36/04/17


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, المفطر التاسع , الاحتقان .مسألة 86,67

قال الماتن

التاسع : (من المفطرات الحقنة بالمايع ولو مع الاضطرار إليها لرفع المرض ولا بأس بالجامد وإن كان الأحوط اجتنابه أيضا)[1]

قول الماتن (ولو مع الاضطرار إليها لرفع المرض) وذلك لأن الاضطرار لا يرفع الحكم الوضعي وانما يرفع الحكم التكليفي (الحرمة ) ويمكن التمسك لذلك بأطلاق بعض الادلة الدالة على مفطرية الاحتقان لأثباتها حتى في حالات الاضطرار ولعل مورد صحيحة البزنطي _ التي هي العمدة في اثبات المفطرية _ هو الاضطرار , صحيحة (البزنطي) أحمد بن محمد بن أبي نصر، (عن أبي الحسن (عليه السلام ) أنه سأله عن الرجل يحتقن تكون به العلة في شهر رمضان ؟ فقال : الصائم لا يجوز له أن يحتقن .)[2]
فقوله (تكون به العلة) فيه اشارة الى حالة الاضطرار, ورفع المرض الذي فرضه السيد الماتن , وقد فسرنا عدم الجواز في هذه الرواية بالإرشاد الى المانعية والبطلان.

قال الماتن (ولا بأس بالجامد وإن كان الأحوط اجتنابه أيضا) وعدم مفطرية الاحتقان بالجامد هو المعروف عند الاكثر ونُسب الى بعض كتب الشيخ والحلي في السرائر والمحقق في النافع , وفي مقابل ذلك ما عند السيد في الناصريات, والمفيد وابن بابوية ,والحلبي حيث ذهبوا الى الافساد في الجامد ولم يفرقوا بينه وبين الاحتقان بالمائع .
ويدل على ما ذهب اليه المشهور من انه ليس مفطرا وان المفطرية تختص بالمائع دون الجامد موثقة الحسن بن فضال ( محمد بن الحسن، عن أبيه (قال : كتبت إلى أبي الحسن ( عليه السلام ) : ماتقول في اللطف يستدخله الانسان وهو صائم ؟ فكتب ( عليه السلام ) : لا بأس بالجامد)[3]
فالعبارة فيها صريحة وواضحة في عدم البأس في الجامد , وهذا دليل واضح على ما ذهب اليه المشهور من التفصيل بين المائع والجامد .
وكذلك صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر ( عليه السلام ) (قال : سألته عن الرجل والمرأة، هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء وهما صائمان ؟ قال : لا باس ).[4]
اذا فهمنا منها ان المراد من ادخال الدواء هو ادخال الجامد فأنها تكون دليلا على قول المشهور , واما اذا فهمنا منها الاطلاق وان الدواء اعم من كونه جامدا او مائعا فحينئذ يمكن تقييدها بصحيحة البزنطي التي تنهى عن الاحتقان (بناء على ان المفهوم منها ان المراد بالاحتقان هو الاحتقان بالمائع ) فتكون مخصصة لأطلاق هذه الرواية , ومن هنا يظهر انه لعل ذهاب هؤلاء _ الذين قالوا بالإفساد حتى بالجامد مع ان الرواية صريحة في عدم البأس بالجامد وكذلك الرواية الاخرى يحتمل ان تكون ناظرة الى الجامد وتقول لا بأس به_ الى هذا القول بدعوى اطلاق صحيحة البزنطي والتشكيك في سند رواية علي بن الحسن بن فضال كما هو مبنى البعض بعدم الاعتماد على اسناد الفطحية , لكن الظاهر والصحيح هو ان هذه الرواية يمكن الاعتماد عليها حتى في تقييد صحيحة البزنطي على تقدير ان تكون الصحيحة مطلقة والا فأن هناك تشكيكا في اطلاقها وان الاحتقان ينصرف الى خصوص المائع ولا يقال لمن ادخل الجامد انه احتقن .
فالحاصل ان المقام فيه ثلاث روايات صحيحة البزنطي تدل على المنع وصحيحة علي بن جعفر تدل على عدم المنع , والظاهر هو ان الاولى مختصة بالمائع والثانية مختصة بالجامد , وعلى اسوء التقادير بأن نفترض اطلاقهما فتأتي موثقة بن فضال وتقيد كلا منهما , لأنها فيها دلالة على عدم البأس في الجامد ودلالة على وجود البأس في غيره (المائع) .
فالظاهر هو ما ذكره السيد الماتن (ولا بأس بالجامد) .
قال الماتن
(وإن كان الأحوط اجتنابه أيضا) بلا اشكال في ذلك بأعتبار الخروج عن مخالفة ما ذهب الى مفطريته من العلماء والفقهاء خصوصا انهم من المتقدمين .

