38/12/26


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/12/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.

وفي هذا المجال ذكر الشيخ الأعظم(قده)[1] أنه لا يوجد نصّ ، ثم أضاف تلك الاضافة المتقدّمة في المقدّمة الأولى وهي ( بل حتى لو كان هناك نصّ حكومة العقل مقدمة على النص ) ونحن علقنا فميا سبق ولا نكرر ، والمهم أنَّ الشيخ الأعظم(قده) ذكر أنه لا يوجد نصّ في هذا المجال.

وعلى أيّ حال يمكن أن يذكر في المقصود من النص أحد أمور ثلاثة:-

الأوّل:- روايات جائزة السلطان وأنه لا بأس بجوائز العمّال وهي روايات ليست بالقليلة:-

من قبيل:- صحيحة أبي ولاد:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- ما ترى في رجل يلي أعمال السلطان ليس له مكسب إلا من أعمالهم وأنا أمرّ به فأنزل عليه فيضيفني ويحسن إليَّ وربما أمر لي بالدرهم والكسوة وقد ضاق صدري من ذلك ، فقال لي:- كل وخذ منه فلك المهنأ وعليه الوزر )[2] ، وعلى منوال ذلك ما رواه محد بن مسلم وزرارة :- ( قالا:- سمعناه يقول:- جوائز العمّال ليس بها بأس )[3] ، وعلى منوال ذلك أيضاً ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام:- ( لا بأس بجوائز السلطان )[4] ، وعلى هذا المنوال رواية أبي المغرى - المعزى - قال:- ( سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده فقال أصلحك الله أمر بالعامل فيجيزني بالدرهم آخذها ؟ قال:- نعم ، قلت:- وأحج بها ؟ قال:- نعم )[5] ، وربما توجد روايات أخرى في بهذا لمضمون .

فإذن لعلّ مقصود الشهيد الثاني حينما قال ( للنص ) هو هذه الروايات فإنها بإطلاقها تدل على أنه يجوز الأخذ حتى في الحالة التي أشرنا إليه يعني حالة العلم بوجود الحرام فيما عرضه السلطان عليّ بحيث يكون الكل محل ابتلائي ، يعني لا تختصّ هذه الروايات بحالة ما إذا أعطاني شيئاً واحداً وإنما قال خذ كل ما تريد بحيث كان الكل تحت محل الابتلاء لا أن واحداً منها هو محلّ الابتلاء ، هكذا ربما يكون مقصود الشهيد الثاني.

ويردّه:- إنَّ هذه الروايات لا يبعد أن تكون ناظرة إلى حال الشبهة البدوية بأن أعطى السلطان شيئاً واحداً وعادة الشيء الواحد يكون مشكوكاً بنحو الشبهة البدوية من دون أن أكون مبتلياً بجميع الأطراف ولا يشمل محل كلامنا وهو ما إذا كانت جميع الأطراف تحت محل الابتلاء فهنا الشبهة لا تكون بدوية ، فإذن لا يبعد أن تكون هذه الروايات ناظرة إلى حالة الشبهة البدوية كما هو المتعارف.

ولك أن تقول:- لو كان المقصود من هذه الروايات حالة الشبهة البدوية فقط بأن أعطى السلطان شيئاً واحداً كما هو المتعارف ولم يكن المقصود ما يشمل باب الخزانة بحيث يصير الجميع محل ابتلاء ، فلو كان مقصود الرايات هذا فهل يكون ذلك مستهجناً ويشكل حينئذٍ على الامام عليه السلام بأنه لماذا لم تقيد بحالة الشبهة البدوية أو أنَّ العرف يرى أنَّ ارادة هذه الحالة بخصوصها شيء وجيه وارادة الأعم أيضاً شيء وجيه فكلاهما شيء وجيه عرفاً ومادام كلا الاحتمالين وجيهاً عرفاً فيحصل حينئذٍ الاجمال إذ لعلّ مقصوده خصوص الاحتمال الأوّل وهو الشبهة البدوية فإنَّ هذه الحالة هي القدر المتيقن جزماً فيؤخذ بها ، هذا طريق ثانٍ سلكناه بناءً على مبنانا في باب الاطلاق.

الاحتمال الثاني:- هو التمسّك بروايات أن الحلال إذا اختلط بالحرام ولم يتميز فهو لك حلال إلى أن تتيقن بالحرام ، وهي أكثر من رواية ، من قبيل صحيحة عبد الله بن سنان:- ( كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال ابداً حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه )[6] ، وعلى منوال ذلك ما رواه مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سمعته يقول كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو مسروق أو المملوك عنك لعله حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع قهراً أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك والأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة )[7] ، ولا يبعد أنَّ مقصود الشهيد الثاني(قده) هو هذا لأنَّ التأكيد على عبارة المحقّق على لفظ ( بعينه ) وهذا اللفظ موجود هنا فلا يبعد أن يكون مقصوده هو هذا.

