39/01/27


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/01/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.

وفيه:- إنَّ كل هذه المنهجة مبنية على أنَّ مستند الضمان هو مستند لفظي - يعني قاعدة ( على اليد ) - ، وحينئذٍ هذا المستند اللفظي هل المخصّص له هو الاحسان من البداية ونيّة الردّ من البداية - يعني حينما يأخذ لابد أن يكون ناوياً للردّ - فالمناسب حينئذٍ في موردنا أنَّ الضمان يبقى ، لأنه من البداية لم يقصد الردّ وإنما قصد الردّ بعد ذلك فيستصب بقاء الضمان كما أفاد الشيخ الأعظم(قده) ، أو أنَّ المخصّص هو مطلق الاحسان ولو كان في الوسط والاثناء كما يفهم هذا من السيد اليزدي(قده) ؟

فإذن كل هذه الكلمات التي أفادها الأعلام مبنية على هذا المبنى ، ونحن قد عرفنا فيما سبق أنَّ قاعدة ( على اليد ) ليس المستند لها دليلاً لفظياً وإنما هو السيرة ، فلابد أن نرجع إلى السيرة ، وبناءً على هذا سوف تتغير هيكلية البحث بشكلٍ كلّي ، فلابد وأن نرجع إلى السيرة وحينئذٍ نقول إنَّ القدر المتيقن من السيرة التي تقتضي الضمان هو أنه قصد من البداية بأخذ مال الغير التملّك وبقي إلى آخر الخط على هذا الحال فهذا قدر متيقن في أن السيرة منعقدة فيه على الضمان ، وإذا فرض العكس أي كان قصداً للاحسان من البداية إلى النهاية فهذا قد يقال إنَّ السيرة تقتضي عدم الضمان مادام هو قاصداً للرد من البداية ، وأما حالتنا هذه التي فرض فيها أنه قصد التملك من البداية لأنه كان جاهلاً ثم بعد ذلك حينما علم قصد الاحسان - يعني قصد الرد - فهنا هل السيرة منعقدة على الضمان أو لا ؟ فالبحث لابد وأن يصير هكذا ، يعني هو أشبه بالبحث الصغروي وأنَّ السيرة منعقدة هنا أو لا ؟

لا يبعد أن يقال:- إنَّ السيرة أو الارتكاز يقتضي الضمان حتى في هذه الحالة ، فلو فرض أنَّ شخصاً ركب سيارة بتخيّل أنها سيارته وسار بها ثم التفت بعد ذلك إلى أنها ليست ملكه فقصد في الأثناء الرد ولكن في الأثناء حصل حادث فتلفت السيارة فهل يوجد ضمان أو لا ؟ فالسيرة أو الارتكاز ماذا يقتضي هنا ؟ لا يبعد أنه يقتضي الضمان ، فالبحث لابد وأن يتحوّل إلى شكلٍ آخر لا بالشكل الذي فرضه الأعلام.

على أنَّ ما ذكره العلمان الحاج ميرزا علي والسيد الخوئي - من أنَّ مقتضي الضمان هي اليد التي هي على مال الغير من دون قصد الردّ هي مقتضية للضمان إلى أن يحصل التسليم والردّ وبعد ذلك حينما يقصد الردّ عند الاطلاع فهذا يقتضي الضمان لا أنه لا يقتضي الضمان - يحتاج إلى دليل ، فإنَّ ترتيب هذه المقدّمة بهذا الشكل ما هو دليله ؟ فيمكن أن يقول السيد اليزدي(قده) مثلاً ( إنَّه ليس وضع اليد على مال الغير يقتضي الضمان إلى الأبد يعني إلى أن يحصل الايصال كلا بل مادام لم يقصد الردّ ولو في الأثناء ) فإنَّ هذا ادّعاء يحتاج إلى مثبت ، فمن المنسب أن يتمسّك بالسيرة فيقال السيرة بأنها هكذا انعقدت ، وحينئذٍ تتغير منهجية البحث ، أما من دون الرجوع إلى السيرة نأتي وندّعي أنَّ اليد تقتضي الضمان إلى أن يحصل الايصال والردّ فهذا لا مثبت له ؟!! ، بل نقول: إذا قصد الردّ في الأثناء يرتفع مقتضي الضمان ، يعني أنَّ هذا احتمالاً ثانياً.

