25-11-1434


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/11/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مصرف الهدي/ حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 الوجه الثاني:- أَمْرُ النبي صلى الله عليه وآله وفعله فإنه ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( أمر رسول الله صلى الله عليه وآله حين نحر أن يؤخذ من كل بدنة جذوة - حذوة - من لحمها ثم تطرح في بُرْمَة [1] ثم يطبخ فأكل رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي منها وحسيا من مرقها [2] ) [3] ، وموضع الشاهد هو قوله:- ( أمر رسول الله ... ) والأمر كما قرأنا ظاهر مادةً وصيغةً في الوجوب - والأمر هنا ورد مادة وليس صيغةً - ، وورد صحيحة الحلبي:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام:- ثم أخذ من كل بدنة بضعة [4] فجعلها في قدرٍ واحد ثم أمر به فطبخ فأكل منه وحَسَى من المرق ... ) [5] أي أخذ من كل بدنة قطعة من اللحم.
 وفيه:- إن الاستشهاد إما أن يكون بفعله صلى الله عليه وآله أو يكون بالأمر الصادر منه ، فإن كان الاستشهاد بفعله كما هو مقتضى الرواية الثانية حيث ورد فيها فعل من أفعاله صلى الله عليه وآله وهو:- ( ثم أخذ من كل بدنة بضعة فجعلها في قدر فطبخها فأكل وحَسَى ) وهذا كله فعل من أفعاله فالاستشهاد بذلك هو بفعله صلى الله عليه وآله ونحن نعرف أن الفعل أعمّ من الوجوب فلعلّ هذا شيءٌ مستحبٌّ وليس بواجبٍ ، وإذا كان الاستشهاد بأمره كما هو مقتضى الرواية الأولى التي جاء فيها:- ( أمر رسول الله ... ) والأمر ظاهر في الوجوب فهذا أحسن حالاً من سابقه وله وجهٌ.
 ولكن يردُّ هذا:-
 أولاً:- ما أشرنا إليه في أبحاث سابقة وهو أنّا وإن قرأنا في علم الأصول أن الأمر ظاهر في الوجوب بما في ذلك المادّة ولكن ينبغي التفرقة بين أن يكون الوارد في الرواية هو أمرٌ صادرٌ من المعصوم عليه السلام بأن يقول:- ( آمركم بأن تأخذوا بضعة من كل بدنة ) فهنا نسلّم بأن هذا يدلّ على الوجوب وأخرى يفترض أن الرواية تحكي ما صدر سابقاً كما هو في مقامنا فإن الرواية هنا تحكي عن صدور أمرٍ منه صلى الله عليه وآله أما ما هي الصيغة التي صدرت منه وأيّ صيغة كانت فلعلها صيغة تدلّ على الاستحباب ؟ إن هذا الاحتمال موجود فكيف نستفيد من الحكاية - أي حكاية صدور أمرٍ - الوجوبَ وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها في مقام التفرقة بين أن يكون الأمر صادراً صدوراً مباشرياً وبين أن يكون بنحو الحكاية فالذي بنحو الحكاية لا يمكن أن يستفاد منه الوجوب لما أشرت إليه.
 وثانياً:- يمكن أن نقول إن الأمر المذكور هو أمر غيريّ وطريقيّ وليس أمراً نفسيّاً فحينما يأمر الشخص بأخذ قطعة من البدنة فهذا الإمر غيريّ يعني مقدّمي أي هو مقدمة لشيء وما هو ذلك الشيء ؟ هو الأكل فالأكل هو المطلوب النفسي والرواية لم تُشِر الى أن ذلك المطلوب النفسي هو واجبٌ وإنما أمرت بالأخذ والطبخ وهذا حيث إنه مقدّمي وتوصلٌ الى ذي المقدمة فلابد وأن نلاحظ ذا المقدّمة فإذا كان ذو المقدمة واجباً فهذا الأمر المقدّمي يكون واجباً وإذا كان مستحباً فهذا الأمر يصير مستحباً ، فإذن لا يمكن إن نستفيد من الأمر المذكور الوجوب للنكتة التي أشرت إليها وهي نكتة ظريفة أيضاً.
 إذن لا يمكن أن نستفيد من هاتين الروايتين وجوب الأكل.
