39/01/17


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/01/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.

الدليل الثاني:- قاعدة نفي العسر والحرج ، بتقريب: إنّ ترك جميع موارد هذه الشبهات التي ذكرناها يعني جوائز الجائر وأموال العمال والمعاونين للجائر وأموال من يتسامح في الربا والعشّارين وغير ذلك هؤلاء ترك امولهم جميعاً يلزم من ذلك العسر وبقاعدة ﴿ وما جعل الله عليكم في الدين من حرج ﴾ [1] يرتفع الحكم بوجوب الاجتناب إلى أن نعلم الحرام بعينه ، هذا ما ذكره.

ثم أضاف شيئاً وقال:- رب قائل يقول: إنَّ كلامنا هو في الجائر فلا معنى لدعوى العسر والحرج مادام الكلام في الجائر فقط ؟

أجاب وقال:- إذا كانت هناك خصوصية للجائر فهي ثبوت الحلية لها أما من ناحية الحرمة والعلم الاجمالي فذلك لا يختص بأموال الجائر بل يعم أموال من أشرنا إليهم فحينئذٍ الحرمة سوف تكون دائرتها وسيعة وحيث يلزم من هذه السعة العسر فيرتفع حينئذٍ وجوب الاجتناب ، ونصّ عبارته:- ( وإلى إمكان دعوى العسر والحرج في التجنب عن أموالهم ...... ودعوى أن محل الكلام أموال الجائر لا المذكورين مدفوعة بأن الخصوية المحتملة في الجائر إنما هي في طرف الحلّية بمعنى إمكان تخصيص الحلّية بهم وإلا فالحكم بالحرمة بناء عليها مشتركة بين المجموع والحاصل أنا لو قلنا بالحرمة نقول بالمجموع ولا يمكن ذلك للزوم الحرج ).[2]

وفيه:-

أوّلاً:- إنَّ العسر والحرج يلزم لو كانت الشبهة واحدة وكانت أطرافها كثيرة كما إذا علمنا بوجود غناء محرم بين أواني مدينة النجف الأشرف فهذه شبهة واحدة لأننا نعلم بحرام واحد في هذا المجموع ويلزم العسر والحرج ، فإذا أردنا أن نترك كل الأواني فيلزم أن لا نذهب إلى مجلس تعزية ولا غير ذلك ونترك كل الأواني فهنا يتم دعوى لزوم العسر والحرج وبالتالي ترتفع الحرمة ، وكم ترتفع الحرمة فهل يجوز ارتكاب كل الأطراف أو ما يرتفع به العسر والحرج ولكن هذه قضية ثانية ولكن بالتالي يجوز الارتكاب في الجملة إذا كانت لشبهة واحدة وإنما تكون واحدة إذا كان الحكم المعلوم بالاجمال واحداً والمفروض في المقام تعدد الشبهات لتعدد المحرّم المعلوم ، فلو أخذنا ما عند الجائر فقط نعلم اجمالاً بوجود محرّم في جملة أمواله ، وإذا أخذنا من أعوان الجائر نعلم بوجود محرّم آخر في جملة أمواله ، وإذا أخذنا العشارين فأيضاً هكذا ، وإذا اخذنا من يتعاطى بالربا فأيضاً هكذا ، فإذن في كلّ مجموعة يوجد علم اجمالي خاص بها لأنه يعلم بوجود حرام فيها حتى لو قطعنا النظر عن المجاميع الأخرى ، فكل مجموعة باستقلالها يوجد علم اجمالي مستقل فيها ، فإذا كان الأمر كذلك فحينئذٍ لابد من أخذ كل مجموعة على حيالها وبانفرادها ، فنلاحظ هذه المجموعة الأولى هل يلزم العسر والحرج من ترك أخذ أموال الجائر والظالم ؟ فربما لا يلزم ذلك لأنني لست معاشراً للجائر فأنا لست معاشراً للجائر فيلزم ترك جميع أموال الجائر ، ثم أذهب إلى المجموعة الثانية وهي أعوان الظلمة فهل ترك جميع أفراد الشبهة في هذه لمجموعة يلزم منه العسر والحرج أو لا فإن كان يلزم فسوف ترتفع الحرمة وإذا لم يلزم فلا ترتفع الحرمة.

