36/06/28


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, فصل لا بأس للصائم بمص الخاتم أو الحصى، ولا بمضغ الطعام للصبي، ولا بزق الطائر، ولا بذوق المرق ونحو ذلك.....) مسألة 1
قال السيد الماتن ( مسألة 1 ) : إذا امتزج بريقه دم واستهلك فيه يجوز بلعه على الأقوى، وكذا غير الدم من المحرمات والمحللات[1]، والظاهر عدم جواز تعمد المزج والاستهلاك للبلع[2]، سواء كان مثل الدم ونحوه من المحرمات أو الماء ونحوه من المحللات، فما ذكرنا من الجواز إنما هو إذا كان ذلك على وجه الاتفاق)
أي لا بأس بحصول ذلك _الامتزاج والبلع_ اتفاقاً لكنه لا يجوز عمداً, لأن الرواية _صحيح محمد بن مسلم_ توجب اجتناب ذلك.
وجواز بلع الدم الذي استهلك بالريق _بقطع النظر عن مسألة الاتفاق والتعمد_ واضح لعدم بقاء موضوع ليقال بأنه يحرم بلعه, فلا فرق بين ابتلاع الريق قبل استهلاك الدم فيه وبعده, ولا دليل يمنع من ابتلاعه لأنه غير مشمول للدليل الذي يمنع من اكل الدم وغيره من العناوين المحرمة.
ولعل تعبير السيد الماتن ب(على الأقوى) في مقابل احتمال أن يقال لا يجوز ابتلاع الريق بالرغم من الاستهلاك لأنه تنجس بملاقاة النجس (الدم), لكن هذا الاحتمال مبني على أن الريق يتنجس بملاقاة الدم وهو غير تام, وان كان هناك رأي يذهب إلى أن الريق يتنجس اذا كانت النجاسة من الخارج, وعليه فأن هذا الاحتمال يتوقف على افتراض أن الدم من الخارج وان الريق يتنجس بملاقاته, ويتوقف على أن تطهيره لابد أن يكون بمضمضة وامثالها, ولا يكفي في ذلك زوال عين النجاسة وهو ايضاً غير تام, لأن الظاهر أنه يكفي في التطهير زوال عين النجاسة ولو بالاستهلاك.
ثم قال (قد) (فما ذكرنا من الجواز إنما هو إذا كان ذلك على وجه الاتفاق) وقد وافقه السيد الخوئي (قد) على ذلك فقال:
(لما تقدم في العلك من أن هذا وإن لم يصدق عليه الأكل أو الشرب لفرض الاستهلاك إلا أن التكليف غير مقصور على المنع عن الأكل والشرب، بل الصائم مكلف بمقتضى قوله : لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب . الخ بالاجتناب عن الطعام والشراب ومعنى الاجتناب أن يكون على جانب منه وبعيدا عنه، ومن الواضح أن المتعمد المزبور غير مجتنب عن ذلك فإن من جعل الماء في فيه قطرة فقطرة فمزجه بريقه حتى استهلك فبلع وكذا السكر ونحوه بحيث أوصل إلى جوفه كمية من الطعام أو الشراب ولو تدريجا يصح أن يقال عرفا أنه لم يجتنب عن الطعام والشراب وإن لم يصدق عليه الأكل والشرب، فلم يصدر منه الصوم المأمور به . فما ذكره ( قده ) من التفرقة بين الاستهلاك الاتفاقي فيجوز، وما كان مقصودا من الأول فلا يجوز هو الصحيح حسبما عرفت وجهه)[3]
ذكرنا أن السيد الخوئي (قد) يكرر مطلب الاجتناب مراراً, وكأنه يفهم أن الاجتناب عن الطعام له مفهوم غير اجتناب الاكل, والحقيقة إنهما واحد, فأجتناب الطعام يعني اجتناب الاكل عرفاً, واجتنب الطعام يعني لا تأكل واجتنب الشراب يعني لا تشرب, ولا يفهم من اجتناب الطعام مفهوم اوسع من ترك الاكل بحيث أنه توجد موارد لا يصدق عليها الاكل ويصدق عليها عدم الاجتناب, فأجتنب الطعام كما في صحيحة محمد بن مسلم هي عبارة اخرى_ كما يفهم عرفاً_ عن ترك الاكل, وقد اعترف (قد) بأن التفصيل يكون تاماً عندما يكون الواجب هو ترك الاكل, لكنه قال أن الواجب ليس ترك الاكل وإنما هو اجتناب الطعام, ونحن نقول بأن اجتناب الطعام هو عبارة عن ترك الاكل, فالواجب هو ترك الاكل, والاكل في محل الكلام لا يصدق اذا كانت الذرات مستهلكة.
نعم قد نتوقف في المثال الذي ذكره السيد الخوئي (قد) (فلو فرضنا أن الصائم أخذ من السكر مقدارا يسيرا كحبة مثلا فمزجه بريقه إلى أن استهلك ثم أخذ حبة أخرى وهكذا إلى أن استكمل مثقالا من السكر طول النهار على سبيل التدريج بحيث أمكنه ايصال المثقال في جوفه ولكن على النهج المزبور) لكن ليس بأعتبار صدق الاكل عليه وإنما بأعتبار المناط على ما تقدم سابقاً, بأننا نحتمل احتمالاً معتداً به أن النهي عن الاكل ليس لخصوصية لعنوان الاكل في قبال ادخال الطعام من طريق آخر, وإنما الغرض منه هو ما يترتب عليه من حالة الشبع او ما شابه ذلك, فأن ذلك اذا تحقق بطريق آخر غير الاكل فأنا نتوقف فيه على نحو الاحتياط, كما تقدم سابقاً في نظائره كالمغذي وامثاله.