 والنتيجة:- هي أن الاكل ليس بواجب لا فقط للجهة التي أشرنا إليها من أن الأمر وارد مورد توهم الحظر بل حتى لو قطعنا النظر عن ذلك فحتى أذا أريد أن يُستدلّ بهذه الروايات فإنها ليست لها دلالة.
 الأمر الرابع:- إن من يُدفع إليه الهدي أو جزءٌ منه هل يلزم أن يكون مؤمناً ؟ فإذا أردنا أن تصدّق فهل يلزم في الفقير أن يكون مؤمناً أو يجوز لغير المؤمن ؟ وهكذا بالنسبة الى الهدي فالمدفوع إليه هل يلزم أن يكون مؤمناً أو لا ؟
 والجواب:- ذكر صاحب المدارك(قده) في هذا المجال ما نصّه:- ( الأولى اعتبار الايمان في المستحق وإن كان في تعيّنه نظر ) [6] فهو قد ذهب الى رجحان اعتبار الإيمان ، وقال في الجواهر:- ( بل إن لم يكن الاجماع لا يعتبر فيه الايمان خصوصاً مع الندرة في تلك الأمكنة والأزمنة فيلزم إما سقوط وجوب الهدي أو التكليف بالمحال ) [7] .
 إذن من حيث الفتوى لا يوجد شيء واضح متفق عليه يمكن نسبته الى الأعلام ويظهر أن المسألة خلافية.
 واختار السيد الماتن(قده) اعتبار الايمان كما في التقرير [8] وذلك لوجهين:-
 الوجه الأول:- إنه ورد في باب الزكاة أنها لا تدفع إلا الى المؤمن وإذا لم يكن هناك مؤمن فلا تدفع الى غيره بل ليس لغيره إلا التراب أو إلا الحجر على اختلاف تعابير الروايات وهذا يفهم منه أن غير المؤمن ليس له أهليّة لأن يُحسَنَ إليه ويُتَصدَّق عليه فلاحظ صحيحة بن أبي يعفور:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- جعلت فداك ما تقول في الزكاة لمن هي ؟ فقال:- هي لأصحابك ، قال:- قلت فإن فضل عنهم ؟ قال:- فأعِد عليهم ، قال:- قلت فإن فضل عنهم ؟ قال:- فأعِد عليهم ، قال:- قلت فإن فضل عنهم ؟ قال:- فأعِد عليهم ، قال:- قلت فإن فضل عنهم ؟ قال:- فأعِد عليهم ، قلت:- فنعطي السّؤال منها شيئاً [9] ؟ قال:- لا والله إلا التراب إلا أن ترحمه ... ) [10] ، هذا بالنسبة الى الوجه الأول الذي تمسك به(قده) ونتيجة التطبيق هو أنه أراد أن يلغي خصوصيّة الزكاة وأنه يفهم من الرواية أن هذا الشخص ليست له أهليّة لذلك.
 وكذلك رواية شعيب بن يعقوب الحدّاد عن العبد الصالح عليه السلام:- ( قلت له:- الرجل منّا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله ؟ قال:- يضعها في إخوانه وأهل ولايته ، قلت:- فإن لم يحظره منهم فيها أحد ؟ قال:- يبعث بها إليهم ، قلت:- فإن لم يجد من يحملها إليهم ؟ قال:- يدفعها الى من لا ينصب ، قلت:- فغيرهم ؟ قال:- ما لغيرهم إلّا الحَجَر ) [11] .
 الوجه الثاني:- إنه ورد في باب الزكاة أن الصدقة والزكاة لا تدفعان إلا لأصحابنا ومعلوم أن ما يُدفَع في باب الهدي هو مصداقٌ للصدقة.
 وفرق هذا الوجه عن سابقه هو أن السابق تمسكٌ بإلغاء خصوصيّة الزكاة فربَّ شخصٍ ينكر ذلك ويقول إنا نحتمل إن للزكاة خصوصيّة ، وأما في هذا الوجه فلا يراد المسك بإلغاء الخصوصيّة بل الرواية تقول:- ( الصدقة لا تكون إلا لأصحابك ) فهذه كبرى كليّة فنطبقها على موردنا لأنه مصداقٌ من مصاديق الصدقة فيكون مشمولاً لهذه الكبرى بلا حاجة الى مسألة إلغاء الخصوصيّة والرواية الدالة على ذلك هي صحيحة علي بن بلال:- ( كتبت إليه أسأله:- هل يجوز أن أدفع زكاة المال والصدقة الى محتاجٍ غير أصحابي ؟ فكتب:- لا تعطي الصدقة والزكاة إلا لأصحابك ) [12] ، والتقريب هو كما أشرنا إليه من أنه توجد كبرى كليّة وهي أن الصدقة لا تدفع إلا لأصحابنا وموردنا مصداقٌ للصدقة ، إذن لا يجوز أن يدفع إلا لأصحابنا.