فإذن ما أفاده(قده) يحتاج إلى مثبت ، فلابد أنه يستظهر مثلاً من قاعدة اليد هذا المعنى ، فالمهم فنّياً أن يرجع إلى السيرة ويدّعي أنّها هكذا تقتضي فيقول مادمت قد وضعت يدك على مال الغير فأنت ضامن حتى لو كنت جاهلاً إلى أن توصله إلى مالكه ، فهذا نحن نسلّم بهذا ولكن بالسيرة لا أن نثبته بمثل قاعدة على اليد فإنَّ هذا ليس بمثبتٍ بل لابد من الرجوع إلى السيرة ، وإذا رجعنا إلى السيرة فكلّ هذا الكلام - وهو أنَّ القول بأنه يجتمع مقتضي الضمان مع ما لا يقتضي الضمان - لا داعي إليه حينئذٍ ، بل الرجوع إلى السيرة يحل كلّ المشكلة.

ونرشد إلى شيء:- وهو أنه مادام لم يقصد الردّ من البداية فالسيرة تقتضي الضمان إلى أن يوصل العين إلى المالك ، وهذا لا بأس به وتساعد عليه السيرة وذكرت لكم مثالاً فالضمان موجود ، ولكن نقول: يتمكن أن يرجع هذا الشخص على من غرّه - وهو الظالم أو أغير الظالم باختلاف الموارد - لأنه هو الذي صوّر له أن هذه الهدية مثلاً مجانية ، فهو قد غرّه ولو كان يعلم بأنها مغصوبة لما تقرب إليها لكنه حينما أخذها بالتالي يوجد عليه ضمان ولكن له حق الرجوع على المعطي.

فروع في المقام:- إنَّ السيد الماتن(قده) حينما ذكر الصورة الثالثة من الصور الثلاث التي يشتمل عليها المتن وكانت هي أن يأخذ الشخص الجائزة من السلطان الجائر ويعلم بأنها غصب فهنا ماذا يترتب ؟ إنه ذكر جملة من الأحكام أحدها ما انتهى سابقاً وهو أنه هل يجوز له الأخذ وهل يكون ضامناً أو لا والذي ذكره أنه إذا كان قاصداً للردّ من البداية فهو محسنٌ فيجوز له الأخذ مادام بقصد الردّ ولا ضمان ، وكانت هناك شقوق أخرى ذكرناها ترتبط بذلك ، وهذا هو الفرع الأوّل الذي يرتبط بهذه الصورة والآن نريد أن نذكر بقيّة الفروع:-

الفرع الأوّل:- يجب ردّ هذه الجائزة على صاحبها فوراً.

وهذا الحكم ينبغي أن يكون مسلّماً وواضحاً ، إذ أنَّ هذه الجائزة مغصوبة فيجب ردّها بسرعة على صاحبها.

ولكن السؤال:- ما هو التكييف الفقهي لهذا الحكم ؟

والجواب:- من الواضح أنه لا توجد عندنا آية ولا رواية تقول يجب ردّ ما الغير إلى صاحبه فوراً ، ولكن هذا من القضايا المسلّمة التي لا كلام فيها ، فما هو التكييف الفقهي لذلك ؟

