36/03/20


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, الثامن , البقاء على الجنابة عمدا , مسألة 56 تفصيل الكلام في القسم الثاني (التردد )
القسم الثاني : حالة التردد وفيها خلاف في وجوب قضاء الصوم وكذلك خلاف في وجوب الكفارة, فالمسألة خلافية, فالمحقق في الشرائع وكذا في المعتبر يظهر منه القول بالبطلان وترتب وجوب القضاء كالقسم الاول , بل يظهر من العلامة في المعتبر كما حكي عنه دعوى الاجماع على البطلان , لكن صاحب المدارك تأمل في الحكم بالبطلان في هذا القسم .
واستدل المحقق في المعتبر على البطلان بهذا الدليل (لأن مع العزم على ترك الاغتسال يسقط اعتبار النوم، ويعود كالمتعمد للبقاء على الجنابة)[1]؛ وقد فُسر كلامه (يسقط اعتبار النوم ) هو ان النوم لا يكون مؤثرا في اتصاف ترك الغسل بكونه اضطراريا, فمع عدم العزم المذكور يؤثر النوم في اتصاف كون ترك الغسل اضطراريا فلا يوجب البطلان , لكنه عندما يكون عازما على ترك الغسل فأنه يسقط اعتبار النوم أي ان ترك الغسل يكون حينئذ كأنه اختياري .
واعترض صاحب المدارك على هذا الكلام بأن كلامنا في المتردد وهذا الكلام ليس في المتردد وانما هو في العازم فهذا الاستدلال لا يصح في محل كلامنا (التردد).
واستدل على البطلان بأدلة منها :-
الدليل الاول : التمسك بالنصوص والادلة الدالة على مسألة تعمد البقاء على الجنابة.
ومن هذه النصوص صحيحة الحلبي (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) انه قال في رجل احتلم أول الليل، أو أصاب من أهله ثم نام متعمدا في شهر رمضان حتى أصبح، قال : يتم صومه ذلك ثم يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان ويستغفر ربه .)[2]
فالرواية صريحة في وجوب القضاء فتدل على البطلان لكن لابد من القول بأطلاقها لشمولها لمحل الكلام , فأن الذي يفهم منها تعمد النوم وهو اعم من مسألة العزم على الاغتسال او العزم على تركه او التردد .
وصحيحة ابن أبي نصر ـ (عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان، أو أصابته جنابة ثم ينام حتى يصبح متعمدا ؟ قال : يتم ذلك اليوم وعليه قضاؤه )[3]
فهي ايضا تدل على البطلان بأعتبار الزامه بالقضاء وايضا يدّعى اطلاقها وشمولها لمحل الكلام بالإطلاق بالنكتة السابقة وهي انه لا يفهم منها الا تعمد النوم وهو اعم من ان يكون مع العزم على الغسل او العزم على تركه او التردد .
هذا هو الدليل الاول للقول بالبطلان ولكنه لا يمكن التمسك به بأعتبار ان تعمد النوم في الرواية قيّد بأنه حتى الصباح , أي انه تعمد ان ينام حتى الصباح وهو يلازم العزم على ترك الغسل , لأن من يتعمد النوم حتى الصباح فأن هذا يعني انه تعمد ترك الغسل وعزم عليه , فالرواية ظاهرة في القسم الاول (العزم على ترك الغسل ) ؛ وليس لها ظهور واطلاق يجعلها شاملة لمحل الكلام (التردد) لكي يستدل بها على البطلان في محل الكلام .
الدليل الثاني : التمسك بأدلة المفطرية مع النوم الخالية عن مسألة التعمد , ومن هذه الادلة :-
صحيحة محمد بن مسلم (عن أحدهما ( عليهما السلام ) قال : سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان ثم ينام قبل أن يغتسل ؟ قال : يتم صومه ويقضي ذلك اليوم، إلا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر فإن انتظر ماء يسخن أو يستقي فطلع الفجر فلا يقضي يومه.)[4] فليس في الرواية كونه متعمدا , ومقتضى اطلاقها ولو بأعتبار ترك الاستفصال في الجواب هو شمولها لمحل الكلام .
و رواية إبراهيم بن عبدالحميد ( عن بعض مواليه قال : سألته عن احتلام الصائم ؟ قال : فقال : إذا احتلم نهارا في شهر رمضان ( فلا ينم ) حتى يغتسل، وإن أجنب ليلا في شهر رمضان فلا ينام إلا ساعة حتى يغتسل (( وفي نسخة اخرى فلا ينام ساعة حتى يغتسل ))، فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتى يصبح فعليه عتق رقبة، أو اطعام ستين مسكينا، وقضاء ذلك اليوم، ويتم صيامه ولن يدركه أبدا )[5].