وكل ذلك في ما لو كانت الكمية التي تناولها من السكر مثلاً كثيرة, كما مثل السيد الخوئي (قد) , أما لو تناول ذرة واحدة من السكر خصوصاً من دون قصد ثم استهلكت في الريق وابتلعها فأنه لا يضر بالصوم.
هناك وجه آخر قد يُذكر لتأييد السيد الماتن في (أنه في صورة العمد لا نجوز ابتلاع الريق الذي استهلكت فيه ذرة من الماء أو الدم ) وحاصل هذا الوجه هو أن يقال: أن نمنع منه من جهة قصد المفطر, لأن الكلام في حالة التعمد أي أنه تعمد أن يضع في فمه مقداراً قليلاً من الماء أو الدم ثم يتعمد بلعه بعد استهلاكه في الريق, وحينئذ يكون قاصداً للمفطر (الممزوج من الدم والريق) وتقدم أن قصد المفطر مفسد للصوم _لأستلزامه الاخلال بالنية _وان لم يستوجب الكفارة.
فيفرق بين الاتفاق وعدم التعمد حيث لا قصد للمفطر وبين صورة التعمد لتحقق قصد المفطر الموجب لبطلان الصوم وفساده.
والظاهر امكان الخدشة في هذا الوجه بأعتبار أن الاكل لا يصدق على ابتلاع الريق بعد فرض الاستهلاك _حسب الفرض_ وهذا يعني أن ابتلاع الريق بعد الاستهلاك ليس مفطراً, ومنه يكون قصده _ قصد ابتلاع الريق بعد الاستهلاك_ ليس قصداً للمفطر, فلماذا يكون صومه باطلاً؟؟
فأن زمان القصد وان كان متقدماً على زمان الاستهلاك, بل قد يكون متقدماً حتى على وضع ذلك الشيء في الريق لكن ما يقصده (ابتلاع الريق بعد الاستهلاك) ليس مفطراً, والذي يوجب بطلان الصوم والاخلال بالنية هو قصد ما كان مفطراً.
ومنه يظهر أن كلا التوجيهين لفتوى السيد الماتن ليسا واضحين انصافاً, ومن هنا ينبغي _والله العالم_ أن تكون النتيجة هي عدم الفرق بين الحالتين ويجوز ابتلاع الريق بعد الاستهلاك سواء كان حاصلاً اتفاقاً أم عمداً, نعم نستثني الحالة التي اشرنا إليها سابقاً.
وهي حالة ما اذا كان يستعمل هذا الأمر كثيراً وكانت النتيجة مثلاً أنه ابتلع خلال النهار نصف استكان من الماء, فأن هذا وان كان بحسب الصناعة لا يوجد ما يمنع منه, ومع الشك يمكن اجراء البراءة لنفي التحريم واثبات الجواز.
الا أنه مع ذلك لا نقبله, لأنه يكون مشكلاً بأعتبار المناط, والتحايل على الشارع والوصول إلى الاغراض التي نهى الشارع عن الوصول اليها بطريق آخر غير الطرق المتعارفة, فلا نقبل ذلك ولو على مستوى الاحتياط الوجوبي.
قال السيد الماتن
(فصل يكره للصائم أمور
أحدها: مباشرة النساء لمسا وتقبيلا وملاعبة خصوصا لمن تتحرك شهوته بذلك بشرط أن لا يقصد الانزال ولا كان من عادته وإلا حرم إذا كان في الصوم الواجب المعين)
وقد تقدم الكلام عن ذلك وانتهينا فيه إلى الحكم بالكراهة, لكن مع التفاوت في درجاتها بالنسبة إلى احوال الصائمين, هذا مع عدم قصد الانزال وان لم يكن من عادته, والا حرم كما قال السيد الماتن(حرم إذا كان في الصوم الواجب المعين) لأن الصوم الواجب المعين يحرم ابطاله, وكذلك اذا كان قضاءً مضيقاً لأنه يمكن ادخاله بمعنى من المعاني في الواجب المعين وان كان اصطلاحاً ليس كذلك الا أن الملاك موجود فيه.
وقد تقدم بحث هذا المطلب سابقاً في باب الاستمناء في مسألة 18 وانتهينا إلى هذه النتيجة (الالتزام بالتحريم في كلتا الحالتين: قصد الانزال أو اذا كان من عادته) بل هناك من الفقهاء من التزم بالتحريم حتى مع احتمال الانزال حتى وان كان من دون قصد له ولم يكن من عادته ذلك.







[1] كالماء مثلاً الذي هو محلل بالأصل أما الدم فهو محرم بالأصل ثم يحرم لكونه مفطراً فيكون محرماً من جهتين.
[2] تقدم الكلام في هذه المسألة وهي التي ناقش فيها السيد الخوئي (قد) ومنعها لأن الدليل ورد بعنوان الاجتناب وهو يصدق عليها.