36/06/23


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, فصل لا بأس للصائم بمص الخاتم أو الحصى، ولا بمضغ الطعام للصبي، ولا بزق الطائر، ولا بذوق المرق ونحو ذلك.....)
قال الماتن (وكذا لا بأس بجلوسه في الماء ما لم يرتمس رجلا كان أو امرأة وإن كان يكره لها ذلك)[1]
ولا خلاف في جواز جلوس الرجل في الماء وتدل عليه النصوص المعتبرة الكثيرة منها:
صحيحة محمد بن مسلم ( عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : الصائم يستنقع في الماء، ويصب على رأسه، ويتبرد بالثوب، وينضح بالمروحة، وينضح البوريا تحته، ولا يغمس رأسه في الماء)[2]
رواية الحسن بن راشد (قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : الحائض، تقضي الصلاة ؟ قال : لا، قلت : تقضي الصوم ؟ قال : نعم، قلت : من أين جاء ذا ؟ قال : إن أول من قاس إبليس، قلت : والصائم يستنقع في الماء ؟ قال : نعم، قلت : فيبل ثوبا على جسده ؟ قال : لا، قلت : من أين جاء ذا ؟ قال : من ذاك... الحديث)[3] والرواية صريحة في جواز استنقاع الرجل الصائم في الماء.
معتبرة حنّان بن سدير( أنه سأل أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الصائم، يستنقع في الماء ؟ قال : لا بأس، ولكن لا ينغمس، والمرأة لا تستنقع في الماء لانها تحمل الماء بقبلها)[4]
صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : الصائم يستنقع في الماء ولا يرمس رأسه)[5]
وهذه الروايات صريحة في الجواز ولا اشكال في أن القدر المتيقن من هذه الادلة هو الرجل, أما المرأة فأن المشهور أن حكمها كحكم الرجل, خلافاً للحلبي الذي ذهب إلى وجوب القضاء عليها اذا جلست في الماء وهذا يعني الحكم بالمبطلية, وخلافاً للقاضي وابن زهرة الذين ذهبا إلى وجوب القضاء و الكفارة.
والدليل على الجواز بالنسبة إلى المرأة _ وان لم يرد بعنوان المرأة الصائمة وما شابهه ذلك _ اطلاق هذه الروايات, فأن التعبير بمثل الصائم لا يراد به خصوص الذكر, وإنما يراد به ما يشمل الذكر والانثى.
لكن توجد رواية معاكسة في خصوص المرأة قد يستدل بها على عدم الجواز بالنسبة اليها, وهي مدرك من ذهب إلى المنع كالقاضي وغيره, والرواية هي معتبرة حنّان بن سدير التي قال فيها (والمرأة لا تستنقع في الماء لانها تحمل الماء بقبلها) والرواية تامة سنداً فأنها يرويها الشيخ الصدوق بسنده عن حنّان بن سدير وحنّان منصوص على وثاقته _ ولا يؤثر كونه واقفياً_ وطريق الشيخ الصدوق إليه صحيح, نعم هناك محاولة لأسقاطها عن الحجية بأعتبار اعراض المشهور عنها, لأنه ذهب إلى أن المرأة كالرجل في جواز استنقاعها في الماء وهذه الرواية ظاهرة في عدم الجواز, لكن هذه الدعوى غير تامة (دعوى اعراض المشهور) لأنه هناك تشكيك في اصل دلالة الرواية على المفطرية والتحريم المستلزم لها, فلعل المشهور التزم بالجواز للمرأة لعدم فهمه التحريم منها _ لا لأعراضه عنها_ لأنه فهم الكراهة منها, وهذا لا يكون اعراضاً عنها بل عملاً بها, إذن الرواية تامة سنداً, وقد حمل جماعة دلالتها على الكراهة وقالوا بأنها ليس لها ظهور في التحريم وليس لها ظهور بالمفطرية وذلك بقرينة التعليل, لأن التعليل ظاهر في أن نفس الاستنقاع ليس قادحاً بالصوم وإنما يقدح به بأعتبار اللازم (حمل الماء بقبلها) فلو فرضنا انها استنقعت في الماء من دون ذلك فأنه لا يكون موجباً للمفطرية, ومن هنا يكون النهي عن الاستنقاع بأعتبار احتمال هذا المحذور فيه, هذا ما ذكروه.
