36/02/29


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, الثامن , البقاء على الجنابة .
قال الماتن
(و كما يبطل الصوم بالبقاء على الجنابة متعمّداً كذا يبطل بالبقاء على حدث الحيض و النفاس إلى طلوع الفجر فإذا طهرت منهما قبل الفجر وجب عليها الاغتسال أو التيمّم، و مع تركهما عمداً يبطل صومها. و الظاهر اختصاص البطلان بصوم رمضان، و إن كان الأحوط إلحاق قضائه به أيضاً، بل إلحاق مطلق الواجب بل المندوب أيضاً.)
والظاهر ان بطلان الصوم بالبقاء على الحيض او النفاس والحاقه بالبقاء على الجنابة عمدا هو الذي ذهب اليه جماعة من الفقهاء منهم العماني على ما حكي والعلامة في المنتهى وصاحب الحدائق والسيد في الرياض بل اُدعي عليه الشهرة , واُستدل للبطلان بوجوه _ والكلام في خصوص الحيض اولا ثم يأتي الكلام عن النفاس _ منها :-
اولا : ما في الجواهر من ان الحيض اشد تأثيرا في الصوم من الحنابة بدليل بطلان الصوم بمفاجئة الحيض قهرا , وعدم بطلانه بمفاجئة الجنابة قهرا ؛ ولا يمكن تفسير بطلان الصوم بمفاجئة الحيض الا بوجود منافاة بين الصوم والحيض , فيكون البقاء على حدث الحيض الى الفجر مبطلا للصوم .
ويلاحظ على هذا الوجه انه يتم بالنسبة الى نفس حدث الحيض اي ان نفس حدث الحيض اشد تأثيرا في الصوم من الجنابة للدليل الذي ذُكر ( اي ان مفاجئة الحيض قهرا مبطلة للصوم دون مفاجئة الجنابة قهرا ) ؛ لكن الكلام في المقام ليس في نفس حدث الحيض وانما في اثر الحيض بعد ارتفاعه ؛ فهل ان البقاء على حدث الحيض بعد ارتفاعه اشد من البقاء على حدث الجنابة او لا ؟؟ فالاشدية هنا ليست واضحة ولا دليل عليها ؛ ولا معنى للأستدلال بالمانعية في الجنابة على المانعية في حدث الحيض , حتى وان كان نفس الحيض اشد تأثيرا في الصوم من نفس الجنابة.
ثانيا : التمسك بصحيحة علي بن مهزيار المعروفة علي بن مهزيار ( قال : كتبت اليه ( عليه السلام ) : امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ثم استحاضت فصلت وصامت شهر رمضان كله من غير أن تعمل ما تعمل المستحاضة من الغسل لكل صلاتين، هل يجوز صومها وصلاتها أم لا ؟ فكتب ( عليه السلام ) : تقضى صومها ولا تقضي صلاتها، لان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يأمر المؤمنات من نسائه بذلك . )[1]
فالصحيحة دالة على ان المستحاضة اذا تركت غسلها بطل صومها ووجب عليها القضاء,فيقال في مقام الاستدلال بأن هذا يستلزم ثبوت الحكم في الحائض بطريق اولى لكونها اعظم شأنا من المستحاضة من حيث الحدث .
ويلاحظ على هذا الاستدلال
الملاحظة الاولى : ان هذه الصحيحة فيها كلام كثير وطويل وقد استشكل جماعة في العمل فيها في موردها (المستحاضة ) من عدة جهات وسيأتي الكلام عن ذلك قريبا.
الملاحظة الثانية : ان هذه الصحيحة واردة في من استمر حدثها بأستمرار خروج الدم والتي تكون الاغسال واجبة عليها , وليس موردها في المستحاضة التي انقطع عنها الدم ؛ وحينئذ يقال ليس من الواضح بأن حدث الحيض بعد انقطاع الدم الذي هو محل الكلام اهم من حدث الاستحاضة المستمرة مع استمرار خروج الدم؛ حتى وان كان نفس الحيض ( خروج دم الحيض) من حيث الحدث اولى واهم من دم الاستحاضة لكن الكلام ليس في هذا الامر ؛ وانما الكلام في ان الحائض التي انقطع عنها الدم ولم تغتسل قبل طلوع الفجر عمدا هل يبطل صومها ؟ ام لا؟
ومن هنا يظهر بأن هذا الدليل ليس واضحا ايضا.
ثالثا: التمسك بموثقة أبي بصير، (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إن طهرت بليل من حيضتها ثم توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم)[2]
فالرواية تكاد تكون صريحة في بطلان الصوم وهي تامة سندا ودلالة , فليس هناك خدشة في سندها الا من جهة _ ما تكرر كثيرا _ طريق الشيخ الطوسي الى علي بن الحسن بن فضال ؛ حيث اُدعي انه فيه مشكلة لوجود الزبيري فيه , لكننا تكلمنا عن ذلك مفصلا وبينا عدم وجود تلك المشكلة ولا غيرها , وبقية الرجال في سند الرواية كلهم ثقات فهي تامة سندا وان كانت موثقة من جهة علي بن الحسن بن فضال لأنه فطحي .
نعم قد تثار مشكلة الاعراض عن هذه الرواية بأعتبار عدم التعرض لها في كتب المتقدمين كالسيد المرتضى والسيد بن زهرة والشيخين المفيد والطوسي فأنهم لم يتعرضوا الى مسألة البقاء على حدث الحيض والنفاس في انه يكون موجبا لبطلان الصوم ؛ وقد يفهم من ذلك _ مع وجود هذه الرواية التامة دلالة والظاهر انها معتبرة سندا كما قلنا _ انه لا وجه لعدم التعرض لهذه المسألة الا الاعراض عن هذه الرواية ؛ وان هذا الاعراض يوجب سقوطها عن الحجية , لكن يمكن ان يكون عدم تعرضهم من باب الاتكال على ما هو المشتهر فيما بينهم من ان الحائض تشارك الجنب في كثير من الاحكام ؛ فلعلهم يقولون بالبطلان عند البقاء على حدث الحيض الا انهم لم يذكروا ذلك اتكالا على ما ذكروه من القول بالبطلان عند البقاء على الجنابة ؛ وحينئذ لا يمكن الجزم بأن عدم ذكرهم لهذا الحكم هو بسبب الاعراض عن هذه الرواية ؛ ومع عدم ثبوت الاعراض عنها من قبل المشهور يبنغي العمل بها والاستناد اليها لأثبات هذا الحكم ومنه يظهر ان هذا الحكم الذي ذكره السيد الماتن بالنسبة الى الحيض تام استنادا الى موثقة ابي بصير.