قال الماتن

مسألة 67 : (إذا احتقن بالمائع لكن لم يصعد إلى الجوف بل كان بمجرد الدخول في الدبر فلا يبعد عدم كونه مفطرا وإن كان الأحوط تركه .)[5] من الواضح ان المناط في المفطرية وعدمها هو صدق الاحتقان لأن الدليل دل على مفطرية الاحتقان وان الصائم لا يجوز له ان يحتقن , فإذا فرضنا ان ما ادخله الصائم لم يصعد الى الجوف وكان في الاطراف فقط فأنه لا يبعد ان الاحتقان منصرف عنه , وبالتالي لا يكون داخلا بالنص ولا داخلا بالدليل الدال على مفطرية الاحتقان , واذا افترضنا انه يدخل في الجوف لكن لا يصعد الى اعلى الجوف فأنه قد يُشكك بالانصراف, فالمهم هو ان المناط على صدق الاحتقان فأن صدق شمله الدليل والا فلا .
والقيود التي ذكرها السيد الماتن لا يبعد فيها دعوى الانصراف فالظاهر ان الدخول الى الجوف مأخوذ في مفهوم الاحتقان فلا يبعد انصرافه عما اذا لم يتحقق فيه ذلك .
لكن هذا الكلام على فرض انه عندما ادخل المائع عالما بعدم وصوله الى الجوف , اما اذا كان عالما بدخوله الى الجوف ولكنه لم يدخل اليه لسبب ما عند الاحتقان فهنا يكون الالتزام بعدم المفطرية مشكلا, بل الظاهر هو الالتزام بها للإخلال بالنية لأنه نوى المفطر .