والمهم الذي أريد أن أقوله:- هو أنه لا معنى لحساب هذه المجاميع كمجمعة واحدة حتى يقال إن ترك هذه المجاميع أجمع يلزم منه العسر والحرج إذ المفروض أنه توجد علوم اجمالية متعددة بتعدد الأحكام ، فكل مجموعة لابد أن تؤخذ بانفرادها ولو أخذت بانفرادها فربما لا يوجد عسر وحرج فيها.

ثانياً:- لو سلّمنا أنَّ هذه المجاميع بحكم مجموعة واحدة كما قال وأراد ، ولكن نقول إنه لابد من ملاحظة كل شخص شخص فنلاحظ زيد هل تركه أموال هؤلاء المجاميع كلهم يلزم العسر والحرج عليه أو لا فإذا لزم العسر والحرج يرتفع ، وربما هو يعيش في كوخ في قرية من القرى وهجر أموال هؤلاء جميعاً لا يلزم عليه العسر والحرج ، فإذن لابد من ملاحظة حال كل شخص بانفراده وربما بعض الاشخاص لا يلزم في حقهم العسر والحرج لأنهم يعيشون في مكان كالبرية وغير ذلك.

نعم لو قلنا إن المدار على الحرج النوعي وليس على الحرج الشخصي فيرتفع الحكم في حق الجميع حتى من لا يلزم في حقه الحرج كالذي يعيش في البادية ، والمفروض أنَّ السيد كاظم اليزدي(قده) يريد أن يثبت هذا ، فهو يريد أن يثبت أنَّ الاحتياط مرتفع ويجوز الارتكاب في حقّ الجميع لأنَّ العلم الاجمالي ساقط عن التنجيز بسبب العسر والحرج وهذا يتم بناء على أنَّ المدار على الحرج النوعي وليس على الحرج الشخصي ، وقد قلنا أكثر من مرّة أنَّ الآية الكريمة لا يظهر منها أنَّ المدار على الحرج النوعي لوجاهة أن يكون المقصود من قوله تعالى ﴿ وما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ هو أنه وما جعل عليك يا زيد في الدين حرج فإذا كان هناك حرج في حقك فسوف يرتفع الحكم ، وما جعل عليك يا عمرو في الدين من حرج ..... فيه تريد أن تخاطب كل فرد باستقلاله غايته فراراً من محذور التطويل بلا طائل وتطويل الخطابات صيغ ذلك بخطاب واحد وقيل ﴿ وما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ ، فإذن بناء على هذا يلزم ملاحظة كل فرد باستقلاله وأنه يلزم الحرج الشخصي في حقه أو لا.

إن قلت:- ما ذكرتموه من أنَّ مرجع هذا الخطاب إلى خطابات شخصية بعدد الأفراد جمعت بلسان واحد هذا الذي ذكر احتمال وجيه وذاك أيضاً احتمال وجيه - وهو أن يكون الخطاب خطاباً للأمة وللمجتمع بما هو مجموع - فإذا كان الخطاب للأمة بما هي مجموع وليس لكل فرد فرد فيصير المدار على الحرج النوعي وإذا كان للأفراد يصير المدار على الحرج الشخصي والمفر ان الآية الكريمة مردّدة بين الاحتمالين فلا يمكن أن نجزم بكون المدار على الحرج الشخصي.

قلت:- يكفينا هذا الاحتمال والتردد في الوصول إلى النتيجة التي نريدها ، باعتبار أنَّ أدلة الأحكام الأوّلية التي تقول المسروق حرام والمال الربوي حرام والغصب حرام والخمر حرام نعلم بطروّ المخصّص لها بمقدار الحرج الشخصي أما في حالة الحرج النوعي من دون وجود حرج شخصي فإطلاق ذلك الدليل يبقى على حاله فيلزم التمسّك به ، وهذه قضية فنية ينبغي الالتفات إليها.