وجواب هذه الروايات من جهتين :
الجهة الاولى: انها معارضة بمثلها في موردها من قبيل صحيحة ابي سعيد القماط (أنه سئل أبو عبدالله ( عليه السلام ) عمّن أجنب في أول الليل في شهر رمضان فنام حتى أصبح ؟ قال : لا شيء عليه، وذلك أن جنابته كانت في وقت حلال )[6]
وفي حالات التعارض بهذه الكيفية تحمل الروايات التي حكمت بوجوب القضاء على الاستحباب ,لأن هذه الروايات صريحة في انه ليس عليه شيء , وحينئذ لا يصح الاستدلال بتلك الروايات على وجوب القضاء في محل الكلام .
الجهة الثانية : ان هذه الروايات لها ظهور وهو هذا المكلف _ وان قالت الرواية ينام قبل أن يغتسل _ نام مع قصد استمراره على الجنابة الى الصباح , ولا يمكن الالتزام بأنه يترتب عليه القضاء ووجوب الكفارة بمجرد ان ينام قبل ان يغتسل مع فرض انه لا يقصد استمرار النوم حتى الصباح , فلابد من تقييد الرواية بقصد الاستمرار مع ان هذا القيد يستفاد من روايات اخرى ايضا .
وحينئذ لا يصح الاستدلال بهذه الروايات في محل الكلام لأن المتردد لا يقصد الاستمرار الى الصباح , وانما هو متردد بأنه يغتسل اذا استيقظ او لا ؟
الدليل الثالث : وهو المهم في المقام وهو ما اشار اليه الشيخ الانصاري وتبعه على ذلك جماعة وهو الاستدلال بأن هذا التردد ينافي النية المطلوبة في باب الصوم بأعتبار ان التردد يستلزم عدم نية الصوم فيقع الصوم باطلا لعدم النية , لا من جهة الاتيان بالمفطر _ تعمد البقاء على الجنابة _ كما هو مقتضى الدليل الاول فيكون قد جاء بالمفطر, وبالتالي من يأتي بالمفطر يترتب عليه القضاء والكفارة , وانما يبطل صومه لأنه اخل بالنية ؛ لأن النية معتبرة في الصوم بلا اشكال , والنية المعتبرة هي نية الامساك عن المفطرات , ومن جملة المفطرات البقاء على الجنابة الى الصباح , فالصائم لابد ان ينوي الامساك عن المفطرات بما فيها تعمد البقاء على الجنابة , ومن الواضح بأن هذه النية غير متحققة مع التردد .
وهذا الوجه هو اصح الوجوه المتقدمة , والمشكلة فيه انه على تقدير تماميته فأنه لا يُثبت الا البطلان الموجب للقضاء ولا يثبت وجوب الكفارة , وذلك لما سيأتي قريبا من ان الفساد الذي ينشأ من الاخلال بالنية لا يوجب الكفارة , فأن الادلة الدالة على وجوب الكفارة اُخذ فيها عنوان (من افطر) وقد فهم البعض من هذه العبارة اختصاصها بالأكل والشرب ولذا استشكل في ثبوت الكفارة في مثل الارتماس ,وعلى هذا الفهم يكون الحكم في محل الكلام واضحا , ولكن على فرض كون المراد بها (من افطر) جميع المفطرات كما هو رأي البعض, فأنه لا يصدق في محل الكلام ايضا لأن الكفارة تجب عند الاتيان بالمفطر , وهذا المعنى ( من افطر (جاء بالمفطر)) لا يصدق على من اخل بالنية ؛ وبالرغم من هذا فقد اُستدل على وجوب الكفارة في محل الكلام _كما ذكر السيد الخوئي (قد)_ بصدق التعمد بترك الغسل حقيقة اذا تردد في النية, فيشمله ما دل على وجوب الكفارة على من ترك الغسل متعمدا حتى اصبح, كصحيحة أبي بصير (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح، قال : يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا، قال : وقال : إنه حقيق إن لا أراه يدركه أبدا )[7].
فالرواية صريحة في وجوب الكفارة , والعنوان الذي ورد في وان كان هو (ترك الغسل متعمدا) الا ان المستدل يدّعي ان هذا العنوان يصدق في المتردد فضلا عن القسم الاول (من كان عازما على ترك الغسل ) .