15-12-1434


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/12/15

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مصرف الهدي/ حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 هذا ولكن هناك قرينة في نفس الرواية تدل على أن المقصود من الأضحية ما يشمل الهدي:- وهي قوله عليه السلام ( قال لا بأس أنما قال الله عز وجل فكلوا منها وأطعموا والجلد لا يؤكل ولا يطعم ) ، أنه استشهد بهذه الآية الكريمة التي هي واردة في الهدي وهذا يشكّل قرينة على أن هذه الرواية لا يمكن أن نقول بأنها ناظرة إلى الأضحية المستحبة كما لا يمكن أن نقول أن كلمة الأضحية مطلقة فنقيّدها بغير الهدي الواجب ، كلا فهذا لا يمكن فأن الاستشهاد بالآية قرينة على إرادة ما يشمل الهدي بل يصير الهدي هو القدر المتيقّن فالمعارضة آنذاك مستحكمة والمناسب آنذاك حمل الرواية الأولى - أعني صحيحة معاوية بن عمار - على الكراهة فيكره الدفع إلى الجزّار لتصريح هذه الروية بالجواز ، أن المناسب هو ذلك لولا أن السند قابل للمناقشة باعتبار أن الرواية قد رواها صفوان بن يحيى الأزرق وهذا لا وجود له في أسانيد الروايات ولا في الكتب الرجالية ولعلّ الصواب هو ( عن صفوان عن يحيى الأزرق ) فكلمة ( عن ) حصل فيها اشتباه فصارت ( ابن ) ويحيى الأزرق مجهول ، وعلى هذا الأساس تكون الرواية على كلا التقديرين مرفوضة من حيث السند سواء كأن الصحيح هو ما أثبت أي صفوان بن يحيى الأزرق _ فأنه مجهول أو كأن الصحيح هو صفوان عن يحيى الأزرق فتعود المشكلة في يحيى الأزرق ، وعلى أي الحال الرواية إذن ضعيفة السند فتبقى الرواية الأولى بلا معارضٍ والمناسب آنذاك إما الفتوى بعدم الجواز أو لأجل الرواية الثانية نتنزل إلى الاحتياط الوجوبي.
 وقد تسأل وتقول:- إذا أردنا أن ندفع إلى الجزّار الجلد ولكن لا بعنوان الأجرة وإنما هو لا يريد الأجرة أو دفعنا له الأجرة من شيءٍ آخر ولكن أردنا أن ندفع إليه الجلد فنحن من باب أنه فقير أو أنه أحد المؤمنين أردنا أن ندفع له فهل يجوز ذلك أو لا ؟
 قد يقال:- مقتضى إطلاق صحيحة معاوية هو عدم الجواز لأنه عليه السلام قال ( ولا تعطه الجزارين ) ولم يقيّد بكونه بعنوان الأجرة فيكون هذا النهي مطلقاً فلا يجوز.
 وقد يقال:- إن المنصرف من ذلك هو عدم الاعطاء للجزّارين يعني كأجرةٍ لذبحه وإلا إذا فرض أنه من الفقراء أو من أحد المؤمنين فيكون حينئذٍ كغيرهم ، وهذا الثاني لعلّه هو الأوجه.
 هذا كله بالنسبة إلى الأمور التسعة التي ذكرناها قبل الدخول في المتن الذي كأن بأيدينا - وهو مصرف الهدي -.
 عودة الى المتن:- وبعد اتضاح هذه الأمور يتضح المتن وهو يشتمل على خمس نقاط:-
 النقطة الأولى:- وقد أشار إليها بقوله:- ( الأحوط أن يعطى ثلث الهدي إلى الفقير المؤمن صدقة ويعطى ثلثه إلى المؤمنين هديّة وأن يأكل من الثلث الباقي ) ، وهذه العبارة تتضمن الإشارة إلى النقطة الأولى وقد تعرضنا إلى مضمونها في الأمر الأول والثاني وقلنا في الأمر الأول هل التقسيم الثلاثي لازم أو لا ؟ وقلنا في الأمر الثاني هل المساواة بين الأثلاث لازمة أو لا ؟ وذكرنا الجواب ولا نكرر.
 النقطة الثانية:- الأحوط أن يكون الفقير مؤمناً فالفقير مقيّد بقيد الإيمان ، وقد أشرنا إلى هذا الحكم في الأمر الرابع من الأمور المتقدمة.
 النقطة الثالثة:- ( والأحوط أن يأكل من الثلث الباقي له ) وهذا قد تعرضنا إليه في الأمر الثلث من الأمور المتقدمة ونحن ذهبنا إلى عدم الوجوب لأنه قلنا هذا الأمر وارد مورد توهّم الحظر .