لكن هذا لا يوجب الحمل على الكراهة, وذلك لأنه لا ضير بالالتزام بظاهر الرواية _التحريم_ فأنها ظاهرة في التحريم على غرار لا يرتمس الصائم في الماء, فلنلتزم بالتحريم بأعتبار أن هناك ملازمة عادية غالبية بين استنقاع المرأة في الماء وبين حمل الماء بقبلها.
نعم المشكلة في الرواية هي أن التعليل غير واضح, فأن حمل الماء بقبلها ليس من المفطرات لأنه لا يصدق عليه احد العناوين المطروحة, فهو ليس بأكل ولا شرب ولا احتقان, فهو ليس من المفطرات بالاتفاق, ومن هنا لابد من حمله على شيء من الكراهة والحزازة (التي نجهل ملاكها).
ومن هنا لا يمكن الالتزام بالتحريم, واحسن حمل لها كما ذكر الفقهاء هو حملها على التنزه عن ذلك الشيء لعدم كونه مناسباً للصوم أو ما شابه ذلك, فيكون جائزاً لها لكنه مكروه كما ذكر السيد الماتن.
ذكر السيد الخوئي (قد) قرينة اخرى على حمل الراية على الكراهة غير مسألة التعليل (أحدهما إن هذه المسألة كثيرة الدوران ومحل الابتلاء غالبا لأكثر النساء فلو كان الاستنقاع مفطرا لهن لاشتهر وبان وشاع وذاع وكان من الواضحات فكيف ذهب المشهور إلى الخلاف، بل لم ينسب القول بذلك لغير أبي الصلاح وابن البراج كما عرفت)[6].
اقول: أن كون المسألة_ استنقاع المرأة _ محل ابتلاء اكثر النساء غير واضح, لأن الظاهر _ وان لم تساعد اللغة على ذلك_ المقصود بالاستنقاع الوارد في الروايات هو ما مأخوذ فيه الجلوس في الماء, ولذا السيد والماتن وغيره من الفقهاء لم يعبروا بالاستنقاع وإنما عبروا بجلوس الرجل في الماء وجلوس المرأة في الماء, ولعل الوقوف في الماء قد لا يصدق عليه الاستنقاع, وبناء على ذلك_ اخذ الجلوس في الاستنقاع_ لا يكون عام البلوى بالنسبة إلى اكثر النساء خصوصاً في ذلك الزمان, بل حتى على القول بأن الجلوس غير مأخوذ فيه, وان كان التعليل يساعد على كون الجلوس مأخوذاً فيه لأن الحمل بالقبل يكون عادة عندما تجلس في الماء لا في ما اذا كانت واقفة أو تمشي في الماء, وعلى كل حال فإذا اخذنا الجلوس في الاستنقاع فكونه مسألة عامة البلوى غير واضح, بل حتى اذا قلنا بأنه لم يؤخذ فيه, وكان المراد بالاستنقاع هو مجرد النزول في الماء للتبريد _وان كان خلاف الظاهر_ فهو ايضاً غير واضح بأنه عام البلوى بالنسبة للنساء اثناء الصوم, وعلى كل حال فالنتيجة هي نفس النتيجة التي ذهب اليها المشهور وهي أن الجلوس في الماء والاستنقاع فيه بالنسبة إلى المرأة جائز كما هو الحال في الرجل, وان كان فيه حزازة بالنسبة اليها بناء على هذه الرواية.
قال السيد الماتن (ولا ببل الثوب ووضعه على الجسد)
وهو ايضاً جائز والظاهر أنه لا خلاف فيه بل ادعي الاجماع عليه, هذا من حيث اراء الفقهاء, أما من حيث الروايات فأنها متعارضة فيه, واكثرها مانعة منه من قبيل:
رواية عبدالله بن سنان( قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : لا تلزق ثوبك إلى جسدك وهو رطب وأنت صائم حتى تعصره)[7]
فالرواية تمنع من بل الثوب ووضعة على الجسد بالنسبة للصائم, نعم لا مانع منه بعد عصره.
ورواية سهل بن زياد (عن بعض أصحابنا عن مثنّى الحناط والحسن الصيقل قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الصائم، يرتمس في الماء ؟ قال : لا، ولا المحرم، قال : وسألته عن الصائم، أيلبس الثوب المبلول ؟ قال : لا )[8]
وهذه الرواية ايضاً مانعة من لبس الثوب المبلول.
