35/12/06


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, السابع, الارتماس ,مسألة ,45, مسألة 46, مسألة 47,مسألة 48
الكلام يقع في سبب في تقديم جانب النهي على جانب الامر عند التعارض بين دليل النهي عن الغصبية وبين دليل الامر بالغسل.
و ذلك يقع بتقريبان :
التقريب الاول: وهو انه كلما تعارض دليلان وكان لأحدهما اطلاق شمولي وللآخر اطلاق بدلي قُدّم الدليل الذي له اطلاق شمولي على الدليل الذي له اطلاق بدلي ؛ وتذكر هذه الكبرى في باب التعارض , وتطبق في المقام على ان اطلاق دليل اغتسل اطلاق بدلي _ كما هو الحال في دليل صلِ_ فأنه لا يوجب عليه الا الاتيان بفرد واحد من افراد الغسل ؛ بينما اطلاق لا تغصب اطلاق شمولي لأنه يستدعي الاجتناب عن جميع افراد الغصب ؛ فيتقدم الدليل الذي فيه اطلاق شمولي على الدليل الذي فيه اطلاق بدلي وهذا معناه تقديم جانب النهي على جانب الامر .
وهذا التقريب الظاهر ان صغراه تامة في المقام فأن اطلاق الامر اطلاق بدلي وكذلك اطلاق النهي اطلاق شمولي ؛ الا ان الكبرى محل كلام .
فأن هناك اشكال في تماميتها وتقديم كل اطلاق شمولي على الاطلاق البدلي , وهذا ما يُذكر في باب التعارض ولا نحب التوسع في محل الكلام .
التقريب الثاني : ولعله هو الاهم وهو ان يقال اننا نقدم دليل النهي بأعتبار انه يستبطن حكما الزاميا فيقدم على دليل الامر الذي يستبطن حكما ترخيصيا .
اما ان اطلاق الامر يستبطن حكما ترخيصيا فواضح بأعتبار ان اطلاق الامر _ اغتسل _ يستلزم التوسعة والترخيص في تطبيق الواجب على كل فرد من افراد الغسل وهذا من لوازم كون الاطلاق بدليا .
بينما لا تغصب لا يستبطن حكما ترخيصيا لأنه لا يوسع على المكلف , وانما يستبطن حكما الزاميا فهو يلزم المكلف بترك كل فرد من افراد الغصب , وهذا ايضا من جانب النهي من نتائج كون الاطلاق فيه اطلاقا شموليا ؛ فيقال بأنه لابد من تقديم الدليل الذي يتكفل حكما الزاميا (النهي)على الدليل الذي يتكفل حكما ترخيصيا (الامر) .
وهذا الدليل يوجد فيه اشكال كبروي , حيث ان الذي يمكن اقراره فيه هو مقدار ما يكون فيه اعمال لكلا الدليلين , وهذا يتحقق في حالة ما اذا كان الترخيص الذي يستبطنه دليل الامر ترخيصا حيثيا ؛ اي ترخيصا من حيث كونه غسلا او صلاة او غير ذلك , فنقول مثلا ان الامر بالغسل يستبطن الترخيص بتطبيق الجامع على جميع الافراد, اي على هذا الفرد من حيث كونه غسلا وعلى ذلك الفرد من حيث كونه غسلا وهكذا على جميع الافراد ؛ وليس ترخيصا فعليا من جميع الجهات ؛ فعندما يكون الترخيص بهذا المعنى (الترخيص الحيثي) حينئذ يكون الاخذ بدليل النهي اعمال بكلا الدليلين , لأن دليل الامر يستبطن ترخيصا في تطبيق الجامع حتى على الغسل بالماء المغصوب , لكنه يرخصه من حيث كونه غسلا, وهذا لا ينافي حرمة الغسل بالماء المغصوب من حيث كونه غصبا ؛ فأن الحيثية تعددت , و هذا من قبيل _كما يُذكر_ في ما دل على جواز شرب الحليب فأن هذا الدليل فيه ترخيص حيثي لأنه يرخص في شرب الحليب من حيث كونه حليبا , وهذا لا ينافي الدليل الذي يحرم شربه من حيث كونه مضرا او كونه مغصوبا .
وفي محل الكلام اذا كان الترخيص الذي يستبطنه دليل الامر ترخيصا حيثيا فهو لا ينافي دليل التحريم, بل يكون الالتزام بحرمة الغسل بهذا الماء المغصوب من حيث كونه غصبا عملا بكلا الدليلين ؛ وفي هذه الحالة وبتلك النكتة يمكن ان يقال اننا نقدم دليل النهي على دليل الترخيص ( دليل الامر الذي يستبطن الترخيص) .
واما اذا كانت هذه النكتة غير تامة , كما لو كان الترخيص الذي يستبطنه الامر ترخيصا فعليا ومن جميع الجهات ؛ فحينئذ لا نلتزم بتقديم دليل النهي على دليل الامر , لأن هذا من قبيل ان يقول الامر نرخص لك شرب الحليب حتى من حيث كونه غصبا , وهذا بلا اشكال يعارض الدليل الذي يدل على حرمة الغصب ولا معنى لتقديم دليل النهي حينئذ , لأنه ليس اعمالا لكلا الدليلين , وانما هو الغاء لدليل الامر .
وفي محل الكلام نستفيد من دليل الامر بالغسل الترخيص الفعلي وبلحاظ جميع الحيثيات ؛ ومن هنا لا يكون الاخذ بدليل النهي عملا بكلا الدليلين , فلا موجب لتقديم دليل النهي على دليل الامر .