 ونلفت النظر إلى قضيّة لم نشر إليها سابقاً:- وهي أنه حينما نقول ( الأحوط أن يأكل ) فليس المقصود هو أن يأكل جميع الثلث فأن هذا ربمّا يكون تكليفاً بما لا يطاق ، فإذن المقصود لأجل القرينة الخارجيّة - وهي أن المعدة لا تتحمل ذلك كما لا يحتمل أنه يضعه في المجمدة مثلاً إلى أن ينهيه - هو أكلُ شيءٍ منه لا أكله بأجمعه وهذ مطلب واضح ولذلك قال(قده):- ( وأن يأكل من الثلث الباقي ) ولم يقل ( يأكل الثلث ).
 النقطة الرابعة:- تجوز الوكالة أي للفقير أن يوكّل الناسك ويتصرف الحاج بما يشاء - بالشكل المتقدم ، وقد تعرضنا إلى ذلك في الأمر الخامس.
 النقطة الخامسة:- ( ويجوز إخراج لحم الهدي والأضاحي من منى ) ، وقد تعرضنا إلى ذلك في الأمر السادس.
 
 مسألة ( 400 ):- لا يعتبر الإفراز في ثلث الصدقة ولا في ثلث الهديّة فلو تصدّق بثلثه المشاع وأهدى ثلثه المشاع وأكل منه شيئاً أجزأه ذلك.
 مضمون هذه المسألة واضح ولم نشر إليه فيما سبق وحاصله أنه لو بنينا على وجوب التقسيم الثلاثي ونحن لم نبنِ على ذلك فهل يلزم إفراز الثلث عن الثلث الآخر أو يكفي أن نقول للمؤمن خُذ ثلثاً من هذه الذبيحة فلك ثلث منها من دون إفراز وأهدي له الثلث المشاع ، وهكذا الفقير أعطيه الثلث المشاع فهل يكفي تقديم الثلث المشاع أو لابد من الإفراز والقسمة ؟
 والجواب:- المناسب هو جواز الإشاعة وعدم لزوم القسمة وذلك لوجهين:-
 الوجه الأوّل:- الإطلاق ، فأن الآية الكريمة قالت:- ( فكلوا منها البائس الفقير ) أو ( القانع والمعتر ) وأطلقت ولم تقل أطعموا ثلثاً مفروزاً فأن قيد الإفراز ليس مذكوراً ، وهكذا بالنسبة إلى الروايات لو كأنت هي المستند حيث قالت:- ( كُلْ ثلثاً وأهدِ ثلثاً ) فأن الثلث لم يقيّد هنا بكونه مفروزاً . إذن مقتضى الإطلاق هو جواز الإهداء أو التصدّق بثلثٍ مشاع بلا حاجة إلى فرز تمسكاً بالإطلاق.
 الوجه الثاني:- ومع التنّزل والقول بأنه لم يكن لدينا إطلاق بأن قلنا إن الرواية أو الآية ليست بصدد البيان من هذه الناحية فلا ينعقد الإطلاق فتصل النوبة آنذاك إلى أصل البراءة فأن لزوم الإفراز هو الذي يحتاج إلى دليلٍ وحيث لا دليلَ عليه فنتمسك آنذاك بأصل البراءة.
 
 مسألة ( 401 ):- يجوز لقابض الصدقة أو الهدية أن يتصرّف فيما قبضه كيفما شاء فلا بأس بتمليكه غير المؤمن أو غير المسلم.
 ومحصّل المسألة أنه بعد أن دفعنا ثلثاً إلى الفقير فهل يلزم أن نواضبه حتى يأكل ؟ كلا بل يكفي مجرد الإيصال والتسليم إليه سواءً أكل أم لم يأكل أم أراد أن يطرحه في البحر ، صحيح أن الطرح في البحر قد يكون تبذيراً ولكن بالتالي هذا عمل غير جائزٍ من ناحية الفقير وأما من ناحية الحاج فقد حصل الواجب وقد تمّ ، وحينئذ لو أراد الفقير أن يبيع ثلثه أو أراد أن يهديه إلى غير المؤمن - بناءً على اشتراط الإيمان - أو أراد أن يدفعه إلى غير المسلم - بناء إلى أنه يلزم الدفع خصوص المسلم - فكل ذلك لا يضرّ لأن هذا عملٌ صادرٌ بعد تحقق الواجب فالواجب قد تحقق بالدفع إليه أما ماذا يفعل الفقير به فتلك قضية ترتبط به.
