39/03/23


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/03/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- حكم مجهول المالك - مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.

الفرع الخامس:- هل يجوز التصدق على الهاشمي ؟

إذا فرض أننا بينا في فكرة مجهول المالك على وجوب التصدّق دون الايصاء والحفظ فيأتي هذا السؤال: وهو أنَّ هذا التصدّق هل يجوز على الهاشمي[1] أو لا ؟

والجواب:- تعرّض الشيخ الأعظم(قده) إلى هذا الفرع وذكر وجود احتمالين:-

الأوّل:- إنه يجوز ، لأنَّ هذه الصدقة مستحبة وليست واجبة والمستحبة تجوز على الهاشمي ، أما لماذا هي مستحبة ؟ لأنَّ واجد مجهول المالك يدفعه نيابةً عن المالك ، والمالك لا يجب عليه أن يتصدق بأمواله ، فإذا كان التصدّق واجباً فهو واجب على من عثر على مجهول المالك لا على المالك ، فمن هذه الزاوية يمكن أن يقال يجوز دفعها إلى الهاشمي.

الثاني:- يجتمل أنها صدقة واجبة فلا يجوز دفعها إلى الهاشمي ، باعتبار أنَّ الشرع قد وجّه الأمر إلى الواجد ، فبهذا الاعتبار صار هذا التصدّق من زاوية الواجد واجباً ، فهو تصدّق بأمر الشرع وليس بأمر المالك حتى يقال مادام بأمر المالك وهو لا يجب عليه فتصير هذه صدقة مستحبة ، ونصّ عبارته:- ( وفي جواز اعطائها للهاشمي قولان من أنها صدقة مندوبة على المالك وإن وجبت على من هي بيده إلا أنه نائب كالوكيل والوصي ، ومن أنها مال تعيّن صرفه بحكم الشارع لا بأمر المالك حتى تكون مندوبة )[2] .

والاشكال على ما أفاده واضح:- فإنه مبنيّ على أنَّ كل صدقة واجبة لا يجوز دفعها إلى الهاشمي وأخذ الهاشمي لها ، والحال أنه يمكن أن يقال: إنَّ الصدقة التي لا تجوز على الهاشمي هي الصدقة الواجبة بمعنى الزكاة المفروضة فقط ، وإن لم نقل بهذا بضرس قاطع فلا أقل من كونه احتمالا وجيهاً ، والحال أنه أكثر من احتمال وجيه حيث توجد بعض الروايات الدالة على أنَّ الصدقة المحرّمة على الهاشمي هي فريصة الزكاة فقط لا غير ، وبعد وجود هذه الرواية كيف يقول الشيخ إنَّ مطلق الزكاة تحرم عليه ؟!

وقد يقول قائل:- يوجد طريق لإثبات جواز دفعها إلى الهاشمي غير مسألة أنَّ الصدقة المحرّمة هو الزكاة المفروضة فقط ، وهو أنه ورد في بعض الروايات ، من قبيل رواية دود بن أبي يزيد المتقدمة عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( رجل إني قد أصبت مالاً وإني قد خفت فيه على نفسي ..... فقال:- فاذهب فاقسمه في اخوانك ) ، وكلمة ( اخوانك ) مطلقة تشمل الهاشمي أيضاً ، فيثبت بهذه الرواية جواز دفع مجهول المالك إلى الهاشمي.

والجواب:- إننا إذا لم نعالج المشكلة من تلك الجهة فهذا الطريق لا ينفعنا ، وأقصد بالمشكلة هي أنَّ الصدقة المحرّمة على الهاشمي هل هي مطلق الصدقة الواجبة أو لا ؟ فإذا فرضنا وجود اطلاق[3] فحينئذٍ تكون النسبة بين هذا الدليل المحرِّم وبين رواية داود بن يزيد هي العموم والخصوص من وجه ، ومادة المعارضة التصدّق بمجهول المالك على الهاشمي فيتساقطان ، وبعد التساقط لا يعود لدينا شيء لنثبت به جواز دفع مجهول المالك إلى الهاشمي ، فأنت تمسكت برواية داود بن يزيد وهي سقطت بالمعارضة.