واما النفاس
فقد استدل على مشاركة النفاس لحدث الحيض وحدث الجنابة في ان البقاء عليه يكون موجبا لبطلان الصوم بدعوى ان النفاس يشترك مع الحيض في الاحكام ؛ وقد اطلق هذه الدعوى الكثير من الفقهاء بل اُدعي الاجماع عليها ؛ وعليه فأذا ثبت ان بقاء الحائض على الحدث عمدا حتى طلوع الفجر يوجب بطلان الصوم فأن ذلك يثبت في النفساء وذلك للأجماع على مشاركة النفساء للحائض في الاحكام ؛ وقيل ان هذا مستفاد ايضا من بعض النصوص ؛ ولكن الظاهر ان النصوص التي ذكرت في المقام غير تامة اما سندا واما دلالة واما كلاهما ؛ وقد ذُكر هذا المطلب في محله _ احكام النفاس_ وذكر هناك ان العمدة في الاستدلال على الاشتراك هو الاجماع .
وقد اُدعي هذا الاجماع في لسان اكثر من واحد من فقهائنا كالسيد صاحب الغنية في شرح المفاتيح .
وذكر السيد الحكيم في المستمسك حيث قال وعن المدارك والكفاية انه قول الاصحاب او مذهبهم وفي المعتبر هو مذهب اهل العلم لا نعرف فيه خلافا والعلامة في المنتهى لا نعلم فيه خلافا بين اهل العلم ونحوه عن التذكرة وعن السرائر نفي الخلاف فيه بل الظاهر انه اجماع عند الكل .
فعمدة اشتراك الحائض مع النفساء في الاحكام هو هذا الاجماع الذي نُقل مستفيضا؛ لكن المتيقن على تقدير ثبوت الاجماع هو اشتراك النفساء مع الحائض في احكام الحائض من قبيل حرمة الدخول في المساجد وحرمة مس المصحف وحرمة الصلاة ووجوب الغسل , وهذا هو القدر المتيقن من الاجماع , وليس مساواة النفساء للحائض في احكام الحيض _ وليس في احكام الحائض_ من قبيل ان الحيض اقله ثلاثة ايام , ومحل الكلام يدخل في احكام الحائض لأنه من احكام الحائض هو ما لو بقيت على حدث الحيض يبطل صومها وعليه فلو تم الاجماع يثبت هذا الحكم للنفساء .
قال الماتن
(فإذا طهرت منهما قبل الفجر وجب عليها الاغتسال أو التيمّم)
اما وجوب الغسل فواضح واما وجوب التيمم فأنه مبني على ما تقدم بحثة من القول ببدلية التيمم عن الغسل في باب الصوم ؛ فعلى القول بالبدلية يصح ما ذكره السيد الماتن من وجوب الاغتسال والا وجب التيمم واذا تركت كل منهما يكون صومها باطلا , واما اذا استشكلنا في ذلك _ كما تقدم من اننا لا نملك دليلا واضحا على بدلية الصوم من الغسل مطلقا وفي جميع الموارد _ فيحينذ لا تكون عبارة الماتن تامة .

قال الماتن
(و الظاهر اختصاص البطلان بصوم رمضان )
اي ان مسألة الحائض_ اذا بقيت على الحيض وتركت الغسل عمدا فأن صومها باطل _ مختصة بشهر رمضان ولا تثبت في غيره؛ فالحائض اذا طهرت في صوم غير شهر رمضان سواء كان الصوم واجبا او مستحبا لا يكون تركها للغسل عمدا موجبا للبطلان ؛ لأن هذا الحكم من مختصات شهر رمضان .
والدليل على الحكم السابق هو موثقة ابي بصير وظاهرها الاختصاص بشهر رمضان بأعتبار ان رمضان اُخذ في موضوعها حيث قال عليه السلام (ثم توانت أن تغتسل في رمضان) فأن الحكم مقيد بشهر رمضان, وحينئذ يكون ظاهر الرواية هو الاختصاص بشهر رمضان وعليه فتعميم الحكم لغيره لا تدل عليه الرواية ولا دليل اخر .






[1] وسائل الشيعة , الحر العاملي ,ج10 ,ص66, ابواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك , باب18,ح1, ط آل البيت.

[2] وسائل الشيعة , الحر العاملي ,ج10 ,ص69, ابواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك , باب21,ح1, ط آل البيت.