ورواية الحسن بن راشد المتقدمة حيث يقول في ذيلها (قلت : والصائم يستنقع في الماء ؟ قال : نعم، قلت : فيبل ثوبا على جسده ؟ قال : لا، قلت : من أين جاء ذا ؟ قال : من ذاك... الحديث)
ورواية الحسن الصيقل (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : سألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول ؟ قال : لا، ولا يشم الريحان)[9]

هذه هي الروايات المانعة وفي قبالها توجد رواية واحدة مجوزة وهي صحيحة محمد بن مسلم( عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : الصائم يستنقع في الماء، ويصب على رأسه، ويتبرد بالثوب، وينضح بالمروحة، وينضح البوريا تحته، ولا يغمس رأسه في الماء) [10]
فالظاهر أن المراد بقوله (ويتبرد بالثوب) هو أن يبل الثوب ويضعه على جسده_ وان كان السيد الحكيم يستشكل في ذلك_ خصوصاً مع قرينة سياق الرواية الذي فيه الكلام عن الماء, فأنه وان كان هناك بعض الطرق التي يمكن أن يتبرد فيها الصائم بالثوب كما لو وضعه ستراً بينه وبين الشمس, لكن هذا خلاف الظاهر فسياق الرواية ظاهر في أنه يتبرد ببله ووضعه على جسده, ولعل الرواية صريحة في الجواز فتكون في قبال تلك الروايات المانعة.
والروايات المانعة غير تامة سنداً الا واحدة فيها كلام, فمثلاً رواية الحسن الصيقل فيها نفس الحسن الصيقل (الراوي المباشر) مجهول ولا يوجد طريق لأثبات وثاقته, وكذلك رواية سهل بن زياد، عن بعض أصحابنا عن مثنّى الحناط والحسن الصيقل فأن في سندها سهل بن زياد, وفيه ارسال (عن بعض أصحابنا) وفيه الحسن الصيقل لكنه ليس فيه مشكلة, لأنها يرويها المثنى الحناط ايضاً وهو ثقة, فلا تضر مجهولية الحسن الصيقل, لكن الرواية ساقطة سنداً من جهة سهل ومن جهة الارسال, وكذلك رواية عبدالله بن سنان فأن سندها هو ( الكافي عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبدالله بن الهيثم، عن عبدالله بن سنان)
والمشكلة في موسى بن سعدان الحناط الذي نص النجاشي[11] على ضعفة, وعبدالله بن الهيهم مجهول, فالرواية ساقطة من هاتين الجهتين, وعليه تسقط ثلاث روايات من الروايات المانعة وتبقى رواية الحسن بن راشد وسنده (الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسن بن راشد) وهذا السند تام عندنا, لوثاقة الحسن بن راشد, ويكفينا في اثبات وثاقته رواية ابن ابي عمير عنه في هذا السند بطريق معتبر.
نعم ذكر السيد الخوئي (قد) طريقاً لتوثيق الحسن بن راشد غير الذي نعتمده فقال (ولكن نوقش في سندها بأن الحسن بن راشد ضعيف، وليس الأمر كذلك، فإن هذا الاسم مشترك بين ثلاثة، أحدهم الحسن بن راشد أبو علي وهو من الأجلاء ومن أصحاب الجواد ( ع )، الثاني الحسن بن راشد الطفاوي الذي هو من أصحاب الرضا ( ع ) وقد ضعفه النجاشي صريحا، الثالث الحسن بن راشد الذي يروي عن جده يحيى[12]كثيرا وهو من أصحاب الصادق عليه السلام وأدرك الكاظم ( ع ) أيضا، وهذا لم يذكر بمدح ولا قدح في كتب الرجال رأسا، والذي ذكر - وذكر بالقدح كما عرفت - إنما هو الطفاوي الذي هو من أصحاب الرضا ولم يدرك الصادق ( ع )، والراوي لهذه الرواية إنما هو الأخير الذي يروي عن الصادق ( ع )، وهو وإن لم يذكر في كتب الرجال ولكنه مذكور في أسانيد كامل الزيارات، وهذا غير الطفاوي الضعيف جزما. وعليه فلا بأس بسند الرواية)[13]




[12] يبدو أن عبارة السيد الخوئي (قد) فيها اشتباه فأن الصحيح أن الجد هو الحسن بن راشد والحفيد هو القاسم بن يحيى وليس يحيى بن القاسم.