 وواضح أن هذا الوجه يحتاج لتماميته الى مطلبين:-
 المطلب الأول:- إن العطف فيه بين الزكاة والصدقة يلزم أن يكون من باب عطف المغاير على المغاير وليس عطفاً تفسيرياً ، أما إذا كان عطف الزكاة على الصدقة تفسيري فسوف يصير المقصود من الصدقة هو نفس الزكاة فعاد هذا الوجه نفس الوجه السابق فحينئذً لابد وأن نقول إن نفس العطف يدلّ على المغايرة حتى يتمّ هذا الوجه.
 المطلب الثاني:- إن الرواية مضمرة حيث قال الراوي:- ( كتبت إليه ) فحينئذٍ نحتاج لإثبات حجّيتها الى ذلك الوجه العام الذي ذكرناه لحجّية المضمرات فنأتي به هنا أيضاً.
 ثم قال(قده) تكملة لهذا الوجه الثاني:- إن الصدقة لا يجوز دفعها بمقتضى هذه الرواية إلا لأصحابنا ولكن خرج من ذلك الصدقة المستحبة بالنصّ أما غيرها - ومنها مقامنا - فتكون مشمولة للكبرى الكليّة المذكورة في هذه الرواية.
 ثم أضاف(قده) وقال:- وإذا أشكلت وقلت إنه ورد في الرواية أن الإمام السجاد عليه السلام كان يذبح الأضاحي ويعطي منها ومن جملة من يعطيهم الجيران فلاحظ رواية الكناني:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن لحوم الاضاحي ، فقال:- كان علي بن الحسين وأبو جعفر عليهما السلام يتصدقان بثلث على جيرانهم وثلث على السؤال وثلث يمسكانه لأهل البيت ) [13] ومعلوم أن الجيران ليس كلّهم من أصحابنا بل عادةً يوجد فيهم من غير أصحابنا ، إذن دفع الإمام الى الجيران يدلّ على أنه يجوز الدفع الى أيّ جيران حتى وإن لم يكونوا من أصحابنا.
 أجاب(قده) عن ذلك:- بأن هذه الرواية يمكن أن تكون وارد في الأضحية المستحبّة وليس في الهدي الواجب لأن الوارد فيها:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن لحوم الأضاحي ) فمن الوجيه أن تكون هذه الأضحية أضحيةٌ مستحبّة وقد قلنا أنه في المستحب يجوز ما لا يجوز في الواجب.
 إذن هذه الرواية لا تكون معارضةً للنتيجة التي انتهينا إليها من الوجهين السابقين ، وعلى هذا الأساس يلزم أن يكون المدفوع إليه من أصحابنا.


[1] البرمة:- هو القدر من الحجر كما في رواية الكساء وأنه جاء بحيرة في برمة.
[2] حسى المرق شربه شيئا فشيئاً.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج14، ص162، ب40 من ابواب الذبح، ح11، آل البيت.
[4] والبضعة:- هي الجزء من الشيء
[5] وسائل الشيعة، العاملي، ج11، ص222، ب3 من أبواب اقسام الحج، ح14، آل البيت.
[6] مدارك الاحكام، الموسوي العاملي، ج8، ص45.
[7] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، ج19، ص160.
[8] التقرير، الخوئي، ج5، ص299.
[9] يعني من غير اصحابنا والا لو كانوا من اصحابنا لدخلوا في القسم الأول.
[10] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ص222، ب5 من أبواب المستحقين للزكاة، ح6، آل البيت.
[11] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ص222، ب5 من أبواب المستحقين للزكاة، ح7، آل البيت.
[12] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ص222، ب5 من أبوب المستحقين للزكاة، ح4، آل البيت.
[13] وسائل الشيعة ، العاملي، ج14، ص164، ب40 من ابواب الذبح، ح13، آل البيت.