أما كيف أنَّ النسبة هي العموم من وجه ؟

المفروض أنَّ الدليل الأوّل الذي يقول إنَّ الصدقة الواجبة تحرم على الهاشمي[4] فهذه هي مادة لخصوص ، وأما مادة العموم فهي أنه سواء كان مجهول المالك أو غير مجهول المالك ، فجهة العموم هي أنَّ الصدقة الواجبة تشمل مجهول المالك وغير مجهول المالك ، وجهة الخصوص هي ( تحرم على الهاشمي ) ، هذا بالنسبة إلى العموم الأوّل الذي افترض الشيخ الأنصاري أنه موجود ، بينما هذه الرواية قالت ( اذهب فاقسمه بين اخوانك ) هي خاصة بمجهول المالك فإن موردها هو مجهول المالك ، فجهة العموم هناك كانت هي أنه يشمل مجهول المالك وغير مجهول المالك ، وفي هذه الرواية صارت جهة خصوص ، فرواية ( فاقسمه ) خاصة بمجهول المالك لكنها عامة من حيث الهاشمي وغير الهاشمي ، فيتعارضان في مجهول المالك إذا دفع إلى الهاشمي فيتساقطان ، فإذن لا يوجد عندنا ما يثبت أنه يجوز دفع مجهول المالك إلى الهاشمي لأنه سقط بالمعارضة ، فإذن نحن مضطرون ولابد أن نخدش ذلك العموم الذي فهمه الشيخ الأعظم(قده)[5] وإلا فالأمر كما أفاد هو(قده) فحينئذٍ لا يجوز ، ولا يجوز التمسك بإطلاق ( اذهب فاقسمه بين اخوانك ) لأن النسبة كما قلنا تصير هي العموم والخصوص من وجه ويسقط بالعارضة.

فالصحيح إذن أن نقول: لا يوجد لدينا ما يدل على عدم الجواز مطلقاً ، وإذا فرض أنه موجودٌ فهو مقيّد بخصوص الزكاة الواجبة.

وقبل أن نقرأ الرواية نلتف النظر إلى شيء:- هو أن نقول المناسب أنَّ المحرّم على الهاشمي هو الزكاة الواجبة المفروضة لا مطلق الصدقة الواجبة.

ويوجد شيء ثانٍ ربما يضاف:- وهو ما يوجب الاهانة والإذلال ، كما لو كان هناك شخص هاشمي وأنا أعطيه فلساً وكان رجلاً محترماً فهذا يكون إذلالاً واهانةً له فحينئذٍ يكون محرّماً.

ولكن عدّ هذا محّرما ًعلى خصوص الهاشمي محلّ تأملّ ، فإن هذا لا يجوز حتى بلحاظ غير الهاشمي فإنه لا يجوز ذلك أيضاً حتى في المؤمن العادي ، فالمناسب أن لا نقول كما ربما توحي به بعض الكلمات من أنَّ المحرّم على الهاشمي أمران هما الصدقة بمعنى الزكاة الواجبة وما يوجب الاهانة ، فإنَّ ما يوجب الاهانة لا يختصّ به بل يعم حتى غير الهاشمي ، وهذا ليس بمهم ، إنما المهم الذي نريد التركيز عليه هو أنَّ المحرّم هو الصدقة الواجبة بمعنى الزكاة المفروضة ، وذلك للرواية الدالة على ذلك ، وهي:- الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد عن حماد بن عثمان عن اسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم ما هي ؟ فقال:- هي الزكاة ن قلت: فتحلّ صدقة بعضهم على بعض ؟ قال: نعم )[6] .

دلالتها واضحة ، فإنها في مقام السؤال حيث قال ( ما هي الصدقة المحرّمة ) والامام عليه السلام حصرها بالزكاة.

نعم إذا كانت هناك مشكلة فهي في السند ، لأنَّ القاسم بن محمد الوارد هنا لم يثبت في حقه توثيق ، لكن ما يهّون الخطب أنَّ الحرّ العاملي قال بعد ذلك ( وراه الكليني عن حميد بن زياد[7] عن ابن سماعة عن غير واحد عن أبان بن عثمان عن اسماعيل بن الفضل مثله ) ، وقلنا إنه لا مشكلة في هذا السند إلا من ناحية تعبير ( غير واحد ) أو من ناحية أبان[8] ، أما أبان فقد ادّعى الكشي اجماع العصابة على تصحيح ما ورد عن جماعة منهم أبان ، فإذن لا مشكلة من هذه الناحية ، وما بالنسبة إلى تعبير ( غير واحد ) فقد قلنا مراراً إنَّ هذا التعبير إما أن نفهم أنَّ المقصود منه المعروف والمشهور كما لاحظت ذلك في بعض كلما السيد الخوئي(قده) القديمة وإن لم أسمعه منه في مجلس درسه مرة أبداً حيث قال: إنَّ تعبير ( غير واحد ) يعني كما نقول نحن ( إنَّ هذا معروف مشهور عند الناس ) فتعبير ( غير واحد ) لا بمعنى أثنين أو ثلاثة أو أربعة وإنما مائة أو مائتين مثلاً فهو مشهور فتعبير ( غير واحد ) كناية عن جماعة كثيرة جداً تروي هذا ، وإذا قلنا هكذا فالأمر يصير واضحاً ، وأما إذا لم نصعّد بهذا الشكل فلا أقل هم ثلاث فما فوق واحتمال اجتماع ثلاثة في هكذا حكم بعيدٌ فيحصل الاطمئنان من هذه الناحية.

فإذن الرواية تامة الدلالة والسند.