قال الماتن

مسألة 68 : (الظاهر جواز الاحتقان بما يشك في كونه جامدا أو مائعا وإن كان الأحوط تركه)[6]
لا يبعد ان يكون هذا الحكم مبنيا على ان المفطر هو الاحتقان وانه ينصرف الى المائع , اما الجامد فهو غير داخل في الدليل (صحيحة البزنطي) كما احتملنا ذلك سابقا , وحينئذ لا نحتاج الى الالتزام بعدم المفطرية في الجامد الى دليل , وبناء على هذا يتم كلام السيد الماتن من انه على تقدير الشك في ان هذا جامد او مائع يجوز الاحتقان به, لأن المفروض اننا نشك في صدق الاحتقان عليه وهو شبهة تحريمية بدوية تجري فيها الاصول المؤمنة (فتجري فيها البراءة لنفي التكليف والحرمة الوضعية (المفطرية )) , ولا يجوز الرجوع الى صحيحة البزنطي لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية , فالدليل يقول لا يجوز للصائم ان يحتقن ونحن نشك في ان هذا احتقان او ليس احتقانا , فهو ان كان مائعا يصدق عليه الاحتقان المفطر وان كان جامدا فهو ليس احتقانا .
هذا بناء على عدم شمول صحيحة البزنطي للجامد, واما على ا لرأي الاخر الذي يقول بشمول صحيحة البزنطي للجامد, وان الاحتقان له مفهوم واسع يشمل المائع والجامد ولو بقينا نحن والصحيحة لذهبنا الى عدم الجواز مطلقا, وانما التزمنا بالجواز في الجامد لدليل (موثقة ابن فضال ) حيث دل على عدم البأس في الجامد فأخرناه من اطلاق صحيحة البزنطي , فبناء على هذا المبنى يشكل ما ذكره السيد الماتن من جواز استعمال هذا الفرد المشكوك بل يمكن ان يقال بعدم الجواز لأن صحيحة البزنطي بحسب الفرض مطلقة , خرج منها الجامد بدليل ؛ وهناك قانون في باب التخصيص يقول اذا خرج عنوان وجودي من العام فأن العام يتعنون بعنوان عدمي , أي ان الباقي تحت العام يتعنون بعنوان عدمي , فإذا اخرجنا عنوان الجامد من اطلاق صحيحة البزنطي فأنها يكون موضوعها هو الاحتقان بغير الجامد (عدم الجامد) من قبيل اكرم العلماء الا الفساق فأن عنوان الفساق عنوان وجودي فيخرج من العام فيتعنون العام بعنوان العالم غير الفاسق وليس العالم العادل ؛ ويظهر اثر ذلك في محل الكلام حيث ان موضوع المفطرية قبل التخصيص كان الاحتقان وبعد التخصيص صار الموضوع مركبا من الاحتقان وان لا يكون جامدا (عدم الجامد) وهذا الموضوع يمكن احرازه في محل الكلام لأن الجزء الاول منه وهو الاحتقان محرز بالوجدان بحسب الفرض _ لأن موضوع الاحتقان بحسب الفرض عام يشمل الجامد والمائع_ والجزء الثاني منه وهو انه ليس جامدا يحصل بالأصل أي نجري فيه اصالة عدم كونه جامدا ولو بلحاظ العدم الازلي وبذلك نحرز كلا جزئي موضوع المفطرية لأنه عبارة عن (الاحتقان بغير الجامد ) وبذلك نحكم بالمفطرية وعدم الجواز خلافا لما ذكره السيد الماتن .
وهذا الاصل (اصالة عدم كونه جامدا) لا يعارض بأصالة عدم كونه مائعا , لأن عدم كونه مائعا لا يجري فيه الاصل لعدم الاثر لذلك , فأن اصالة عدم كونه مائعا الغرض منها اثبات الجواز وهو لا يجري لأن موضوع الجواز ليس هو عدم كونه مائعا وانما موضوعه هو الجامد (لا بأس بالجامد) واصالة عدم كونه مائعا لا يثبت كونه جامدا الا بناء على الأصل المثبت , وهذا بخلاف اصالة عدم كونه جامدا فأنها يترتب عليها الاثر لأن موضوع المنع هو الاحتقان وعدم كونه جامدا .
هذا كله اذا قلنا بهذه النظرية التي تقول بخروج العنوان الوجودي بالتخصيص من دليل العام يوجب تعنون العام بعنوان عدمي , واما اذا قلنا بأنه لا يتعنون بعنوان عدمي وانما يتعنون بعنوان وجودي مضاد لما خرج بالتخصيص كما لو خرج الفاسق من العام فأن العام يتعنون بعنوان العادل , وفي محل كلامنا يخرج الجامد بالتخصيص فيتعنون العام بعنوان المائع , فيكون موضوع المفطرية هو الاحتقان بالمائع , وحينئذ لا يمكن احراز ان هذا الاحتقان( الفرد المشكوك ) هو احتقان بالمائع , ففرق بين ما يكون الموضوع هو غير الجامد حيث يمكن احرازه بضم الاصل الى الوجدان, وبين ما يكون موضوعها هو الاحتقان بالمائع فلا يمكن احرازه , لأن الشبهة موضوعية ولا يجوز التمسك بالعام فيها , وحينئذ نرجع الى الاصول العملية والجواز كما ذكر السيد الماتن .
وقد ذكر هذا الكلام السيد الخوئي (قد)
وما نقوله هو انه بناء على انصراف الاحتقان الى خصوص المائع واختصاص صحيحة البزنطي بالمائع فقط بحيث لو بقينا نحن وهذه الصحيحة نقول بأنها لا تشمل الجامد , فما ذكره (قد) يكون كلاما تاما أي ان الحكم بالجواز يكون صحيحا لأننا نشك في صدق المفطر على هذا , وقلنا بأن الاقرب هو الانصراف .
واما بناء على الرأي الاخر (عدم الانصراف وان خروج الجامد يكون بدليل ) فحيث ان هذا الدليل منفصل, لأن الدليل هو موثقة ابن فضال وهي دليل منفصل عن صحيحة البزنطي .
فحينئذ نقول ان كانت الشبهة مفهومية كما لو شككنا به بأعتبار الشك بمفهوم الجامد والمائع لعدم وضوح مفهوم الجامد ومفهوم المائع ونشك في انه هل له مفهوم واسع يشمل الفرد المشكوك او ان مفهومه ضيق لا يشمل الفرد المشكوك , حينئذ يجوز التمسك بالعام في الشبهة المفهومية فيما لو كان المخصص مخصصا منفصلا كما هو المفروض في محل الكلام , ومعنى ذلك هو اننا نلتزم بعدم الجواز وبالمفطرية تمسكا بصحيحة البزنطي, لأن الخارج منها هو عبارة عن الجامد ونحن نشك في هذا الفرد لكن شكنا بنحو الشبهة المفهومية فيجوز التمسك بالعام في هذا الفرد المشكوك , نعم اذا كان المخصص متصلا يسري الاجمال من الخاص الى العام فيمنع من التمسك بالدليل لكن هذا المخصص منفصل فيجوز التمسك حينئذ بالعام في محل الكلام .
واما اذا كانت الشبهة مصداقية فحينئذ يصح ما ذكره السيد الخوئي (قد) من انه يمكن احراز موضوع المفطرية (موضوع صحيحة البزنطي ) بضم الاصل الى الوجدان .