يمكن أن يقال:- إنَّ المستند في ذلك حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم المتقدّم في مسجد الخيف الذي رواه زيد الشحام ، وقد تقدّمت هذه الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها فإنه لا يحل دم امرئ ولا ماله إلا بطيبة نفس منه )[1] ، وتقريب الدلالة:- إنه صلى الله عليه وآله وسلم قال ( لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفس منه ) ، فعلى هذا الأساس الرواية قالت لا يحل ما المسلم إلا بطيبة نفس منه ومن الواضح أنه يوجد مقدّر في هذه العبارة ومن دون التقدير لا تصح ، فيوجد مضاف محذوف ، فالعبارة قالت ( لا يحل مال امرئ مسلم ) والحلّ لا ينسب إلى الذوات وإنما ينسب إلى الفعل الاختياري ، وحينئذٍ نقول:- إنه من دون حاجة إلى تقدير فعلٍ يفهم العرف من هذا التعبير أنَّ صاحب المال هو صاحب السلطنة على ماله ولا يجوز مزاحمته في سلطنته هذه ، وهذا كمفهومٍ عام من هذه الرواية وهو مفهوم عرفي ، وحينئذٍ نقول: إذا أردت ابقاءها من دون أن أخبره بذلك فهذا منافٍ عرفاً للسلطنة ، فلابد إذن من اخباره بأنَّ هذا المال الراجع لك هو عندي وإلا إذا بقي ساكتاً ولم يخبره ويقول في نفسه إنه متى ما أتى المالك فسوف أردّها إليه فهذا منافٍ للسلطنة والحديث يفهم منه أنَّ صاحب المال له سلطنة ومزاحمته في سلطنته لا يجوز والسكوت وعدم اخباره بأنَّ ماله عندك منافٍ لسلطنته على ماله فلا يجوز بمقتضى هذا الحديث.

إذن نحن لا نتمسّك بفكرة المقدّر حتى يقال إنَّ المقدّر مردّد بين هذا وذاك وندخل في قضية مردّدة وغير واضحة ومحل نزاع ، بل نقول إنَّ المفهوم عرفاً من الحديث أنَّ كل صاحب مال له سلطنة على ماله ولا يجوز مزاحمته في سلطنته ، فإذا كان مال الغير عندك وهو لا يدري وأنت سكت ولم تخبره بذلك فهذا نحوٌ من المزاحمة له في سلطنته فلا يجوز ذلك.

نعم يبقى كلام في أنه هل مجرّد الإخبار والتخلية كافٍ يعني بأن تقول له إنَّ مالك موجود عندي ولا مانع من أن تأخذه متى جئت أو يلزم الذهاب والتسليم إليه ؟ إنَّ هذا كلاماً ثانياً ، أما الآن فنحن فقط نريد أن نقول إنه لابد من الإخبار بأنَّ المال موجود عندي فالردّ يكون بهذا المعنى أي بمعنى الإخبار أما كيف يكون ذلك فهذا ما سوف يأتي.

وهناك قضية جانبية أخرى:- وهي أنه قد يقال: لنتمسّك بالفقرة الأولى من الحديث ، وهي: ( من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ) فهذه العبارة أوضح فنتمسّك بها ولا نحتاج إلى التمسّك بالشق الثاني ومسألة السلطنة وغير ذلك ؟

قلت:- توجد مشكلتان في العابرة الأولى:-

الأولى:- إنها قالت ( ائتمنه ) يعني أنَّ د المالك هو جعله أميناً ، والمفروض أنَّ موردنا ليس من هذا القبيل ، فالمالك لم يأتِ بالمال إليه ولكن هذا الشخص أخذها من السلطان ثم اتضحت أنها ملك للغير.

الثانية:- إنه ليس من البعيد أن يكون المقصود من عبارة ( فليؤدها إلى من ائتمنه ) يعني لا تمتنع من دفعها أنت أما ما هو واجبك فهل هو أكثر من عدم الامتناع ؟ فهذا قد يقال بأنَّ الرواية لا تدل عليه فإنَّ المقصود من ( فليؤدها ) يعني لا تمتنع فهو قد جعلك أميناً ، فأنت أدّها بمعنى لا تمتنع من أدائها ، وحينئذٍ هذا الشخص الذي عنده الجائزة لا يمتنع بل يقول متى ما جاء صاحب المال فأنا لست ممتنعاً من دفعه إليه.

ولأجل هذا انتخبنا ذيل الرواية بدلاً من صدرها.