ويرد عليه:- إنَّ مثل هذا لا يبعد أن يكون المقصود منه حالة الشبهة البدوية فإن الشبهة البدوية أيضاً يصدق عليها هذا المعنى فمثلاً يصدق على اللحم أن فيه حلال وفيه حرم لأنه يوجد مسروق وأنا لا أعلم بأنَّ اللحم الذي آكله الآن حرام أو حلال - هذا إذا لم تقم أمارة على ذلك كأن رأينا في الشارع اناءً فيه طعام فيحتمل أنه مغصوب ويحتمل أنه مباح - فالشبهة حينئذٍ تكون بدوية ، فكل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه ، فهذه الروايات صالحة للانطباق على الشبهة البدوية فعلى هذا الأساس لا يبعد أن يكون النظر إلى ذلك - يعني إلى حالة الشبهة البدوية - بحيث لو كان مقصود الامام عليه السلام ذلك لما استهجن منه ذلك ولما قيل له لماذا لم تقيد حتى تخرج الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي فإنَّ هذا لا يكون مستهجناً ، فعلى هذا الأساس يحصل الاجمال فيحتمل أن يكون مراده هذا ويحتمل أن يكون مراده الأعم فنأخذ بالقدر المتيقن.

وبغض النظر عن ذلك نقول:- المورد لا يبعد اتصاله بما يصلح للقرينية ، فإنَّ هناك ارتكازاً عقلائياً عرفياً أنه إذا كان يعلم بوجود حرام بين الشيئين فلابد من هجرهما وتركهما ، هذا ارتكاز عقلائي عرفي نتمكن أن نقول هو موجود وهو يصلح للقرينية فحينئذٍ يمنع من انعقاد الاطلاق بحالة لعلم الاجمالي ، فلو سلّمنا أنَّ هذا التعبير صالح للاثنين معاً لكن يحتمل اتصاله بما يصلح للقرينية ، ولا نحتاج إلى الجزم باتصاله بما يصلح للقرينية بل يكفينا احتمال كونه متصلاً بما يصلح للقرينية ، فحينئذٍ لا ينعقد الاطلاق ولا يمكن التمسّك به ، ومن الواضح أنَّ هذا يكون طبقاً لقاعدة عامة ويدخل تحت قاعدة عامة وهي أنه متى ما كان الاطلاق يحتمل اتصاله بما يصلح للقرينية فحينئذٍ لا ينعقد الاطلاق.

ومع التنزّل نقول:- هناك قرينة وضح على عدم الشمول لحالة العلم الاجمالي بنحو الشبهة لمحصور بحيث أنَّ الكل تحت محل الابتلاء وهو أنه بناءً على هذا يمكن تحليل كل محرّم فالماء النجس الذي أتيقن بنجاسته يمكن تحليله حيث نأتي بإناء ثانٍ بنفس المواصفات ونضعه إلى جنب الاناء الأوّل بحيث يشتبه هذا مع ذاك فحينئذٍ نقول سوف تشمله الرواية فيثبت بأنه حلال وهكذا بالنسبة إلى مغصوب وهكذا الخمر والمسروق وكل شيء تخلطه بشيء ثاني سوف تشمله الرواية ، فأنتم الذين بماكم في باب الاطلاق أنكم تأخذون به في عرضه العريض - كما هو مبنى الشيخ الأعظم والسيد الخوئي - فهم يسيرون وراء ألفاظ النص بعرضها العريض فتعالوا تمسكوا بهذا ، فلنقل للشهيد الثاني إذا أنت قلت إن هذا صالح وشامل لهذا المورد - يعني الكل تحت محل الابتلاء - فلنخلط الحرام دائماً بالحلال - لا أننا نخلطهما معاً في اناء واحد بل كل واحد في اناءه ولكن نأتي بغناء ثاني مشابه ونجعله مع الأوّل بحيث يشتبها ولا يتميزان - فهل تلتزم بذلك ؟! هذه قرينة واضحة على أنه ليس المقصود مثل هذه الحالة.

إذن منعتُ من الاطلاق بوجوه ثلاثة.

الاحتمال الثالث في مقصود الشهيد الثاني:- ما ذهب إليه السيد اليزدي(قده)[8] حث ذكر أنه يمكن أن نؤسس قاعدة جديدة - ولنسمّها نحن قاعدة يزدية - ومضمونها أنه كلما اختلط الحلال بالحرام فهو لك حلال إلى أن يتميز الحرام بعينه وهذا حتى في الشبهة المحصورة ، ولكني لم أره يلتزم بذلك في العروة الوثقى وإنما هذا كلام علمي فقط ، فقاعدة كلما اختلط الحلال بالحرام فهو لك حلال حتى في الشبهة البدوية وحتى لو كان الاطراف كلّها تحت نمحل الابتلاء و ...... ، وبناءً على تمامية هذه القاعدة حينئذٍ إذا فتح السلطان خزانته يجوز الأخذ لأنه قد اختلط الحلال بالحرام فيجوز على طبق هذه لقاعدة ، وهذا ليس نصّاً وإنما لأجل هذه لقاعدة.

ولكن من أين لك هذه القاعدة ؟

قال:- أذكر مجموعة أمور استفدت منها هذه القاعدة:-