وتوجد رواية ثانية نذكرها من باب المؤيد لوجود ضعفٍ في سندها ، وهي أنه روى الشيخ الطوسي أيضاً بإسناده عن سعد بن عبد الله عن موسى بن الحسن عن محمد بن عبد الحميد عن المفضّل بن صالح عن أبي أسامة زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( سألته عن الصدقة التي حرّمت عليهم ، فقال: هي الزكاة المفروضة ولم يحرّم علينا صدقة بعضنا على بعض )[9] .

ودلالتها واضحة ، ولعلّها اوضح من الرواية السابقة ، حيث أكد وقال ( الزكاة المفروضة ) ، فهو وصفها بالمفروضة ، أما تلك الرواية فالوارد فيها هو تعبير ( زكاة ) ، فدلالة هذه تكون واضحة جداً.

إلا أنه توجد مشكلة في سندها:- فإنَّ الشيخ رواها بإسناده عن سعد بن عبد الله الأشعري القمّي وهو من أجلة أصحابنا وطريق الشيخ إلية معتبر ، أما موسى بن الحسن فهو ابن عامر وهو ثقة ، إنما المشكلة في محمد بن عبد الحميد والمفضل بن صالح ، والمفضل لم يرد في حقّه توثيق وربما قيل بأنه ورد في حقه تضعيف ، وأما محمد بن عبد الحميد فإذا رجعنا إلى النجاشي وجدنا أنه يذكر عبارة مجملة في حقه وهي ( محمد بن عبد الحميد بن سالم العطار أبو جعفر روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى وكان ثقةً من أصحابنا الكوفيين له كتاب ) ، وعبد الحميد هو الأب ، فالنجاشي جاء بعبارة ( روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى وكان ثقة ) ، فعبارة ( وكان ثقة ) هل ترجع إلى محمد الذي كان الكلام عنه فتثبت وثاقة أو أنها ترجع إلى عبد الحميد ؟ أنا أرى أنها مردّدة ، وقد يستظهر البعض أنها ترجع إلى عبد الحميد فإنها جملة فعلية وهي تعطف على جملة فعلية ، والجملة الفعلية هي ( روى عبد الحميد عن أبي الحسن وكان ثقة ) فيلزم أن ترجع جملة ( وكان ثقة ) إلى عبد الحميد ، فإذا لم تقل إنَّ التوثيق ظاهر في الرجوع إلى عبد الحميد الأب فلا أقل من التردّد.

ولو قيل:- إنَّ الترجمة هي لمحمد فالمناسب أن يكون التوثيق في حقه.

قلت:- هذا صحيح ، ولكن بما أن هذه جملة فعلية فتعطف على جملة فعلية فيكون التوثيق للأب ، فتصير كلّ هذه جملة معترضة وإنما يريد أن يشرع في الكلام عن محمد من جملة ( له كتاب... ) ، وقد أصرّ السيد الخوئي(قده) على هذا.

وتوجد رواية الثالثة وهي:- الكليني عن محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صوفان بن يحيى عن عبد الرحمن بن الحجاج عن جعفر بن إبراهيم الهاشمي عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( قلت له أتحل الصدقة لبني هاشم ؟ فقال: إنما تحلّ الصدقة الواجبة على الناس ولا تحلّ لنا فأما غير ذلك فليس به بأس ولو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة ، هذه المياه عامتها صدقة )[10] .

وهذه الرواية الوارد فيها أنَّ المحرّم هو الصدقة الواجبة ، ولعلّ الشيخ الأعظم(قده) ومن ذهب إلى ذلك استند إلى هذه الرواية فإنَّ الصدقة الواجبة تعم كل صدقة.

ولكن الايراد عليهم واضح حيث يقال:- إنَّ ذلك مطلق فنقيد هذا الاطلاق ، فإن لم نقل إنَّ الصدقة الواجبة منصرفة إلى الزكاة الواجبة فلا أقل يوجد اطلاق ولكن يوجد مقيّد فيقيد هذا الاطلاق ، وسوف تصير النتيجة هي أنَّ الصدقة المحرّمة على الهاشمي هي الزكاة المفروضة فقط.

هذا مضافاً إلى أنَّ سند الرواية ضعيف من ناحية جعفر بن إبراهيم الهاشمي فإنه لم تثبت وثاقته.

وسوف تصير النتيجة:- هي أنه يجوز دفع مجهول المالك بنحو الصدقة إلى الهاشمي.


[1] فيما إذا فرض أنَّ الدافع لم يكن هاشمياً.
[3] كما فهم الشيخ الانصاري هذا الشيء لأنه كأنه فهم أنه يوجد اطلاق وإنَّ مطلق الصدقة الواجبة لا تجوز على الهاشمي.
[4] لنفترض هذا كما افترض الشيخ هذا.
[5] وهو أن كل صدقة واجبة لا يجوز دفعها إلى الهاشمي.
[7] وحميد بن زياد يروي عنه الكليني كثيراً وهو من اهل نينوى وهو ثقة.
[8] أما اسماعيل بن الفضل موثق، وكذلك الحسن بن سماعة موثق ايضاً، وحميد بن زياد لا مشكلة فيه.