إذن ما ذكره السيد اليزدي(قده) في الدليل الثاني قابل للمناقشة.

الدليل الثالث:- إنَّ السيرة من قبل الأئمة عليهم السلام وأصحابهم كانت منعقدة على قبول جوائز الظلمة والدخول إلى دورم وقصورهم والأكل من اطعمتهم وغير ذلك وهذا يدل على أنَّ الشيء إذا لم يعلم بكونه محرماً بعينه فهو حلال ، فعلى هذا الأساس نفس هذه السيرة دليلاً على ذلك ، قال(قده):- ( وإلى إمكان دعوى السيرة القطعية من الأئمة عليهم السلام وأصحابهم والمتشرعة على المعاملة معهم وقبول الجزائز والهدايا منهم وعدم التحرّز من أكل طعامهم وشرابهم ودخول بيوتهم والجلوس على بساطهم ... ).[3]

إذن السيد اليزدي يقول إنَّ مجرّد وجود العلم الاجمالي لا يكفي وإلا لو كان كافياً للزم أن لا تقبل الهدايا ولا يؤكل من طعامهم ولا يتعامل معهم ببيعٍ وشراءٍ وغير ذلك.

وفيه:- إنَّ هذا فعلٌ والعفل صامت وحمّال وجوه فيحتمل أنهم عليهم السلام أو اصحابهم كانوا يقبلون لهدايا وغير ذلك لأجل الاكراه إذ لا يتمكن أن يمتنع من أخذ هدية الظالم ، أو لعلّ بعض الأطراف خارج عن محل ابتلائهم فالعلم الاجمالي يكون ساقطاً عن المنجّزية باعتبار خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء ، كما يحتمل أن شراء الطعام أو الهدية كان بالكلّي والشراء بالكلّي لا يوجب حرمة المشترى ، ولذلك طعام السرّاق وأهل الربا يجوز أكله - وهذا ليس بالعنوان الثانوي – فلو استرى الطعام بأموال الربا أو السرقة أو بغير ذلك فبالتالي هذا الطعام المشترى يكون حلالاً لأجل أنه لم يشتر هذا الطعام بهذا المال المسروق بل اشتراها بالكلّي فهذا يكون صحيحاً غايته حينما يدفع الماءة المسروقة يكون هذا التشخيص باطلاً فللبائع أن يلاحقه ويأخذ منه ماءة غير مسروقة أما أصل البيع فيكون جائزاً وصحيحاً لأنَّ الشراء كان بالكلّي وليس بالشخصي فلا يلزم من ذلك بطلان المعاملة.

وبذلك تحل مشكلة ثوبي الاحرام إذا كانت أمواله غير مخمسة فهو يشتري ثوبي الاحرام بالكلّي غايته هو حين الدفع يدفع من المال غير المخمّس وهذا ليس معناه أنَّ البيع باطل وأنَّ شراء ثوبي الاحرام يكون باطلاً ، كلا بل يكون صحيحاً ، بل حتى الهدي الذي نشتريه فشراؤه يكون بالكلّي وليس بالشخصي فحينئذٍ تكون المعاملة صحيحة وذبحه يكون صحيحاً ، فالتشخيص باطل دون أصل المعاملة ، وبهذا سوف تخفّ المشكلة التي نواجهها فإنَّ الكثير من البيوع سوف تكون صحيحة رغم أنَّ الثمن محرّم إذ ذلك الثمن ليس هو الثمن وإنما الثمن كلّي وهذا مشخّص وبطلان المشخِص لا يلزم منه بطلان أصل المعاملة ، فلعلهم كانوا يأكلون ويشربون من ذلك الطعام باعتبار أنَّ الشراء - يعني شراء السلطان وغيره - كان بالكلّي ولا يشترون بالجزئي ، ولعلّه توجد احتمالات أخرى ، والمهم أنَّ هذا فعلٌ والفعل مجملٌ لا يمكن أن نستفيد منه ما أراده(قده).