35/11/05


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, تعمد الكذب على الله تعالى أو رسوله أو الأئمة صلوات الله عليهم. مسألة 24

ذكرنا سابقا ان ما ذكروه من كون المخالفة للواقع مأخوذة في حقيقة الكذب قابل للتأمل , وذكرنا وجه التأمل والكلام الان يقع فيما لو نوقش ما ذكرناه سابقا بأن ما ذكرتم انما يتم عند جعل الصدق والكذب من صفات المخبر فيكون الميزان هو الموافقة والمخالفة لما يعتقده المخبر, واما اذا جعلنا الصدق والكذب من صفات الخبر فحينئذ يصح ما ذهب اليه المشهور بأعتبار ان هناك فرق بين ان نصف الخبر بالصدق والكذب وبين ان نصف المخبر بأنه صادق او كاذب .
فالخبر عندما يوصف بالصدق والكذب يكون المناط هو مخالفته للواقع وموافقته له , فيصح ان يقال بأن المخالفة للواقع مأخوذة في مفهوم الكذب عندما يكون صفة للخبر , اما اذا كان الصدق والكذب من صفات المخبر نفسه فهذا يمكن ان نلتزم فيه بما ذكرتموه لأن المناط فيه هو الموافقة والمخالفة لما يعتقده المخبر نفسه .
اقول ان هذا الكلام لا يؤثر على النتيجة وذلك لأن الظاهر ان الكذب _ الذي اُعتبر شرعا من المفطرات كما يظهر من الروايات _ لوحظ بما هو صفة للمخبر فحتى لو سلمنا بهذا الاشكال وفرقنا بين الصدق والكذب بين كونهما صفة للمخبر وصفة للخبر نقول ان الكذب الذي اعتبر مبطلا للصوم يظهر من الروايات انه صفة للمخبر فلا تكون المخالفة للواقع مأخوذة فيه, وانما المأخوذ فيه هو مخالفة ما يعتقده المخبر ومن هذه الروايات رواية سماعة (قال : سألتهعن رجل كذب في شهر رمضان، فقال : قد أفطر وعليه قضاؤه وهو صائميقضي صومه ووضوئه إذا تعمد)[1]
فالظاهر من هذا التعبير (كذب في شهر رمضان ) هو ان صفة الكذب مأخوذة بما هي صفة للصائم المخبر وليس بما هي صفة للخبر وهكذا في روايات اخرى عديدة, بل حتى رواية أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه باسناده رفعه (إلى أبي عبد الله عليه السلام قال : خمسة أشياء تفطر الصائم الاكل، والشرب، والجماع، والارتماس في الماء،والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة عليهم السلام)[2]
فالظاهر ان المستفاد منها هو ان المراد بالكذب على الله ان من يكون صائما وكذب على الله فأن ذلك يكون مفطرا, لا ان موضوع المفطرية هو الخبر الكاذب .
ومن هنا يتبين
ان المخبر اذا اخبر عالما بالمطابقة ومعتقدا بها كان صادقا في خبره, ولا يصدق الكذب حتى على فرض مخالفة الخبر للواقع ولذا لا يترتب عليه اللوم والذم وسائر ما يترتب على الكذب حتى البطلان, بل لا يترتب البطلان حتى اذا قلنا بتحقق الكذب عند فرض المخالفة على الرأي المعروف , وذلك بأعتبار ما يأتي من ان البطلان يتوقف على العمد, فالإتيان بالمفطر مطلقا ليس مبطلا للصوم وانما تعمد المفطر هو الذي يبطل الصوم فالعمد شرط للناقضية , ومن الواضح ان هذا المخبر ( في محل الكلام ) يجزم بأن خبره مطابق للواقع فأخبر به فلا يكون متعمدا للكذب عند افتراض ان خبره كان مخالفا للواقع , كما انه اذا اخبر عالما بالمخالفة كان كاذبا في خبره حتى على فرض المطابقة للواقع ويترتب عليه اللوم والذم وغير ذلك مما يترتب على الكذب بل تقدم انه يترتب الكذب مع عدم العلم بالمطابقة والتردد في ثبوت ما اخبر به , ومنه يتبين انه في الصورة الاولى ( الاخبار الجزمي مع العلم بالمخالفة ) يتحقق فيها الكذب الذي يوجب بطلان الصوم ويثبت هذا البطلان بمجرد الاخبار لتحقق موضوعه ( الكذب) او لا اقل من تحقق الكذب المأخوذ في الروايات (أي الكذب الذي اخذ بما هو صفة للمخبر) ولا حاجة لأثبات البطلان بأعتبار الخلل في نية المفطر .