 ومن باب الكلام يجرّ الكلام:- إن هذا يأتي بنفسه في باب الفدية والكفارات فلو فرضنا أن شخصاً أعطى كفارة إفطار شهر رمضان إلى الفقير فمجرد أن سلّمه للفقير فقد تحقق الواجب وليس من اللازم أن يثبت أن يأكله الفقير كلا بل قد يبيعه فأن ذلك لا بأس به فأنه قد تحقق الواجب بالتسليم إليه ، ولذلك يجوز أن ندفع إلى الفقير كفارة شهر رمضان عن كلّ يومٍ مدّ فأنا أعطيها له ولا يلزم أن أخبره بأنها فدية فإذا قبضها - وكلّ قبضٍ بحسبه - استطيع أن اشتريها منه وأدفعها له فديةً عن شهر رمضان آخر ... وهكذا في كميّةٍ واحدةٍ من الفدية أستطيع أن أجري فدية رمضانات متعدّدة وهذه طريقة لا بأس بتطبيقها والفقير بعد ذلك قد يبيعها على صاحب المحلّ أو أنا أشتريها منه وهو يحصل على الثمن.
 مسألة (402 ):- إذا ذبح الهدي فسرق أو أخذه متغلب عيله قهراً قبل التصرف والاهداء فلا ضمان على صاحب اليد ، نعم لو أتلفه هو باختياره ولو بإعطائه لغير أهله ضمن الثلثين على الأحوط.
 هذه المسألة تضمنت فرعين:-
 الفرع الأول:- لو فرض أن الناسك قسّم الهدي إلى ثلاثة أقسام وأراد أن يدفع قسماً إلى الفقير فجاء ظالم وأخذ هذا الثلث قسراً أو جاء طائرٌ فأخذه - وهذا من دون تفريط - فإنه في هذه الحالة لا ضمان ، والوجه في ذلك أن الناسك أمين والأمين لا يضمن مادام ليس بمتعدٍّ ولا بمفرّط ، وهذه قضيّة سيّالة وعامّة.
 ولكن قد تسألني وتقول:- كيف ثبت أن الناسك أمين ومن جعلني أمينا فثبت لي هذه الصغرى ؟
 وجواب ذلك واضح:- فأن الشارع قد جعل له حق التقسيم والتصرف فالشارع قال للناسك ( أيها الناسك عليك أن تشتري هدياً وعليك أن تقسّمه ) إذن المخاطب هو الناسك وهو المجاز من قبل الشرع ، فعلى هذا الأساس لا يكون ضامناً مادام ليس بمفرّط ، وهذه مسألة سيّالة ننتفع بها كثيراً .
 ومن باب الكلام يجر الكلام لو فرض أن شخصاً أعطاني كفارات وقال لي ادفعها للفقراء ولكنّها ضاعت - وكذلك سهم الامام أو حق السادة أو غير ذلك أو صلاة أو صوم استئجارية - ففي مثل هذه الحالة هل أكون ضامنا ؟ الجواب:- كلا لا أكون ضامناً مادمت ليس مفرّطاً فمادام لا يوجد تعدّي ولا تفريط فلا ضمان لأني أمين.
 نعم يبقى أنك تسأل وتقول:- إذن ماذا يفعل ذلك الدافع ؟ أقول:- الدافع تكون ذمته مشغولة ولابد وأن يخرج كفارةً جديدةً وصلاةً جديدةً فذاك لم يؤدِ الواجب ولم يوصل الواجب ، والكلام على مقتضى القاعدة.
 ولو سألت وقلت:- وهل عليّ أن أذهب وأخبره بذلك أو أني أترك القضيّة مسكوت عنها ؟ الجواب:- إن ذلك يحتاج إلى دليلٍ فلا دليل على وجوب إخباره ( اسكتوا عما سكت الله عنه ) فالوليّ والميت ذمتهما مشغولةً ولكن لا يوجد دليل على الوجوب في حقيّ فاسكت أنا حتى لا يجب على الولي الدفع مرة ثانية وأمّا أمر الميّت فهو عند الله تعالى فلعلّه بعدما دُفِع عنه يخفف الله تعالى عنه.
 الفرع الثاني:- لو كان قد أتلفه باختياره فيثبت الضمان ، وقد تعرضنا إلى ذلك فيما سبق وقلنا إن المناسب هو عدم الضمان لأن هذا من موارد المصرفيّة ولم يثبت أنه من موارد الملكيّة أو الحقيّة حتى يثبت في ذلك الضمان وما ذكره السيد الخوئي(قده) من ثبوت الضمان في موارد المصرفين للأمرين السابقين لم يتمّا عندنا وقد تمسكنا بالبراءة.
 بهذا قد انتهينا من مصرف الهدي ومن المسائل المرتبطة به.