيل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله في سفر فإذا شيخ كبير فقال:- يا رسول الله ما تقول في رجل أدرك الإمام بجمع ؟ فقال له:- إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف قليلاً ثم يدرك جمعاً قبل طلوع الشمس فليأتها وإن ظن أنه لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمعٍ فلا يأتها وقد تمّ حجّه ) [4] فإنه صلى الله عليه وآله حكم بأنه إن ظن إمكان الذهاب إلى عرفات - وواضح أن المقصود من ( بعد أن أفاض الناس من عرفات ) إذ قد فرض أن إمام الحاج كان بجمعٍ وهذا يعني أن الناس قد أفاضوا من عرفات - والوقوف بها قليلاً وهذا عبارة عن الموقف الاضطراري ثم يأتي ويدرك المشعر قبل طلوع الشمس وهذا هو الموقف الاختياري للمشعر فحكم صلى الله عليه وآله بأن يفعل ذلك وبالتالي يكون حجّه مجزياً وهذا هو المطلوب.
 ومن قبيل صحيحة الحلبي:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي بعدما يفيض الناس من عرفات ، فقال:- إن كان في مهل [5] حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتمّ حجّه حتى يأتي عرفات .... ) [6] فإنها أيضاً دلت بوضوح على لزوم الذهاب إلى عرفات بعدما أفاض الناس - أي ليلاً - ثم يأتي إلى المشعر قبل أن يفيض الناس - أي يقف الموقف الاختياري - وقد حكم عليه السلام بالإجزاء وهذا هو المطلوب.
 وكذلك يمكن التمسك بصحيحةٍ أخرى لمعاوية بن عمار :- ( عن أبي عبد الله عليه السلام:- من أدرك جمعاً فقد أدرك الحج ) [7] فإنه بمقتضى إطلاقها أن من أدرك المشعر فقد أدرك الحج حتى في حالة إدراك الاضطراري لعرفات وبذلك يثبت المطلوب.


[1] الوسائل ج14 ص49 ب27 من أبواب الوقوف بالمشعر ح2.
[2] المدارك ج7 ص404.
[3] الجواهر ج19 ص37.
[4] الوسائل ج14 ص37 ب22 من أبواب الوقوف بالمشعر ح4.
[5] أي تعب.
[6] المصدر السابق ح2.
[7] الوسائل ج14 ص45 ب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر ح2.