هذه ملاحظة وهناك ملاحظات اخرى نترك ذكرها .
الحالة الثانية : وهي ما اذا كان عالما بالغصبية وعالما بالصوم فيبطلا معا ؛ والحكم ببطلان الصوم بأعتبار انه تعمد المفطر ( الارتماس) مع علمه بأنه صائم, واما الحكم ببطلان الغسل فلأنه عالم بأن هذا الماء مغصوب ومعه لا يتأتى منه قصد القربة فيقع باطلا .
الحالة الثالثة : وهي ما اذا كان متذكرا للصوم ناسيا للغصب فيحكم ببطلان صومه وغسله ؛ اما بطلان الصوم فلأنه متذكر له , واما بطلان الغسل فلأنه ملتفت الى كون هذا الارتماس مفطرا له , فيكون هذا الارتماس منهيا عنه فلا يمكن ان ينوي فيه قصد التقرب .
الحالة الرابعة : وهي ما اذا كان عالما بالغصبية وناسيا للصوم _عكس الصورة الثالثة _ فيصح منه الصوم لأنه بحسب الفرض ناسيا له وعليه فلا يكون متعمدا للمفطر , واما بطلان الغسل فلأجل العلم بالغصبية ومعه لا يمكن ان يقصد الغسل متقربا به .
مسألة 46:( لا فرق في بطلان الصوم بالارتماس بين أن يكون عالما بكونه مفطرا أو جاهلا( [1]
اي على كلا التقديرين يكون الارتماس مبطلا للصوم وذلك لصدق التعمد في كل منهما , وذلك لكونه ملتفتا الى كونه صائما , وسيأتي بحث ذلك مفصلا.
مسألة 47:( لا يبطل الصوم بالارتماس في الوحل ولا بالارتماس في الثلج([1]
لأن غاية ما يمكن ان يقال في المقام هو التعميم للماء المضاف ثم لمطلق المائع كالنفط والزيت _ وان كنا لم نقبل ذلك _ اما التعميم للوحل والثلج فلا وجه له اصلا.
مسألة 48:( إذا شك في تحقق الارتماس بنى على عدمه)[1]
وذلك كأي امر حادث (مشكوك) مسبوق بالعدم فأنه يجري فيه استصحاب عدم التحقق , وهذا الامر واضح جدا , لكن الكلام في ماذا يترتب على هذا الاصل ؟
فأن من شك في انه ارتمس او لا اذا استصحب عدم تحقق الارتماس لأثبات عدم بطلان صومه , فهل يترتب على هذا الاصل نفي البطلان ؟ او لا ؟
وجواب هذا السؤال مرتبط ببحث تقدم سابقا , وهو ان ما يترتب على هذا الاصل ليس هو البطلان, لأن البطلان ليس من آثار الارتماس خارجا , لكي ننفي بأصالة عدم الارتماس اثر الارتماس وهو البطلان ؛ فان هذا يصح فيما لو كان البطلان اثرا للأرتماس ,فيكون الاصل الذي يثبت الارتماس يترتب عليه ثبوت البطلان , والاصل الذي ينفي الارتماس كما في المقام يترتب عليه نفي البطلان ؛ لكن هذا فرع ان يكون البطلان من الآثار الشرعيه للأرتماس , وقد تقدم سابقا ان البطلان ليس من الآثار الشرعية له ؛ وذلك لأن نية الارتماس _ قبل ان يتحقق الارتماس الخارجي _ يتحقق بها بطلان الصوم , وحينئذ يقال ان المكلف الذي شك في انه ارتمس او لا , اذا كان قاصدا للأرتماس وشك في تحققه خارجا فأنه قد نوى المفطر ( الارتماس ) وعليه يكون صومه باطلا سواء تحقق الارتماس خارجا ام لا , حتى لو جزم بعدم تحقق الارتماس .
واذا فرضنا انه لم يكن قاصدا الارتماس وشك في تحققه فأنه في هذه الحالة يحكم بصحة صومه حتى وان تحقق الارتماس لعدم التعمد في ذلك ؛ وبهذا يتضح عدم ترتب اثر البطلان على جريان الاصل في المقام.
نعم الاثر يظهر في نفي الكفارة , فأنها تترتب على الفعل الخارجي ( الارتماس مثلا) ولا تترتب على النية ( نية المفطر) ؛ وحينئذ يمكن استصحاب عدم تحقق الارتماس لنفي الكفارة في المقام .
ولذا فرقنا سابقا بين نية المفطر وبين نفس المفطر , حيث تقدم الكلام في اشكال حاصله :
اذا كانت نية المفطر هي الموجبة لبطلان الصوم , فما هي الفائدة في ذكر المفطرات ( الاكل والشرب والارتماس مثلا) , فأن كل من هذه الامور ليس مفطرا وانما المفطر هو النية ( نية الاكل , نية الشرب , نية الارتماس ) , وكل من هذه الافعال مسبوقة بالنية
دائما ؟
وكان الجواب هو اننا نفرق بين المفطرية وبين البطلان فأن نية المفطر موجبة لبطلان الصوم ولكنها غير مفطرة , فالارتماس يكون مفطرا وتترتب عليه الكفارة وكذا الاكل مفطر وتترتب عليه الكفارة , لكن البطلان في حالة تقدم القصد والنية يكون مستندا الى القصد والنية .