الصورة الثانية والثالثة ( وهي صورة الظن بالمخالفة او احتمالها مع الاسناد الجزمي ) فهاتان الصورتان وان جعلهما الماتن صورتين الا ان الظاهر انه لا فرق بينهما .
فهل يصدق الكذب ويكون مبطلا للصوم؟ او لا ؟
هناك وجهان لأثبات عدم البطلان ذُكرا في المستمسك :-
الوجه الاول : وهو مبني على ما ذهب اليه المشهور من كون الكذب هو مخالفة الخبر للواقع ومن الواضح انه مع عدم العلم بالمخالفة والشك بها يُشك قهرا في حصول الافطار في هذا الاخبار , لأن موضوع الافطار هو الاخبار المخالف للواقع ( على الرأي المعروف ) وعليه فعندما يخبر الصائم مع شكه بمخالفة خبره للواقع فهو لا يحرز موضوع البطلان فهو يشك في هذا الخبر الذي اخبر به مخالفا للواقع ؟ او لا ؟ وبالتالي لا يحرز كونه كذبا وحينئذ لا مجال لأثبات البطلان لأن الاصول المؤمنة سوف تجري وتثبت عدم البطلان. .

الوجه الثاني : يقول بأنه سيأتي ان المفطرات ومنها الكذب تختص بحال العمد , وحينئذ لا يكون الاخبار مفطرا في محل الكلام لأن المفروض ان المخبر ليس قاصدا الكذب في اخباره لعدم علمه بكونه كذبا , فهو يحتمل ان اخباره مطابقا للواقع .

اما بالنسبة الى الوجه الاول فمن الواضح انه مبني على التفسير المعروف للصدق والكذب ( وان الكذب هو عبارة عن المخالفة للواقع ) واما بناءا على الاحتمال الذي طرحناه سابقا من ان الكذب هو مخالفة ما يعتقده المخبر او بما يتردد في مطابقته للواقع فلا يتم هذا الوجه لأن موضوع البطلان يتحقق بناءا على هذا التفسير(مخالفة الخبر للواقع).

وهنا يأتي ما ذكره[3] السيد الخوئي في أن المكلف وان كان شاكا في حرمة اخباره لأنه لا يعلم بكذب اخباره على مسلك المشهور الا ان خبره هذا يقع طرفا لعلم اجمالي منجز, لأنه يعلم بحرمة احد الامرين اما هذا الخبر واما نقيضه , ومع كون خبره طرفا للعلم الاجمالي فلا تجري فيه الاصول المؤمنة ,لأن الاصول المؤمنة تجري عندما يكون الشك بدويا , والشك في المقام ليس شكا بدويا وانما هو مقرون بعلم اجمالي , فيمنع من اجراء الاصول المؤمنة من امثال البراءة .

ويُشكل على السيد الخوئي في ان هذا الكلام غاية ما يثبته هو لزوم اجتناب هذا الاخبار , أي حرمة هذا الاخبار تكليفا بأعتبار جريان قاعدة الاشتغال ووجوب الاحتياط في العلم الاجمالي .
لكن هل ان كون هذا الاخبار طرفا للعلم الاجمالي يوجب بطلان الصوم عند المخالفة؟؟
يبدو لأول وهلة عدم امكان اثبات المبطلية , الا ان الظاهر من كلام السيد الخوئي هو امكان ذلك , فيقول ان ارتكاب احد الطرفين في العلم الاجمالي مع فرض منجزية احتماله بالعلم الاجمالي المذكور كاف في صدق تعمد الكذب اختيارا , فهو (قد) ثبت المبطلية ليس من باب صدق الكذب وانما بأعتبار ان هذا المخبر تعمد المفطر , لأن هذا العلم الاجمالي منجز بلا اشكال ومقتضى تنجيزه هو تحريم هذا الاخبار عليه , وفي هذه الحالة ( مع فرض المنجزية لهذا العلم الاجمالي) يكون المكلف في المقام اقدم على الاخبار عامدا مع تردده في المخالفة والمطابقة للواقع وهذا يعني انه تعمد الاخبار على تقديري الموافقة والمخالفة , أي انه تعمد الاخبار سواء كان الخبر مطابقا للواقع او مخالفا له , أي انه تعمد الاخبار بهذا الخبر حتى على تقدير المخالفة وهذا يساوق تعمد الكذب فيكون موجبا للبطلان , وبعبارة اخرى ان هذا المخبر لم يقصد الامساك عن المفطر على كل تقدير , فالبطلان يثبته (قد) من جهة الاخلال بالنية لا من جهة صدق موضوع المبطلية ( الكذب)